ارشيف من : 2005-2008

هبة باردة.. هبة سخنة.. و"معليش"..

هبة باردة.. هبة سخنة.. و"معليش"..

كنا صغاراً، وكان المقهى القريب من بيت جدي يستضيف رجالات الحي، يشربون القهوة، ويلعبون بالورق، ويعلو الشجار حيناً مع ارتفاع سحابات الدخان من شبابيكه على من يعرف اللعب ومن لا يعرف، وكيف أسقط احدهم شريكه بالفخ، بعد أن نسي كلمة السر او الاشارة المتفق عليها.‏

وفي باحة المقهى الخارجية كان بعض من ضيوفه يمسكون بجريدة صفراء كنا يومها نعتقد أنها إحدى الصحف الشهيرة، يتسقطون منها آخر الاخبار.‏

وبعد أن بدأنا "نفك الحرف" وبتنا نقرأ جيداً علمنا انها لم تكن يومها سوى جريدة مراهنات سباق الخيل.. وقد بات المراهنون كثراً هذه الايام..‏

المراهنون اليوم على أحصنة الرياح الدولية الساقطة في البوسنة ومقابرها الجماعية، والعربة الأممية الملطخة بدماء شهداء قانا والمنصوري والنبطية وقبلها حولا والطيري و... غيرها الكثير، وأساطيل الجيش الاميركي وبطولاته في الصومال، وفيتنام، وهيروشيما وناكازاكي...‏

الظاهر انهم نسوا القراءة في جرائد المراهنات..‏

البعض نسي أن تلك الايام نداولها بين الناس.. وأن العبرة من الماضي تشكل جسر العبور للمستقبل..‏

قد لا يقرأ بعض الناس التاريخ.. وقد يرسم آخرون خطوط الطول والعرض على برتقالة.. أو في مخيلته .. ولكن الحقائق لا تتغير بحسب الاهواء.‏

قطيع الماعز يرسم طريقه أثناء ذهابه وعودته من وإلى المراعي.. حتى البهائم تستدل على وقع حوافرها..‏

أساطيل الولايات المتحدة جربت في السابق.. وتعلمت درساً.. واليوم وغداً تتعلمه في العراق وأفغانستان..‏

درس لبنان.. لا ينسى‏

و"نيوجرسي" رفعت مرساتها ورحلت.. ولن تعود.. وإذا جربت فالفرصة اليوم أضيق من خرم الابرة.. فمياه بحرنا باتت حلوة بفضل دماء المقاومين.. ولن تمخر عبابها.. بل ستغرق فيه..‏

والوصاية التي تمارسها حاكمة العالم على الشعوب.. بفرقها الخاصة التي تدخل عبر بوابات السفارات لتشكل قوة ضاربة في "المستعمرات" الجديدة قد انكشفت..‏

باعترافهم ..هم..‏

وحوار الهبة باردة.. هبة ساخنة.. لا ينفع مع صخر آذار..‏

الناس تعودوا الرد برغم البرد والريح والمطر..‏

ولا بد ان يعشوشب العالم بالمطر..‏

والحديث عن جزرة أمام الحصان.. وحصان أمام العربة.. وأمثال تضرب.. لا يحمل صفة الحوار.‏

ولا يكفي ان نذرف الدمع .. في بيروت، ونطلق الرصاص احتجاجاً على رحيل البعض.. وبعد سنين نعود لنطلق الرصاص على من بقي من القضية.. إن كنا لا نزال نؤمن بالقضية..‏

ولا يكفي أن نتغنى بالمقاومة.. ثم نتطاول على من باع روحه وجسده لله وحماية الوطن.. لتصبح المقاومة.. ميليشيا..‏

"معليش" ..‏

أفيقوا.. الناس تعرف وتتصرف بناء على معرفتها بالتاريخ والجغرافيا .. والمنطق والعقل..‏

وحتى لو ذهب عقل البعض.. الى تصديق الاوهام..‏

ولا تعكسوا الكلمة فتصبح بدل "حوار" "راوح".. فالمكان لا يتسع،‏

قد تضيق صدور الرجال ولكن البلاد لا تضيق بأهلها.. وستلفظ كل المراهنين..‏

مصطفى خازم‏

الانتقاد/ خلف القناع ـ العدد 1152 ـ 10 آذار/ مارس 2006‏

2006-10-30