ارشيف من : 2005-2008

في ضوء كل ما يجري فيه وحواليه! لبنان.. أي توقعات؟

في ضوء كل ما يجري فيه وحواليه! لبنان.. أي توقعات؟

ان جلاء صورة ما يجري في لبنان ومحاولة رسم توقعات لما هو آتٍ، يحتاج إلى رصد أكثر من موقف وأكثر من تحرك، نظراً للدينامية التي تشهدها الساحة الداخلية، والاهتمام الدولي والإقليمي الاستثنائي المنصب على تطورات الأوضاع فيه. من هنا، فلكل مشهد رسالة ومعنى، ولكل موقف دلالة وقصد، ولكل تحرك غاية وهدف.. ولا شك في ان لعامل التوقيت هنا مغزى خاصا وأهمية خاصة.‏

دولياً يتخذ الاهتمام أكثر من شكل، لكن الجوهر واحد، وعلى نحوٍ أدق يعود الاهتمام الدولي إلى عدة الشغل إياها:‏

1 ـ تفعيل عمل لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس الحريري. والتفعيل هنا ـ بحسب ما رشح من معطيات ـ يراد له أن يأخذ المسارات التالية:‏

أ ـ التركيز على مطلب شمول التحقيق مستويات عليا في النظام السوري وصولاً إلى الرئيس بشار نفسه، وذلك في محاولة واضحة لحشره في الزاوية الضيقة. وفي هذا الإطار سيجري توظيف كلام نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام حتى النهاية.‏

ب ـ الإعلان عن شهادات جديدة تصب في الاتجاه السابق نفسه الذي سبق أن أرساه ديتليف ميليس.‏

ج ـ تحريك قضية المحكمة الدولية في سياق الوصول إلى الإعلان عن تشكيلها لاحقاً.‏

د ـ إرسال رسائل لمن يهمه الأمر تلتقي على أن عمل لجنة التحقيق في طريقه إلى النهاية وبالاتجاه المرسوم، لجهة تأكيد ما سبق أن أكده ميليس في تقاريره المتعلقة بإدانة سوريا وتحميلها مسؤولية الاغتيال.‏

مجمل هذه المسارات تريد في الحقيقة تأكيد واقعة أساسية، ومن ثم تبليغ من يهمه الأمر في داخل لبنان وفي خارجه، بأن عمل لجنة التحقيق مكمل إلى النهاية، وأن لا سبيل للفصل بينه وبين الاستهدافات السياسية الخاصة به، وبالتالي هو جزء لا يتجزأ من مجمل عقد الأزمة اللبنانية والأزمة اللبنانية ـ السورية. هذه الرسالة يراد من خلالها أيضاً تطمين الأفرقاء اللبنانيين (قوى الموالاة حصراً) الذين بنوا كل حساباتهم السياسية وغير السياسية على الربط المحكم بين العلاقات اللبنانية ـ السورية ونتائج التحقيق، وعلى كون التحقيق هو المنصة المركزية للتصويب على النظام السوري في سياق إضعافه لإسقاطه.‏

ب ـ إصدار بيان رئاسي عن مجلس الأمن يعيد التذكير بتقرير لارسن الشهير، لا سيما في ما يتعلق بضرورة تطبيق القرار 1559 كاملاً، لجهة نزع سلاح المقاومة والسلاح الفلسطيني، ولجهة التشديد على دمشق بضرورة إقامة علاقات دبلوماسية بين لبنان وسوريا، وترسيم الحدود أيضاً بين لبنان وسوريا. ولم ينس البيان رئيس الجمهورية إميل لحود، فأشار ضمناً إلى عدم شرعية انتخابه.‏

صحيح ان هذا البيان هو أقل من قرار وأكثر من بيان صحافي، إلا أن خطورته تبقى قائمة، لأنه يستند إلى قرارات وتقارير سابقة. وفي مطلق الأحوال فإن هذا البيان يشكل عملية اعتراض دولية على أي محاولة لِلأْم الأوضاع الداخلية، خصوصاً في ما يتعلق بالأزمة الحكومية، لأنه يصعب من عملية التسوية الممكنة انطلاقاً من دفعه قوى الموالاة لتصليب موقفها من مسألة سلاح المقاومة، بذريعة أنها لا تستطيع مواجهة المجتمع الدولي.‏

كما يشكل عملية اعتراض على أي مخرج لأزمة العلاقات اللبنانية ـ السورية من خلال الاحتفاظ بنقاط الخلاف الأساسية بين الدولتين على ما هي عليه، أي بالصورة التي تثار فيها، والتي تقطع الطريق على أي احتمالات توفيقية لمعالجتها.‏

والنقطة اللافتة في هذا البيان انها تعيد فتح ملف رئاسة الجمهورية من بابه العريض، في الوقت الذي سجلت أجواء قناعة عامة بأن هذا الملف بات مقفلاً حتى انتهاء مدة رئاسة لحود.‏

باختصار، البيان في مجمله هو بمثابة حراسة دولية ورعاية دولية لحالة الانقسام والخلاف، وتعميق لها حتى إشعار آخر.‏

ج ـ الجولة الدولية التي يقوم بها النائب سعد الحريري، والتي شملت حتى الآن كلاً من باريس وواشنطن، تكمن أهميتها في طريقة التعامل الفرنسي والأميركي معها، حيث عومل الحريري معاملة الرؤساء، وباحتضان شامل في مسعى فرنسي ـ أميركي لإرسال رسالة تؤكد هذا المضمون بقوة لمن يهمه الأمر، أي تريد تأكيد أن الحريري هو اليوم رجلهما المعتمد في لبنان، وأنه جزء لا يتجزأ من مشروعهما المشترك. وهذه الرسالة ليس معنياً فيها أطراف لبنانيون فحسب، وإنما أطراف عربية ودولية أيضاً.‏

الخلاصة هنا، أننا أمام محور داخلي قاعدته الولايات المتحدة وفرنسا، وأضلاعه الحريري وجنبلاط والقوى الأخرى المحسوبة عليهما، وإن كان للحريري موقع متميز على الأضلاع الأخرى، وذلك في مقابل ما سُمي بمحور حزب الله دمشق ـ طهران.‏

د ـ اعتماد قوى الموالاة، وفي طليعتها جنبلاط، هجوماً مكثفاً على أكثر من محور وعنوان، وأن يتركز على:‏

ـ مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وبتشديد مريب على أن تبدأ من مزارع شبعا، وذلك بهدف نزع الذريعة من المقاومة في سياق إيجاد الظروف والحجج المناسبة للمطالبة بإيقافها، وبهدف إحداث فك ارتباط بين لبنان وقضية الصراع مع العدو الإسرائيلي، وقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي.‏

ـ التشكيك بوظيفة المقاومة لإحداث الفصل الآنف، وبما يمهد الطريق لعزلها ومحاصرتها والضغط عليها. ان الاستراتيجية المعتمدة واضحة هنا، فهي تستهدف بشكل مباشر فكرة المقاومة نفسها، وبنيّة الإجهاز عليها نهائياً.‏

ج ـ إفشال المبادرة العربية لكونها تستهدف البحث عن حلول توفيقية تضع حداً لأزمة العلاقات اللبنانية ـ السورية، انطلاقاً من الفصل بين مجريات عمل التحقيق في اغتيال الحريري والاستهدافات السياسية لهذا التحقيق. وهذا ما لا تريده قوى الموالاة الجديدة، خصوصاً جنبلاط الذي يعتبر أن أي مخرج لا يقود إلى التخلص من النظام السوري سيلحق الأذى بكل حساباته السياسية التي بناها على هذا الرهان.‏

خلاصة ما تقدم تقود إلى الاستنتاجات الرئيسية التالية:‏

أولاً: ان الفرز بين القوى والاتجاهات السياسية داخل لبنان وفي المنطقة أيضاً، بات جلياً، وهو فرز يتمحور حول مشروعين رئيسيين: مشروع أميركي ـ فرنسي ـ اسرائيلي يستهدف ما بات معروفاً، ومشروع مواجهة لهذا المشروع، قاعدته الأساسية المقاومة.‏

ولا نغالي هنا، لو قلنا ان جوهر المواجهة من فلسطين إلى لبنان مروراً بكل من سوريا والعراق وإيران، انما يتعلق بمصير قوة الممانعة والمقاومة، حتى المواجهة التي تخوضها ايران اليوم في ما يتعلق بالملف النووي في هذا السياق.‏

ثانياً: لا بوادر في الأفق تبشر باحتمالات تسوية لمجمل الأزمات التي يمر بها لبنان اليوم، بل على العكس من ذلك، فإن ما تقدم وغيره من المعطيات، يشير الى أن الأمور قادمة على المزيد من التجاذب وتجميع الأوراق وتوجيه الرسائل وبذل الضغوط.‏

ثالثاً: برغم الكلام عن استئناف المبادرة العربية تحركها، الا أنه في ظل عودة كل من واشنطن وباريس إلى وضع اليد بالكامل على الوضع اللبناني وعلى ملف العلاقات اللبنانية ـ السورية، وفي ظل ما أعلن من مواقف، لا يبدو انه سيكون لهذه المبادرة نصيب حقيقي من النجاح، وإن كان هذا لا يقلل من أهميتها السياسية، حيث ان الموقف العربي التوفيقي يسهم في إحراج من يجب إحراجه، لا سيما اذا ما تحول إلى أداة ضغط فعلية تعيد التوازن إلى معادلة المواجهة مع المشروع الاميركي ـ الاسرائيلي لمصلحة المنطقة برمتها.‏

ولعل هنا تحديداً تكمن أهمية ان يتسع الموقف العربي ليشمل الشارع، هذا الشمول الذي شكل مؤتمر المحامين العرب في دمشق إحدى بواكيره.‏

مصطفى الحاج علي‏

حدث في مقالة/ العدد 1146ـ 27 كانون الثاني/يناير 2006‏

2006-10-30