ارشيف من : 2005-2008
الأجندة الوطنية رافعة نجاحه:الحوار اهتز بقوة.. فتش عن أميركا
وفي اليوم الخامس دخل الحوار في عطلة قسرية.. القصف الاميركي ـ الجنبلاطي آتى أكله.. أحاط طاولة الحوار بسقف سياسي حديدي، إما أن يكون الحوار حوار إخضاع للمطالب الاميركية القاطرة للمصالح الاسرائيلية في المنطقة والمسترشدة بها، أو لا يكون. لم نعد أمام فضاء حواري واسع، وإنما أمام لعبة فرض وإكراه، وإن اتخذت اسماً لها: الحوار.
صدرت مواقف جنبلاط الاميركية بعد كلمة السر الاميركية: يجب عدم منح حزب الله أي نصر، وكأن الحوار مطروح ليس من أجل لبنان، وإنما من أجل مصلحة هذا الطرف أو ذاك. هنا ثمة تحريف للحوار، لوظيفته الوطنية، لأن ما يريده الاميركي تحديداً هو بالضد تماماً، فكل ما من شأنه ان يشكل مصلحة وطنية حقة: الحوار لسحب سلاح المقاومة، لا من أجل التوصل إلى صيغة استراتيجية وطنية تحمي لبنان من التهديدات الاسرائيلية. الحوار لتأكيد عدم لبنانية مزارع شبعا، لا لبحث أفضل السبل لتأكيد لبنانيتها.
الحوار للإطاحة برئيس الجمهورية كيفما كان، وبمعزل عن اليوم الذي يلي، وفي أي سياق سياسي مستقبلي. الحوار لنزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ولو الى حدود استخدام القوة، وإدخال البلاد في متاهات أمنية لا أحد يعرف كيف تنتهي، وبعيداً عن أي مقاربات شاملة تمزج بين البعد الإنساني والسياسي والأمني لمشكلة السلاح الفلسطيني. الحوار أخيراً لإبقاء أزمة العلاقات اللبنانية ـ السورية عالقة، برغم كلفتها الباهظة للبنان قبل سوريا.
باختصار لا يريد الاميركي وحلفاؤه في لبنان حواراً، وإنما يريدون فرض الأجندة الاميركية التي اسمها القرار (1559) على الأطراف الأخرى، وتحويلها بالتالي الى أجندة لبنانية عامة.
ومما زاد الطين بلّة كما يقولون، ان حلفاء جنبلاط هنا تعاملوا مع مواقفه كأنها أمر عادي، ولم يكلّفوا أنفسهم مؤونة رفضها ورسم مسافة واضحة منها. وبذلك تحول موقف جنبلاط من موقف يخصه كطرف الى موقف يخص كل حلفائه، الأمر الذي يستدعي تساؤلاً صريحاً: هل نحن أمام عملية حوار، أم أمام هرطقة سياسية اسمها الحوار، نشهد خلالها عملية توزيع مدروس للأدوار، بحيث يوفر جنبلاط القصف اللازم ويقوم آخر بدور الحاوي لها واستثمارها وصولاً الى تحقيق الحد الممكن؟
بكلمة أخرى، هل نحن أمام عملية حوار لمصلحة لبنان واللبنانيين، أم أمام محاولة فتح بازار سياسي، وبالتالي أمام عملية ابتزاز سياسي يريدها البعض لإنجاز أهداف خاصة تتعلق بمأزقه الخاص الذي وضع نفسه فيه، هذا المأزق الذي بات عنوانه: معركة رئاسة الجمهورية؟
وهل نحن أمام عملية حوار وطني فعلي أم أمام مناسبة لتوجيه الرسائل وإظهار المدى الذي يمكن أن يصل اليه البعض في التزام ما يطلبه الخارج؟
وهل نحن أمام عملية حوار وطني تتوخى إزالة الحواجز بين أطراف الداخلي، وصولاً الى لحظة تلاقي شامل يشكل الحوار رافعتها الرئيسية، أم أمام مناسبة يريد بعض الأطراف فرصة لفرض الحصار على الأطراف الأخرى، في سياق تقديم فريضة البراءة من جهة أخرى، خصوصاً لمسألة التزام تطبيق القرار (1559)، حتى لو كان على حساب لبنان واللبنانيين؟ وهل نحن أمام عملية حوار وطني يراد له أن يشكل خشبة خلاص للجميع، وبديلاً لحالة الاحتقان والاختناق الداخليين التي عملت لها بجهد حثيث قوى الأكثرية، سيما جنبلاط، والتي بلغت ذروتها في رقصة الجنون التي مورست في الرابع عشر من شباط بمناسبة الذكرى السنوية لاغتيال الرئيس الحريري؟ أم أننا أمام عملية حوار يراد منها فرض حالة احباط عامة لدى اللبنانيين لدفعهم الى حافة اليأس، ووضعهم في مواجهة خيار واحد ووحيد هو الانفجار؟
وأخيراً وليس آخراً، هل نحن أمام حوار وطني داخلي أصيل، أم أمام حوار يراد له أن يكون بدلاً عن ضائع، أو مجرد آلية لإبقاء الأمور تراوح مكانها، لأهداف تخص استحقاقات أخرى؟
إن شرط نجاح الحوار هو المجيء اليه بأجندة وطنية خاصة وبحسابات وطنية خالصة ولأهداف وطنية خالصة، وكل من يأتي الى الحوار بأجندة خارجية أو أجندة محض خاصة، سيحكم على الحوار بالفشل مسبقاً، لأنه عندئذٍ سيكون الأولى محاورة الأصيل لا الظل.
وفي مطلق الأحوال، ما زالت أمام المتحاورين فرصة هي عبارة عن أيام معدودة، فرصة ليعود من يعنيهم الأمر الى أنفسهم وليراجعوا حساباتهم، وبالتالي ليتحملوا مسؤولياتهم. ولا شك في أن هناك أطرافا، سيما في أوساط قوى 14 شباط، تتحمل مسؤولية أكثر من أي طرف آخر، لاعتبارات تخص موقعها السياسي والطائفي والوطني أيضاً، وعلى عاتق هذه الأطراف تقع مسؤولية اعادة تصويب بوصلة حلفائها، وإلا فيستحملون مجتمعين مسؤولية ما ستؤول اليه الأمور.
مصطفى الحاج علي
الانتقاد/ حدث في مقالة 10 آذار/ مارس 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018