ارشيف من : 2005-2008
حال من التشوش والترقب تعيشها المنطقة :الحوار الوطني فرصة أم وسيلة لتقطيع الوقت
تمر المنطقة في حال من الغموض والتشوش في الرؤية وعدم اليقين، تبدو معها غالبية دولها، ان لم تكن كلها، واقفة على مفترق طرق، لا تعلم أياً منها تختار، لأنها لا تدرك ما الذي ينتظرها في الغد.
في مناخات وأجواء كهذه تصبح الرهانات سيدة الموقف، ويصبح الانتظار والأمل الخيارات المتاحة، سيما أن غالبية دول المنطقة لا تكاد تملك من أمور نفسها شيئاً، تشبه في ذاك أمر الجاهل الذي يعول على أمله، وبالنقيض تماماً من العاقل الذي يعوّل على إرادته وعمله.
وحتى لا نبدو كمن يتكلم في العموميات، فلنأخذ عينات من وقائع الأمور ومما يجري حولنا وله تأثير مباشر علينا:
أولاً: في فلسطين المكلومة يومياً بألف جرحٍ، والمسكونة بأهازيج الشهداء صباح مساء، وكأن لا شغل لها ولا عمل سوى الانتظار في موكبهم الطويل، وفي ظل صمت عربي وطبق ومريب في الآن نفسه.. في فلسطين هذه تدخل حركة حماس إلى معمعة السلطة من مدخل المقاومة، فإذ بها محاصرة بألف حصار وحصار:
ـ حصار من لا يتمنى لها أن تنجح لخيارها الاسلامي، ويتمنى بل ويعمل من أجل اسقاط تجربتها كممر إجباري لإسقاط الخيار الاسلامي نفسه، ليس في فلسطين فقط، وإنما في المنطقة بأسرها.
ـ حصار أهل البيت أنفسهم، الذين أيضاً لا يريدون لهذه التجربة أن تنجح لأكثر من اعتبار، يبقى أبرزها أنها النقيض لتجربتهم في السلطة والممارسة السياسية والنضالية ولخياراتهم وتوجهاتهم السياسية. وخطورة هؤلاء أنهم يغلّبون الاعتبار السلطوي على الاعتبار الوطني، ويتكالبون على سلطة هي أشبه بالجيفة منها بأمر آخر.
ـ حصار العرب بضعفهم وعجزهم الذي يكاد يبلغ حد العمالة والتآمر.
ـ حصار العدو الاسرائيلي، وهو حصار ممزوج بالدم والقهر والعذاب والإذلال والنار.. حصار يستهدف إبقاء الوضع الفلسطيني تحت الضغط والقهر، وفي حال من انقطاع النفس، بحيث لا يكاد يلوي على شيء.
ـ حصار دولي لا يقف عند حدود السياسة، بل يصل إلى التهديد بلقمة الخبز، فيوضع الشعب الفلسطيني بين خيارين كلاهما أمرّ من الآخر: إما الاستسلام والتنازل عن الكرامة الوطنية، وإما الجوع والقهر.
خلاصة كل هذا، أننا أمام حال فلسطينية مفتوحة على خيارات متنوعة، لكن كلها صعب.. ولا نغالي اذا قلنا اننا أمام جلجلة فلسطينية لا أحد يعلم كيف ستكون صورتها المقبلة.
ثانياً: في الكيان الاسرائيلي تبدو الصورة مفارقة بين الوضع الجيولتيكي لهذا الكيان في المنطقة، الذي يبدو في أحسن أحواله، لأن توازنات القوة المباشرة تكاد تميل بالمطلق إلى مصلحته ووضعه السياسي الداخلي، حيث تكشفت نتائج الانتخابات الأخيرة للكنيست عن تبعثر خطير للخريطة السياسية الداخلية، تجعل من الصعب انتاج نصاب حكومي يرتكز على قاعدة سياسية صلبة ومتينة، في الوقت الذي يتهيأ الكيان الصهيوني للتخفف من عبء القضية الفلسطينية عبر استراتيجية الحلول من طرف واحد، وما يعبّر عنه باستراتيجية الانطواء، مدعوماً بموقف اميركي واضح وقوي في هذا الإطار.
ثالثاً: في العراق تبدو الصورة أكثر اضطراباً: قتل يومي يأخذ أبعاداً طائفية وعرقية خطرة، هي أقصر الطرق نحو الحروب الأهلية.. فوضى أمنية واقتصادية وسياسية شاملة.. مسار العملية السياسية يخضع لعملية حساب وتجاذب مصالح يتداخل فيها الدولي والاقليمي إلى أقصى الحدود، لدرجة تبدو معها الانتخابات الأخيرة بمثابة خطوة نحو الوقوع في شبكة معقدة لا أحد يعرف كيفية الخروج منها. الاحتلال الاميركي في مأزق يتعمق يوماً بعد يوم أمنياً وسياسياً، وتصل تداعياته إلى قلب واشنطن والبيت الأبيض، وهو بقدر ما يبدو صائداً هناك، يتحول يومياً إلى طريدة لأكثر من جهة وطرف.
من جهتها الدول المحيطة بالعراق منها من هو في حالة قلق ويضع قلبه على يده، تحركه هواجسه من دول اقليمية أخرى أكثر مما تحركه هواجسه من الاحتلال الاميركي نفسه، والبعض الآخر ينظر إلى العراق بمنظور حسابات أمنه القومي والأيديولوجي، فلا يرى خالصاً إلا باستراتيجية توازن بين زوال الاحتلال والمحافظة على وحدة العراق عبر عملية سياسية تأخذ مداها الديمقراطي الكامل.
رابعاً: في ايران تتمحور الاهتمامات حول ملفها النووي، وذلك بفعل التصعيد الدولي الذي تمارسه الولايات المتحدة بحقها، ولحسابات هي بالكامل لمصلحة الكيان الاسرائيلي. واشنطن لا ترغب ولا تريد أن ترى دولة اسلامية حقيقية تمتلك التكنولوجيا النووية حتى في اطارها السلمي، وهي لا تريد رؤية دولة اسلامية ذات وزن اقليمي قوي وكبير، من شأنه ان يدخل توازناً عاماً في المشهد الاقليمي، لأنها تريد أن يبقى هذا التوازن مختلاً لمصلحة الكيان الاسرائيلي. وفي مطلق الأحوال ان التجاذب حول الملف النووي الايراني يبدو مفتوحاً على كل الخيارات، بما فيها الخيار العسكري، برغم ما ينطوي عليه من مجازفات وأخطار، سيما على صعيد اضافة عامل عدم استقرار جديد وكبير إلى عوامل عدم الاستقرار الأخرى في المنطقة.
خامساً: لبنان يبدو هو أكثر البلدان التي تعيش حالا من عدم اليقين والتشوش والرهانات المتباينة، لأن جميع الأطراف فيه يدركون مدى ارتباط ما يجري فيه بعموم الأوضاع المشتعلة في المنطقة من جهة، وبالتالي فهم يرهنون أي خطوة لاحقة لهم بالوجهة التي ستتخذها الأمور عقب جلاء غبار الاشتباك الشامل والمعقد الذي تشهده مختلف الجبهات الآنفة.
في هذا الإطار يبدو الحوار آلية الانتظار والمواكبة الفضلى، لأنه من شأنه أن يجعل عملية تقطيع الوقت أقل كلفة، وأن يحيّد إلى حد ما لبنان من إطار التفاعل مع أي تطور دراماتيكي يمكن ان يشهده ملف حساس من ملفات المنطقة. لكن في النهاية، فإن هذه الآلية لا يمكن ان تخدم إلى آخر الوقت، كما أن لعبة تقطيع الوقت والانتظار سيف ذو حدين، فهل يمارس اللبنانيون سياسة الجاهل الذي يتكل على الأمل، ولنقل هنا على الرهان بما سيأتيه الزمن المقبل، أم يمارسون سياسة العاقل الذي يتكل على عمله، فيحولون الحوار من آلية لتقطيع الوقت إلى فرصة وطنية حقة شروطها معروفة لكل انسان لبناني وطني وحر.
قديماً قيل: عجبت لمن يأمل ومصيره بيد غيره! والعجب كل العجب ممن يترك ما بيده على أمل ان يحصل على ما هو أكثر ومن يد غيره!
مصطفى الحاج علي
الانتقاد/ حدث في مقالة ـ العدد 1156 ـ 7 نيسان/أبريل 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018