ارشيف من : 2005-2008

خيبة السنيورة وقوى 14 شباط:قمة الخرطوم تنتصر للمقاومة.. وللحود

خيبة السنيورة وقوى 14 شباط:قمة الخرطوم تنتصر للمقاومة.. وللحود

هل ذهب رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى قمة الخرطوم العربية بوصفه رئيساً لحكومة لبنان، أم بوصفه رئيساً لحكومة أطراف 14 شباط؟ وهل ذهب السنيورة بوصفه ممثلاً للمصالح اللبنانية العامة وكرجل دولة، أم بوصفه ترجماناً للمطالب والإملاءات الأميركية والفرنسية واللارسنية حتى لا نقول أكثر؟ لمصلحة من ذهب السنيورة بالتحديد الى قمة الخرطوم، ولخدمة مآرب من؟ وهل بعد ما جرى كان ذهابه مصلحة لبنانية، أم كانت ضرراً خالصاً لصورة لبنان عربياً ودولياً؟‏‏

إن هذه الأسئلة تجد مبررها في أكثر من اعتبار، لعل أبرزها التالي:‏‏

أولاً: ان ذهاب رئيس الحكومة جاء بعد أخذٍ وردٍ، وبعد طول تردد، وبعد تلقي ـ كما أشيع ـ نصائح من أكثر من دولة عربية كبيرة في المنطقة، الأمر الذي أوحى بوجود مصلحة لبنانية عليا وراء حسم القرار بالذهاب، لدرجة أن العديد من المتابعين اعتبروا ذهاب السنيورة بمثابة مؤشر الى أن حلحلة ما ستشهدها الأزمة اللبنانية، وهي مدخل لمعالجة ملف أزمة العلاقات اللبنانية ـ السورية تحديداً.‏‏

ثانياً: كان واضحاً منذ البداية ان أطراف 14 شباط بصدد التشويش والمشاغبة على مشاركة رئيس الجمهورية، تارة من خلال استباق ذهابه برسالة الى القمة تشكك في شرعيته، وتارة أخرى من خلال طلب مناقشة كلمته داخل مجلس الوزراء، على خلاف العرف السائد في حالات كهذه.. كل ذلك بهدف قطع الطريق على رئيس الجمهورية، ولفتح المجال أمام رئيس الحكومة لاحتكار التمثيل اللبناني في القمة.‏‏

ثالثاً: بدا واضحاً من خلال الطريقة التي ارتأى السنيورة أن يشارك بها، ان هدف أطراف 14 شباط هو إضعاف رئيس الجمهورية في القمة، إلا أن موقف لحود الصلب والموقف العام للمشاركين، منح رئيس الجمهورية نصراً نظيفاً لمصلحته.‏‏

رابعاً: لعل أخطر ما قامت به أطراف 14 شباط ومن ورائها القوى الدولية الوصية عليها والمدبرة لشؤونها، يتمثل في نقطتين أساسيتين: الأولى نقل الانقسام والاختلاف اللبناني الى داخل القمة في محاولة واضحة لإقحامها فيهما وإخضاعها لتجربة التجاذب اللبناني الداخلي، وفرض منطقين في داخلها بدلاً من إجماعها على منطق واحد.‏‏

والثانية تعميم الإجماع المكسور لبنانياً حول المقاومة ودورها ليشمل الموقف العربي الرسمي، خصوصاً بعد الإجماع الذي أظهرته التوصيات التي سبق أن رفعها وزراء الخارجية العرب الى المؤتمرين.‏‏

ثمة، في الخلاصة، محاولة واضحة لتظهير منطقين داخل القمة: منطق يسير وراء الموقف الأميركي ـ الفرنسي المناوئ للمقاومة ودورها، ومنطق عربي جماعي حول ضرورة استمرار المقاومة ودورها.‏‏

ومن الواضح ان الإصرار العربي ـ الرسمي على استمرار المقاومة ودورها، يشكل موقفاً إيجابياً مقاوماً للضغوط الأميركية ـ والدولية الهادفة الى دفع الموقف العربي الرسمي ليتبنى رأياً آخر، ولا شك أيضاً في أن هذا الإصرار العربي ـ الرسمي، بقدر ما تمليه المصالح الحقيقية للدول العربية، فإنه يحاكي بلا شك نبض الشارع العربي ـ الشعبي المؤيد بالمطلق لحق المقاومة، وللمقاومة في لبنان.‏‏

من هنا فإن السنيورة وأطراف 14 شباط لم يسقطا فقط بالمعايير الوطنية اللبنانية الحقيقية، وإنما سقطا بالمعايير العربية الشعبية، وكل ذلك لتأدية خدمة مجانية للمصالح الأميركية ـ الإسرائيلية.‏‏

خامساً: ان مسارعة السنيورة والحريري للتغطية على موقف الأول في القمة العربية لن تخفف مما حصل، ما لم يتم التراجع نهائياً عن هذه الازدواجية في الموقف من المقاومة، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي تنكشف فيها حقيقة الموقف، وحقيقة الالتزامات المعطاة دولياً في هذا الإطار.‏‏

وإذا كان مفهوماً وجه السجال المتعلق برئيس الجمهورية، فما ليس مفهوماً على الإطلاق ان يختار رئيس الحكومة البند المتعلق بالمقاومة ليخوض نزاعه من خلاله مع رئيس الجمهورية، سيما أن موقفه يعد انقلاباً حقيقياً على البيان الوزاري، وعلى تأكيداته الشخصية أن المقاومة هي مقاومة.. ولا يفيد هنا التعذر بالحوار، وأن المقاومة هي اليوم مادة خلافية، اذ ليس من المنطق ولا من المعقول ترك ما هو موضع توافق سياسي رسمي وما هو قائم، لمصلحة ما هو مأمول وتتساوى بحقه كل الاحتمالات.. فما هو متفق عليه يبقى ساري المفعول حتى الوصول الى توافق جديد، ولا يعقل أن يضرب توافق قائم بحجة الأمل بتوصل الى توافق جديد.‏‏

ان هذا المنطق لا يضر فقط بالحوار، وإنما يطيح بالبيان الوزاري لهذه الحكومة، الأمر الذي يعيد إنتاج أزمة حكم مجدداً، حيث يجعل من استمرار هذه الحكومة غير ذي معنى.‏‏

ولا شك في ان الهجوم على رئيس الجمهورية ليس هو المدخل لإصلاح الموقف أو لاحتواء الأضرار، وإنما الخيارات الواضحة والنهائية والالتزامات الحاسمة.‏‏

وفي مطلق الأحوال لقد قال العرب كلمتهم، وخاب معها منطق قوى 14 شباط، فهل سيعتبر هؤلاء، أم سيركبون رؤوسهم بفعل شبق السلطة المتحكم بها حتى الثمالة.‏‏

مصطفى الحاج علي‏

الانتقاد/ حدث في مقالة ـ العدد 1155 ـ 31 آذار/مارس 2006‏‏

2006-10-30