ارشيف من : 2005-2008

الجزار

الجزار

رجل بأنياب كبيرة تقطر دماً، سفاح يقف فوق جثث مقطعة الرؤوس ومشوهة الابدان ملقاة بالالاف في الساحة الكبيرة لقرية سربرينتشا الوادعة.. او تحت انقاض المنازل في المدينة الجميلة كوسوفا.‏

هي مشاهد تحضر الى المخيلة عند السماع باسم "سلوبودان ميلوسوفيتش" حاكم صربيا الذي صنع كبرى مآسي القرن العشرين حين شن واحدة من اكبر حروب الابادة بخلفية عرقية في البوسنة والهرسك.‏

ولد سلوبودان ميلوسوفيتش في بوزاريفاتش شرق صربيا في 20 آب/ أغسطس1941، والده عالم لاهوت ارثوذوكسي ووالدته شيوعية.‏

ربما لم يستبعد كثيرون ان يكون طاغية صربيا قد عجّل قدره بالانتحار فالامر ليس غريباً عليه، فعمه انتحر أمام عينيه، بعد أن أطلق النار على رأسه، أما أبوه فقد انتحر في عام 1962 في الجبل الأسود، وكذلك فعلت أمه الشيوعية بعد عشر سنوات من رحيل زوجها …‏

في هذه البيئة الأسرية التي اتخذت الانتحار نهاية لحياة العديد من افرادها، نشأ ميلوسوفيتش وهو يرى أمام عينيه قيام ما عرف بالاتحاد اليوغسلافي على يد قائد "المقاومة الصربية" آنذاك جوزيف بروز تيتو الذي استمر في الحكم حتى عام 1980.‏

والامر الآخر الغريب في حياة ميلوسوفيتش انه في الـ43 من عمره انخرط في السياسة (عام 1984) فتمكن برغم شخصيته الانطوائية والانفعالية وافتقاره إلى مواصفات الخطيب البارع والزعيم الشعبي، من ارتقاء درجات السلطة بشكل سريع، وبسرعة ايضاً اخذ معه الاتحاد اليوغسلافي الى التفكك والانهيار.‏

يعتقد كثيرون ان الشيوعية ماريانا ماركوفيتش هي التي دفعته الى حافة الهاوية، فقد تزوجها ميلوسوفيش قبل 35 عاما، ويقول عنها دوشان ميتفيتش ـ المدير السابق للإذاعة والتلفزيون اليوغسلافي ـ بأن "كل شيء سواء كان شخصيّاً أم سياسياً كانت تقول: أنا المسؤولة …"، وكانت تعتقد أنها وريثة بروز تيتو، وأن مجد يوغسلافيا أمانة في عنقها، وكانت تعاني من صدمة قتل أمها بعد الحرب العالمية الثانية، بيد أبيها، أي جد ماريانا الذي أراد أن يزيل العار بيده لاتهام ابنته من المقاومة بأنها سربت معلومات للنازية..!.‏

قبل ايام قال لي صحافي من الذين عايشوا الحرب في البوسنة ان معرفة كيف مات ميلوسوفيتش تتطلب البحث عن شركائه في تلك الحرب من تجار السلاح والاعمار، وما كشفت عنه التقارير خلال السنوات الماضية ليس بعيداً عن هذا، فقد ضجت اروقة محكمة لاهاي الدولية لمجرمي الحرب في يوغسلافيا السابقة، حين تردد ان ما ارتكبه هذا الحاكم من افعال جرمية قادته الى سجن لاهاي كانت نتيجة صفقات سرية بين النظام الصربي وزعماء غربيين بينهم اميركيون وبريطانيون، ومن هذا المنطلق لم يكن مفاجئاً لاحد ان "قوات حلف شمال الاطلسي" التي جاءت لتنقذ البوسنة يوماً قد دمرت الاهم من الامكانيات اليوغسلافية دون ان تزحزح شعرة من رأس ميلوسوفيتش، وعندما انتهت الحاجة اليه كزعيم في السلطة سحب الى المحكمة الدولية.. ولما انتهى العرض مات في السجن، دون ان يعرف احد إن كان انتحر او نُحر او...‏

ميلوسوفيتش خرج من المحكمة قبل ان تقول كلمتها، لكن لن يكون له سبيل للنجاة من محكمة العدل الالهية، وسيبقى يتذكره العالم بأنه جزار البوسنة.‏

امير قانصوه‏

الانتقاد/خلف القناع ـ العدد 1154 ـ 24 آذار/مارس 2006‏

2006-10-30