ارشيف من : 2005-2008
تعطيل مجلس القضاء ومحاولة قلب الحقائق
كتب جورج بشير
لماذا يخاف أركان الحكومة، واولئك الذين يدعمونها من الخارج من إعلان الحقائق على الشعب اللبناني، كما هي هذه الحقائق من دون أية محاولة للإلتفاف على واقع الأمور؟
هذا السؤال مطروح اليوم في جميع الاوساط فيما يتناول أداء الحكومة الحاضرة.. فالبعض يطرح مثلا مشكلة التأخير الحاصل على صعيد استكمال اعضاء مجلس القضاء الأعلى ملقيا مسؤولية هذا التأخير على رئيس الجمهورية اميل لحود مثلا، فيما المسؤولية يتحمّلها مجلس الوزراء مجتمعا في وقت يعرف اركان الحكومة، وخصوصا وزير العدل الدكتور شارل رزق الذي يتحمّل مسؤولية الوزارة التي يشغلها بجدارة واضعا مصلحة الدولة واستقلالية القضاء فوق كل المصالح.. فلماذا لا يقول الناقمون من بعض وزراء الأكثرية ونوابها الذين ينقلون الصراع من مكانه الحقيقي والواقعي ويحمّلون رئيس الجمهورية مسؤولية التأخير في إكمال مجلس القضاء الأعلى بتعيين الأعضاء الخمسة في هذا المجلس، ويقولون الحقيقة ومفادها ان هؤلاء النواب والوزراء، الذين يمثّلون الأكثرية الملغومة التي جاءت بفعل انتخابات قانون الـ 2000 الأخيرة، اقترحوا تعيين الأعضاء الخمسة او الاربعة من صفوفهم ومن القضاة الذين ارادوا هم ان يكونوا مكمّلين لمجلس القضاء الأعلى مع ان وزير الوصاية، اي وزير العدل هو الذي يقترح التعيين والأسماء المرشحة لعضوية هذا المجلس من بين القضاة المشهود لهم بالكفاءة والشفافية والنزاهة؟ وهذا لا يعني على الإطلاق ان القضاة المقترحين من بعض نواب تيار المستقبل والوزراء الذين يمثلون هذا التيار غير مشهود لهم بالمناقبية المطلوب ان يتحلّى بها الاعضاء في مجلس القضاء. ولكن، ومن اجل وضع النقاط على الحروف، فإن قصور العدل تتحدث عن محاولة خفيّة من هذا التيار السياسي بامتياز لفرض قضاة معينين منه في هذا المجلس إنسجاما مع رغبته في السيطرة على مواقع القرار في السلطة القضائية لغاية في نفس يعقوب بما يتعارض مع استقلال القضاء وحياد مجلس القضاء كونه السلطة التي تشرف على السلك القضائي وهو الذي يعدّ للتشكيلات القضائية بدلا من ان يسيطر على عمل بعض القضاة مثلا احد نواب بيروت وهو قاض سابق درج على التدخل في سير عمل القضاء ووقف تنفيذ بعض الأحكام لأسباب ومصالح خاصة مع كون هذه الأحكام مبرمة ومن الضروري تنفيذها..
وهنالك أحكام قضائية تتناول شؤونا وحقوقا عقارية في بيروت مثلا جرى النظر فيها أمام القضاء المختص وصدرت أحكام في شأنها، والقاضي الذي اصدر هذه الأحكام اصدر ولأسباب سياسية قرارات بوقف تنفيذ هذه الأحكام بعد تدخّل النائب القاضي المشار اليه، ممّا شكّل فضيحة لا سابق لها في مسيرة القضاء؟!
طبعا هذا مثل واحد من ألف مثل ومثل، عن تدخل الطبقة السياسية الحاكمة في امور القضاء بهدف تأخير العمل القضائي والحد من حريته وبهدف الأساءة الى نزاهته وعرقلة سير العدالة.. وكم وكم من الدعاوى والقضايا العالقة أمام المحاكم يلحق التأخير في بتّها وإصدار الأحكام النهائية في شأنها، او عرقلة إصدار هذه الأحكام لأسباب سياسية أيضا، اضراراً مادية ومعنوية كبيرة وخطيرة بأصحاب الحقوق من المواطنين...
إكمال مجلس القضاء الأعلى بتعيين القضاة الخمسة من الأمور الضرورية والملحّة لكي يقوم هذا المجلس بأداء المهام المقدسة الموكلة اليه وعلى رأسه قاض شاب مشهود له بالمناقبية والنزاهة والخبرة. فإذا كان «تيار المستقبل» او غيره من التيارات السياسية يريد ان يفرض على وزير العدل او على مجلس الوزراء اسماء قضاة معينين لأسباب سياسية، وعارض رئيس الجمهورية او الوزير المختص هذا التسييس، فليس معنى ذلك ان الرئيس يتحمّل مسؤولية تعطيل العمل في مجلس القضاء، بل ان الرئيس اذا صحّ انه يمنع هذا الفرض السياسي، ويحمي مجلس القضاء من التسييس ويحصّن الاستقلالية المطلوب صونها للقضاء ولرسالته ولمسؤولياته... فكفى التدخل في شؤون القضاء والقضاة من جانب السياسي ويكفي القضاء ما تعرّض له في الماضي من خلال وجود وزراء للعدل سخّروا القضاء لتمرير مصالحهم وعرقلوا مسيرة العدالة من خلال تجميدهم لمشاريع التشكيلات القضائية التي كان يعدّها مجلس القضاء الأعلى كما يفرض القانون في ادراجهم لأنهم كانوا وما زالوا يريدون الإنتقام من بعض القضاة الشرفاء، او من خلال فرض مرشحين معينين من القضاة الذين ينتمون اليهم في مناصب معينة...
ويكفي القضاء «جرصة» المجلس الدستوري الذي جرى تعطيله عن سابق تصوّر وتصميم للحيلولة دون البتّ بالطعون النيابية المقدمة اليه من بعض المرشحين الذين ثبت التزوير في حقهم وأعلن فوز غيرهم في الانتخابات النيابية الأخيرة..
ان مصارحة الناس بالحقائق من جانب اركان الحكم والحكومة من الأمور البديهية خصوصا مصارحة المواطنين بعجز الحكومة الحالية عن تحقيق التضامن الوزاري بين اركانها، وانفراط عقد الحلف الرباعي الذي كان يجمع الكتل النيابية لحركة أمل وحزب الله وتيار الحريري وتيار جنبلاط في لوائح واحدة موحدة خاضت الانتخابات النيابية الأخيرة على اساس قانون الـ 2000 الذي لا يحقق المساواة والعدالة وصحة التمثيل بين اللبنانيين.. ولعلّ محاولة بعض أركان هذا الحلف ونوابه ووزرائه إلقاء تبعة عدم البتّ في إكمال اعضاء مجلس القضاء الأعلى مثل صارخ في هذا المجال على رئيس الجمهورية، في محاولة خبيثة لتغطية رغبتهم في الإمساك بمفاصل الحكم والحكومة والدولة من القمة الى القاعدة.. وهذه المحاولة باتت مفضوحة ولعبة مكشوفة لن يبدّل منها او يغيّر تزوير الوقائع وقلب الحقائق.
الديار : 4 كانون الثاني/ يناير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018