ارشيف من : 2005-2008

قوى آذار و"إزاحة" لحود..لماذا الاستعجال؟

قوى آذار و"إزاحة" لحود..لماذا الاستعجال؟

من يتأمل في السلوك السياسي لما تبقى من تحالف قوى الرابع عشر من آذار، يجد نفسه أمام:‏

أ‌) ضرب أي شكل من أشكال الوثوقية السياسية التي تستبطن نوعاً من الاغترار السياسي. وهي بذلك تخالف موجبات العمل السياسي، وطبيعة الواقع السياسي وقوانينه التي تميل إلى الاحتمالية أكثر منها إلى الوثوقية.‏

ب‌) المبالغة في دعوى الانتصار وفي مظاهر الاحتفائية وانتشائية القوة.‏

ان هذا النوع من الخطاب السياسي والسلوك السياسي، يضمر خلفه مزيجاً من التوتر والهواجس الكامنة التي يجهد في إخفائها، سيما في لحظات البحث عن التماسك الداخلي واسترداد المعنى وتفعيل المكنون المعنوي، وهذا ما يمكن ملاحظته في كرنفالية الرابع عشر من شباط، وفي محاولة افتعال عدو جديد يعيد شد أواصر التحالف وقاعدته الشعبية نحوه، لتغييب مأزقه الخاص وترحيل مشاكله البينية إلى المستقبل.‏

في هذا الإطار استُخرج هدف إقالة رئيس الجمهورية إميل لحود من الثلاجة ووُضع على نار حامية، بعد ما بدا أن التعايش مع لحود قدر لا بد منه حتى نهاية ولايته.‏

التصويب على رئيس الجمهورية ليس عبثياً، ولم ينطلق من فراغ سياسي، فلحود في حسابات 14 آذار هو الخاصرة الرخوة، والهدف الأسهل في لائحة الأهداف المطلوب إنجازها: نزع سلاح المقاومة وضرب النظام في سوريا.‏

نزع سلاح المقاومة دونه الكثير من العقبات التي تبدأ بالتوازن السياسي العام في البلاد، ولا تنتهي بخطوط الدفاع المتنوعة التي يتحصن فيها هذا السلاح، وهي يمتزج فيها البعد الأخلاقي والمعنوي بالبعدين السياسي والوطني والشعبي والطائفي بامتياز. نعم جرت محاولات وستستمر لإسقاط الهالة الأخلاقية والمعنوية والوطنية والسياسية عن المقاومة وسلاحها، إلا أنها محاولات بقدر ما قد تصيبها بأضرار، فإنها تصيب محاوليها بأضرارٍ أكبر. أما ضرب النظام في سوريا فاصطدم بجملة عقبات ليست أقلها عجز التحقيق الدولي عن إنتاج فعل إدانة حقيقية للنظام، وعدم توافر البدائل العملية والمريحة، إضافة إلى قدرة النظام نفسه على البقاء. من هنا فإن اختيار لحود هدفا من جديد يصبح اختياراً عملياً، فثمة حاجة للاستمرار في المواجهة ونقلها من عنوان إلى عنوان، لتسهيل عملية الإمساك بالساحة السياسية.. ثم إن لحود هو مجرد عنوان لأهداف أبعد وأكبر، الجميع يعرف أن المشكلة الرئيسية لما تبقى من تحالف 14 آذار تتمثل في كون دورة إمساكها بالسلطة لم تكتمل، وهي بقيت واقفة على تخوم قصر بعبدا. وبالتالي فإن إزاحة لحود هي شرط ضروري لإكمال عملية الإمساك بالسلطة، التي من شأنها أيضاً أن تحذف نقطة تقاطع مهمة بين مرحلة الوجود السوري في لبنان ومرحلة خروجه منه. والأمر عينه ينطبق لجهة حذف أحد أهم مواقع السلطة المؤيدة بدون تحفظ لدور المقاومة في لبنان.‏

ان إزالة لحود بهذا المعنى تحقق إضافة إلى هدف الإمساك بكل مواقع السلطة، قطيعة تامّة على مستوى السلطة بين المرحلة السورية والمرحلة الأميركية، ومع المقاومة أيضاً، وفي الإطار الذي يعزز في وجدان اللبنانيين مدى إلزامية تطبيق القرار 1559، هذه الإلزامية التي تستهدف لاحقاً سلاح المقاومة نفسه. الحصيلة الإجمالية لعمل إقالة لحود ـ اذا ما حصلت ـ هي إحداث تغيير في التوازن السياسي القائم، يصاب من خلال جملة أهداف إلى ما تقدم:‏

أولاً: فتح الطريق نحو معالجة سلاح المقاومة. وهنا قد تأخذ المعالجة منحيين: قريب يتمثل بعملية دمج للمقاومة في آليات السلطة، بمعنى أن تصبح السلطة شريكاً في قرار المقاومة. الشراكة هنا هي الوجه الآخر لتعطيل دورها عملياً. وفي هذا الإطار يمكن وضع استراتيجية تحالف 14 آذار المشككة تارة بهوية المقاومة الوطنية اللبنانية، ورفض منحها موقفا صريحا ونهائيا اسم المقاومة، واعتبار ـ كما ذهب البطرك صفير ـ الى ان هذا الاسم وحدها السلطة التي تقرره.‏

ثانياً: إحداث تعديل في مجمل المناخ السياسي المسيحي تحديداً، وبالضد تماماً مع مصلحة التيار الوطني الحر.‏

ثالثاً: قلب التوازنات على مستوى السلطة، بما يمكن من استخدامه لإحداث تصدعات سياسية في المحاور الصلدة والصلبة من الآن.‏

رابعاً: إكمال عملية نقل لبنان إلى المحور الأميركي المفتوح على التوسعية الإسرائيلية في المنطقة والمساند لها، والمضي أكثر في عملية إعادة صياغة منطقة الشرق الأوسط بما ينسجم وهذه التوسعية.‏

خامساً: إحداث عملية تفكيك وعزل لمواقع المقاومة والممانعة في المنطقة، بما يسهل من عملية مواجهتها وإضعافها، وصولاً إلى استتباب عملية الهيمنة الأميركية ـ الإسرائيلية المطلقة على المنطقة. من هذا المنظور تصبح الحاجة إلى قوى مناسبة وملائمة لبنانياً لمحور كهذا.‏

خلاصة القول هنا، إن ما تبقى من قوى الرابع عشر من آذار هي التي تعمل فعلاً على جرّ لبنان إلى صدام وحروب محاور إقليمية ودولية لا طاقة ولا قبل للبنان واللبنانيين بها.‏

مصطفى الحاج علي‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1150 ـ 24 شباط/فبراير 2006‏

2006-10-30