ارشيف من : 2005-2008
تصاعد الاغتيالات الإسرائيلية: رهان على الردع أم لحسابات سياسية انتخابية
علي حيدر
تواصل الاعتقالات والاغتيالات من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية لكوادر وناشطي المقاومة الفلسطينية ـ والتركيز في هذه المرحلة على الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى ـ الآخذة في التصاعد كلما اقترب موعد الانتخابات الإسرائيلية العامة في الثامن والعشرين من الشهر الجاري... وتزامنها مع ارتفاع منسوب التهديدات، على ألسنة كبار المسؤولين الإسرائيليين، بتوسيع نطاق الاعتداءات واستهداف مستويات سياسية عليا، مع تسريب جهات أمنية رفيعة لما قيل انه تقديرات حول الرؤية التي تقف وراء هذه الاغتيالات (مراكمة الضربات تؤدي إلى ردع الفصائل المقاومة)... يفرض تسليط الأضواء على بعض النقاط ذات الصلة، والمساعدة في الكشف عن حقيقة الواقع والأهداف المؤملة سواء الدائمة منها أو المتصلة بالمرحلة الحالية حصراً:
إن كون سياسة الاغتيالات عنصراً ثابتاً في منظومة الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية لمواجهة فصائل المقاومة، منذ ما قبل إنشاء الكيان الإسرائيلي، اعتمدتها إسرائيل في كل مراحل الصراع... إلا أنها تحولت بعد فشل الرهان على الحسم العسكري في مواجهة المقاومة بعد سقوط أهداف عملية السور الواقي والحملات العسكرية الأخرى التي تلتها، تحولت إلى خيار عسكري وحيد تمت بلورته تحت عنوان الفوز بالنقاط على الانتفاضة والمقاومة وتظهيره بعد فشل الرهان على الحسم العسكري.
بغض النظر عما إذا كان هناك رهان حقيقي على جدوى هذه السياسة في تحقيق الأهداف المؤملة، إسرائيليا، لا يمكن، في كل الأحوال، تصور مرحلة يقف فيها العدو مكتوف الأيدي، وهو يتلقى الضربات والهزائم حتى في مرحلة ما بعد فشل القضاء على المقاومة بالضربة القاضية. بل لا بد ولاسباب استراتيجية ووجودية اجتراح أساليب يتم تقديمها على أنها تحوز معقولية معتبرة أو مرتفعة للرهان عليها لتحقيق الأهداف المرسومة، إذ لا يمكن للأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية ان تستقر في الكيان الإسرائيلي من دون زرع الآمال في وعي الجمهور الإسرائيلي بإمكانية تحقيق هذه الاهداف ولو من باب أن هذه الاغتيالات تجعل من استمرار المقاومة مُكلفة للطرف الآخر، وبالتالي إمكانية أن يترتب عليها، في لاحق الأيام، من التداعيات السياسية والأمنية ما قد يُخرج إسرائيل من مأزقها....
قد يكون مبررا إلى حد ما إمكانية الرهان على جدوى خيار الاغتيالات في ردع فصائل المقاومة لو كنا نقارب هذا الموضوع مع بدايات الانتفاضة أو في النصف الأول من عمر الانتفاضة التي مضى عليها أكثر من 65 شهرا استنفد خلالها العدو كل ما بحوزته من أساليب وإجراءات... لكن يأتي الحديث عن إمكانية ردع فصائل المقاومة بعد هذه الفترة الطويلة وقوافل الشهداء والأسرى والجرحى التي واصلت المقاومة في أعقابها توجيه ضرباتها وأظهرت تصميما وصمودا وإصرارا على مواصلة الطريق اكثر من أي وقت مضى، كيف وقد بدت اولى هذه الثمار في الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة الامر الذي يُظهر بوضوح مدى هشاشة هذا الادعاء. من دون ان يعني ذلك أننا نتجاوز ما ألحقته هذه الضربات من أضرار في قدرات المقاومة وجعلها اكثر كلفة.
وعليه فإن كل هذا الحديث عن إمكانية ردع المقاومة عبر سياسة "التصفيات المركزة" ليس سوى محاولة لإيجاد اساس يُبرر مواصلة الاغتيالات وتصعيدها، وللتعمية على الخلفية الانتخابية والسياسية لتوقيتها، سواء بما يتعلق منها بالاستحقاق الانتخابي المقبل في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، أو ما يتعلق "بالانقلاب" السياسي الديمقراطي الذي تحقق من خلال فوز حماس في الانتخابات التشريعية بما يمكنها من تشكيل الحكومة الذي يُحمّلها المسؤولية السياسية المباشرة على مجمل الوضع السياسي والامني السائد في مناطق السلطة.
الانتقاد/ تحت المجهر ـ العدد 1152 ـ 10 آذار/ مارس 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018