ارشيف من : 2005-2008

فرصة للحوار

فرصة للحوار

كتب جورج علم في صحيفة السفير 17/12/2005‏

حفظ مجلس الامن بعض ماء الوجه للحكومة. لم يخذلها بالمطلق، لكنه لم يلبّ كامل مطالبها.‏

صدر القرار 1644، بموافقة جميع أعضائه، وبعد طول نقاش، وقرر "طبقا لتوصيات اللجنة، وطلب الحكومة اللبنانية، تمديد مهمة لجنة التحقيق حتى 15 حزيران 2006 كفترة أولية".‏

أما في ما يتعلق بطلب إنشاء محكمة ذات طابع دولي، فقد "أخذ مجلس الامن علما بطلب الحكومة اللبنانية"، فيما كان المطلوب لبنانيّا ان يقرر مجلس الامن إنشاء هذه المحكمة، وليس أن يأخذ علما فقط؟!‏

أما في ما يتعلق بالمطلب الثالث، القاضي بإنشاء لجنة دولية خاصة، او توسيع مهام لجنة التحقيق الدوليّة، لتشمل تحقيقاتها الاعتداءات "الارهابية التي وقعت منذ الاول من تشرين الاول 2004"، فإن مجلس الامن قد خذل الحكومة، ولم يأخذ بهذا الطلب، بل قرر "السماح للجنة، بطلب من الحكومة اللبنانية، بتقديم المساعدة الفنيّة التي تراها مناسبة للسلطات اللبنانية في التحقيقات حول هذه الاعتداءات الارهابية؟!".‏

يعود لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وحده، أن يستنتج العبر؟! لماذا كان هذا التسرّع في طلب إنشاء المحكمة، علما بأن التحقيقات لم تستكمل بعد؟ لماذا لم يدرس الموضوع بهدوء، وتروّ في مجلس الوزراء، ومع الأطراف الرئيسيّة في البلاد، وتستنفد كل الوسائل الحوارية، قبل التوجه الى مجلس الامن ب"رزمة المطالب" هذه؟ لماذا لم تبادر الحكومة الى القيام بأوسع حملة دبلوماسيّة على المستوى الاقليمي والدولي، ولا تستثني أحدا، لا من الدول الشقيقة، ولا من الدول الصديقة، لدعم هذا الطلب، كي تكون أجواء مجلس الامن مهيأة للتجاوب معه، فور إدراجه على جدول الاعمال؟ لماذا لم يأخذ الرئيس السنيورة بالعرض الذي قدمه وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ، والذي قضى بتأجيل البحث بموضوع المحكمة، أربعا وعشرين ساعة فقط، لتأمين الاجماع الوطني بشأنه، ولماذا كانت السرعة، او هذا التسرّع؟ وهل تعرّض رئيس الحكومة لضغوط ما، حملته على الاسراع بخطوته هذه باتجاه مجلس الامن فورا؟ ومن أي نوع هي؟ ومن هي الجهة، او الجهات، التي تقف وراءها؟... أسئلة، وأسئلة، طرحت على هامش المناقشات الطويلة التي سادت مجلس الامن، وأدت في نهاية المطاف، الى صدور القرار 1644 بشكل لا يلبي بالكامل، مطالب الحكومة؟‏

يسجل بعض سفراء الدول الكبرى، الملاحظات الآتية: هناك سرعة غير مبررة من قبل الحكومة في طلب المحكمة، فلا التحقيقات قد أنجزت وهي التي بادرت الى طلب تمديد مهمة لجنة التحقيق الدولية ستة اشهر كفترة أوليّة ولا القاضي الالماني ديتليف ميليس قد أوحى بانطباع تفاؤلي على هذا الصعيد، وهو القائل بأن التحقيق قد يستمر سنتين، إذا بقي التعاون السوري، على النحو الذي هو عليه راهنا؟!‏

هناك تسرّع من قبل الحكومة، وفق الآلية التي اعتمدتها، في تقديم الطلب الى مجلس الامن. لماذا لم تأخذ الوقت الكافي لدراسة هذا الطلب من كامل جوانبه، وأبعاده؟ ولماذا لم تحرص على الحوار لتقديم طلب يحظى بإجماع اللبنانيين، بدلا من مسارعتها الى تقديم طلب يواجه ب"فيتو كبير" من أطراف حزبيّة وسياسيّة لها حضورها الشعبي الواسع؟ ولماذا لم تبادر، أولا، الى التقدم بهذا الطلب الى الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الامن، لدرسه بهدوء، والتشاور في أبعاده، وخلفياته، وتأمين الموافقة المسبقة عليه، قبل طرحه فورا، وبصورة مباشرة، وفجائية، على مجلس الامن، ووضع الدول الأعضاء أمام الأمر الواقع، والخيارات الصعبة؟!‏

هناك الكثير من ال"لماذا"، يطرحها بعض سفراء الدول الكبرى على هذا الصعيد، من دون أجوبة مقنعة. لكن بالمقابل، هناك خلاصة يجاهرون بها، مفادها الآتي:‏

إن القرار 1644، قد صدر بإجماع أعضاء المجلس، وهذه إشارة لها مدلولاتها العميقة. وقد أملى هذا القرار، توافق مصالح الدول الاعضاء، وليس مصالح بعض الاطياف، او الفئات المحليّة، ولا حتى رزمة المطالب التي تقدمت بها الحكومة اللبنانيّة. وبالتالي، فإن مجلس الامن سيّد نفسه، وهو الذي يفرض شروطه، ومعاييره على الدول، وليس العكس... ومع ذلك يضيف هذا البعض بأن القرار قد أوجد مساحة للحوار على الصعيد الداخلي، وفرصة مؤاتية لوقف التصدع، وإعادة لمّ الشمل، ورصّ الصف الحكومي، ذلك أنه لم يعط الحكومة كل ما طالبت به، كما أعاد بعض الاعتبار للموقف الذي التزم به وزراء الشيعة، وهذه "المعادلة المتوازنة"، التي وفرها للأفرقاء داخل الحكومة، وخارجها، يفترض أن تُنتج حوارا مسؤولا، ووحدة صفّ حكومي، إذا كان هناك من يريد أن يبدّي المصلحة الوطنية العليا، على حساب المصالح الخاصة؟!‏

2006-10-30