ارشيف من : 2005-2008

لأن الحوار مطلب وطني:الشروط الضرورية لعدم الوقوع في فخ المراوحة

لأن الحوار مطلب وطني:الشروط الضرورية لعدم الوقوع في فخ المراوحة

هل دخل الحوار في حال من المراوحة، أم أنه سينهض بدوره مجدداً، وما هي الشروط الضرورية للنهوض بهذا الدور؟ بادئ ذي بدء، لا بد من التأكيد أن لا خيار أمام اللبنانيين، ولا بديل لهم، عن الحوار كآلية لحل خلافاتهم أولاً، ولمعالجة المشاكل والتحديات التي تحاصر لبنان بكامله، هذا التأكيد ليس من قبيل نافل القول، أو تكرار المكرر، وإرسال البديهي، انما له ما يبرره في التالي:‏

ـ اجماع اللبنانيين، وأقصد، هنا، تحديداً المواطنين، والقوى الفاعلة اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، على مطلب الحوار. وهذا الاجماع يجد قوة دفعه في الذاكرة التاريخية للبنانيين التي ما زالت حارة، والتي تشهد على أن البديل للحوار هو العنف، والصراعات البينية التي نتيجتها الحتمية المزيد من الدم والخراب. لقد دفع اللبنانيون كلفة الحرب الأهلية، وخبروا مرارتها، وكيف كانت الدفرسوار لنفاذ أعداء لبنان منها للّعب بمصير وطنهم.‏

ـ تركيبة لبنان السياسية والطوائفية التي تفرض منطقاً واحداً للعلاقة بين اللبنانيين هو منطق التوافق الذي لا سبيل اليه الا بالحوار، وأي منطق آخر سيكون سبباً في رسم الحدود والفواصل بين اللبنانيين، وفي تعميق حالة الافتراق في ما بينهم، وفي توتير مناخ العلاقات البينية، ما يسهم في توفير كل شروط الانزلاق نحو الصراعات العنفية.‏

ـ الراحة العامة التي أشاعتها جولات الحوار ما قبل الأخيرة، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى الحوار ليس فقط كوسيلة سياسية، وانما كحاجة سيكولوجية تنفّس حدة الاحتقان السياسي والعصبوي الذي بلغ حداً خطراً في البلاد بفعل خطابات معروفة.‏

ـ أخيراً، وليس آخراً، الأصوات التي عادت لتعزف مجدداً على وتر التوتير والتهديد والتصعيد مجدداً، سواء من خلال التهويل بالعودة إلى لعبة الشارع مجدداً، مع ادراك هؤلاء ان لعبة الشارع لعبة مزدوجة، وهي ليست ملك طرفٍ دون طرف؟؟ وأن تسعير حمّى الصراع الداخلي، سيؤدي، في حال النزول إلى الشارع، إلى حروب شوارع طوائفية بكل ما في الكلمة من معنى، وعندها لن يكون هناك من معنى لا للسياسي بما هو سياسي، وانما كل الحضور سيكون للعصبيات الطائفية المنفلتة من عقالها، أو من خلال انقلاب البعض على أنفسهم قبل غيرهم، مهددين بزئبقيتهم السياسية، كل ركائز الأمان السياسي وغير السياسي المتعارف في بناء العلاقات.‏

إلى ما تقدم، ثمة منطق خطر أخذ يسجله أطراف رئيسيون في الحوار، قوام هذا المنطق اخضاع الحوار للعبة الصفقات السياسية، والحسابات السياسية الضيقة أو الخاصة، اضافة إلى محاولة حصر الحوار في نقاط بعينها، هي كترجمة عملية لـ"الأجندة" الدولية المتمثلة تحديداً بالقرار 1559.‏

ان خطورة هذا المنطق تتمثل بالتالي:‏

أ ـ إقحام معادلة الغالب والمغلوب الى جوهر الحوار، حيث أن أي توافق حول مسألة ما، اذا ما ظهر انها تعكس موقف طرف في الحوار، سيبدو وكأنه تنازل منه لمصلحة هذا الطرف، الأمر الذي سيظهره بمظهر المغلوب على أمره، في حين سيبدو الطرف الآخر هو الغالب.‏

ان هذا النمط في التفكير والحسابات هو بمثابة توجيه ضربة لجوهر معنى الحوار، ووجهته الرئيسية.‏

ان دائرة الحوار، أو طاولة الحوار، ليست ساحاً للصراع أو للكباش، بقدر ما هي فرصة لصياغة منطق مشترك يقوم وينهض على أسس متينة من الحقائق والوقائع المتفق عليها، بهذا المعنى الجهة الوحيدة التي يجوز التنازل لها هي الوطن، والمصلحة الوحيدة التي يجب مراعاتها هي المصلحة الوطنية. عندها لن يكون هناك غالب أو مغلوب، واذا كان هناك من منتصر فهو الوطن ومعه كل اللبنانيين..‏

ب ـ بالاستناد الى ما تقدم، يصبح الحوار فعلاً انجازاً لبنانياً، حتى وهو يتناول قضايا ذات أبعاد دولية، لأن الحاضر الأكبر سيكون المصلحة الوطنية العليا، باعتبارها المعيار الذي يصوب وجهة الحوار، ويعيد صياغة أسئلته وإشكالاته، فبدلاً من أن يصبح السؤال مثلاً: هل مزارع شبعا لبنانية، أم ليست لبنانية، يصبح السؤال، كيف ندعم هذه البديهية ونحصنها بالمزيد من الحجج والأدلة ليس للبنانيين، وانما للذين يثيرون الشبهات حولها في الخارج.‏

كما لا يصبح السؤال عندها: هل فات الوقت على سلاح المقاومة، ويجب بالتالي نزعه؟ أم ما هي الصيغة المثلى للاحتفاظ بكل مقومات القوة التي من شأنها ان تحمي أمن لبنان واستقراره، ونؤسس الأرضية الأمنية لإعادته الى سكة الازدهار الاقتصادي؟‏

ج ـ لا بد من ان تتضمن بنود الحوار كل ما يهم اللبنانيين من تحديات وإشكالات، وفي طليعتها التحديات الاقتصادية والمعيشية التي تكاد تتجاوز الخطوط الحمراء. فلا يجوز ان يتناسى المتحاورون قضاياهم التي تمس حياتهم في الصميم، ويبدوا مشغولين فقط في البحث عن توافقات حول أسئلة عديدة، في غالبها وافدة من الخارج، وتستطيع ان نقول، بدون تحفظ، انه لولا تبني بعض الأطراف اللبنانية لها، لكان هم الجميع هو في كيفية الخروج فعلياً من الهم الاقتصادي ـ المعيشي، وفي كيفية بناء دولة فعلية متوازنة وعادلة، تنهض على معالجة الفساد بكل أشكاله، وتؤسس لبناء وطن حقيقي لكل أبنائه، وتدع حداً للهدر في موارده، كل موارده، خصوصاً النزيف البشري المتمثل بهجرة الشباب.‏

د ـ ان غلبة المصلحة الوطنية العليا، وتعاطي الحوار بمنطق رجالات السياسة الكبار، هو الكفيل وحده، ان يجعل كل التوافقات اللبنانية لبنانية صرفة، وحدها المصالح الخاصة تفتح الباب لتدخلات الخارج، وهذه رسالة واضحة لمن ما زالت رهاناتهم على الخارج، ولا يستطيعون قراءة شيء الا بوحي الخارج وظله الكثيف.‏

مصطفى الحاج علي‏

الانتقاد/ حدث في مقالة ـ العدد 1154 ـ 24 آذار/مارس 2006‏

2006-10-30