ارشيف من : 2005-2008
هل وصل الطرح الطائفي درجة تجريد المقاومة من هويتها اللبنانية؟!
اقتراب عون من نصرالله.. جعل «خصومه» يسارعون لاحتوائه!
معرقلو دخول التيار العوني في الحكومة اصبحوا يخطبون وده ..!
كيف يرضى عون لقاءات من ترتيب سفير اجنبي ويعارض لقاءات عربية؟
تحركات «للديموقراطي» و«المستقبل تستهدف نسف «اتفاق الحد الأدنى»
الولايات المتحدة ـ محمد باقر شري
لا يستطيع العماد عون ان ينسب الينا بالذات توجيه نقد ظالم لسياساته، لاننا حتى خلال وقوف شرائح واسعة من الرأي العام اللبناني ضد أدائه خلال صراعه مع فئات متنافسة، ثم خلال خلافه الدامي مع «العدو السوري الأخوي» في لبنان، كنا نتلمس له العذر ونحاول جهدنا ان نتوجه باتهامات شخصية مباشرة ضده، انطلاقاً من اعتقادنا ان كل صراع بين فئات او جهات متصادمة، قد ينتهي الى تعاون وصداقة عملا بقول احد فحول الشعراء:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الدهر ان لا تلاقيا!
وخاصة ان العماد عون بالذات كان من المراهنين على اقامة افضل العلاقات مع الاشقاء السوريين قبل ان «تقع الواقعة» بينه وبينهم لأسباب ظاهرة وخفية يطول شرحها. ويكفي ان نتذكر بأن دمشق والرئيس حافظ الاسد بالذات كان قد لبى طلب العماد عون بذل «مساعيه الحميدة» لمنع تنفيذ مرسوم كان قد اعده رئيس الجمهورية الاسبق الشيخ امين الجميّل يقضي بإعفائه من قيادة الجيش اثر اغتيال الرئيس رشيد كرامي في طوافة عسكرية بتدبير من جهة حددها القضاء اللبناني فيما بعد. وقد اراد الرئيس الأسبق ان يحمّل مسؤولية ما حدث للرئيس رشيد كرامي الى قيادة الجيش، وان يكون العماد عون هو «كبش الفداء» فيها. وكان للوساطة التي بذلها الرئيس حافظ الأسد، بطلب من قائد الجيش العماد عون، في ذلك الوقت مفعولها الايجابي، بحيث تم ايقاف المرسوم الذي كان وقّعه الرئيس امين الجميل والقاضي باعفاء العماد عون من منصبه كقائد للجيش، تمهيدا لاحالة هذا المرسوم الى الرئيس سليم الحص لتوقيعه.
والعماد عون يعلم تمام العلم، بأنه لولا مؤتمر الطائف التي ذهب البرلمان اللبناني حينئذ بقضه وقضيضه اليها، وخرج منها بوثيقة الطائف التي اطلق عليها اسم «وثيقة الوفاق الوطني»، والتي اصبحت دستوراً للبلاد لما خرج لبنان من محنته الكبرى الى رحاب السلم الأهلي، ولما عادت هيكلية الدولة اللبنانية، ولما كنا نرى كل الوجوه السياسية التي يشتم اصحابها الاشقاء السوريين جاحدين اليد البيضاء للرئيس حافظ الاسد!
ثم ان من المفارقات ان يتم ترتيب اللقاءات اليوم بين الأطياف السياسية بما فيها «الطيف العوني» لمحاصرة اطياف سياسية اخرى بمسعى مكشوف من السفير الاميركي، دون ان يعتبر العماد عون ذلك انتقاصا او مساسا بالسيادة اللبنانية، في حين يعتبر المسعى الأخوي من جانب دولتين شقيقتين من دول اعضاء في الجامعة العربية التي يعتبر لبنان احد مؤسسيها، وكأنه انتفاص من «السيادة» اللبنانية! ولدرجة ان الاشقاء العرب حاروا في امر بعض الشرائح السياسية في لبنان، فيما يجب ان يفعلوه لردّ العاديات عن لبنان، فاذا وقفوا موقف المتفرج مما يعانيه بما يحشد عليه من صنوف المصائب، اتهموا بعدم المبالاة مما يصيب لبنان، واذا سارعوا لوضع ثقل مساعيهم في خدمة وحدته واستقراره، اعتبر ذلك في نظر البعض انتقاصا من السيادة.
ورغم أن اخلاص اللبناني للبنانيته، لا يقاس في نظر البعض الا بمقياس شاذ يرى الاخلاص للبنان في تسعير العداء والتوتر بين اللبنانيين واثارة الغرائز الطائفية، فان السواد الاعظم من اللبنانيين لو تركته بعض القيادات وشأنه على سجيته، لكان يعتبر اي جهد يبذل لوقف النزف.
ولنقلها بصراحة أشد : ان ثناء امين عام حزب الله مثلا على بعض مواقف العماد عون واعتباره عون «مرشحاً جدياً لرئاسة الجمهورية» هو الذي جعل الذين عرقلوا في السابق دخول «التيار الوطني الحر» الحكومة الحالية، ولا بد من تسميتهم بالاسم، وهم جماعة تكتل المستقبل واللقاء الديموقراطي والقوات اللبنانية، والذين يطلقون على انفسهم اسم «قوى 14 آذار» قد اصبحوا الآن «بقدرة قادر» وبمسعى من السفير فيلتمان، يتوافدون على العماد عون افواجا، وكل المقصود هو عرقلة تقارب عون مع أمل وحزب الله من جهة، ومنع التوصل الى تفاهم واتفاق بين «أمل» وحزب الله من جهة وتيار المستقبل من جهة اخرى، علماً ان الحديث عن وضع مسؤولية عرقلة التفاهم على عاتق التيار الديموقراطي وحده، دون ان يشمل غيره، فيه مجافاة للواقع وهو يقتصر على الدقة، اذ عندما يتناغم حديث النائب فتفت الذي راق له ان يعتبره البعض «كرأس حربة» لتيار المستقبل وموضع ثقة الشيخ سعد الحريري. مع حديث رئيس اللقاء الديموقراطي في القول بأن محادثات السعودية بين الرئيس بري والشيخ سعد والتي انضم اليها السنيورة لا تهدف الى الوصول الى اتفاق ينهي الالتباسات في الاداء الحكومي، والذي يرسم الخطوط العريضة لتجنب اي التباسات مقبلة، بل يهدف فقط الى التقيد بالبيان الوزاري، فان من حق المراقب ان يعتبر ذلك نوعاً من الالتفاف على امكانية التوصل الى اتفاق على نحو يناقض ما سبق ان صرّح به عضو اللقاء الديموقراطي الاستاذ مروان حماده باسم اللقاء، من ان «المنسحبين» من اجتماعات مجلس الوزراء قد اصبحوا على عتبة التوصل الى اتفاق ينهي جميع الاشكالات السابقة والاشكالات المحتملة، ولدرجة انه بارك سلفاً التوصل الى ذلك الاتفاق الذي كان متوقعاً التوصل اليه بين ساعة وأخرى. فاذا «بالقوى الخفية» التي تدير «لعبة الامم» في الظل، قد اعطت «كلمة السر» التي امّلت ان يقلب الموقف رأساً على عقب على نحو تحركت «الجوقة لتصور التوصل الى اتفاق، وكأنه اقدام على ارتكاب «معصية كبرى» وان «الهدف الاصلي» للّقاء الديموقراطي وتكتل المستقبل، هو الغاء كلمة «اتفاق» او «تفاهم» من القاموس السياسي المتداول، لأن «الاخلاص للبنان» في نظر هذين الطيفين السياسيين هو تسعير العداء ووضع لبنان على «شفير الهاوية» من جديد! واصبح الهجوم على سلاح المقاومة سواء كانت فلسطينية او لبنانية هو «موضوع الساعة» ، ولدرجة خلق اجواء التصادم بين الجبهة الشعبية (القيادة العامة) واهالي الناعمة، وكأنه الشرارة المطلوبة لتعميم روح الفتنة في طول البلاد وعرضها! واصبحت مساعي السفراء الاجانب في نظر تكتل المستقبل الذي كان زعيمه يعتبر السعودية «وطنه الثاني»، وفي نظر رئيس اللقاء الديموقراطي الذي كان يلوذ هو الآخر سياسياً و«لوجستياً» بالسعودية بين حين وآخر، وكأنها مساع غير مقبولة من جانب الجهات التي طلب رئيس اللقاء الديموقراطي تدخلها العسكري ضد سوريا، والتي يعتبرها هي المقبولة وحدها حصراً دون سائر الجهات والدول الاخرى. واستطراداً فان هذه «الجهة الدولية» التي لها ارتباط عضوي مع الكيان الصهيوني، والتي لخص الرئيس حافظ الاسد سياستها في يوم من الأيام بأنها ليست سياسة اميركية في الشرق الاوسط، بل هي سياسة اسرائيلية، فان الاستنجاد بها ضد فريق آخر من اللبنانيين، لا يختلف عن الاستنجاد باسرائيل، والمهم في نظر اللقاء الديموقراطي و«تكتل المستقبل»، انه من بعد «حصانهما» يجب ألا ينبت للوطن حشيش! الزرع على ارض لبنان وسورياً! ويجب ان تتحول الساحة اللبنانية «الى ارض سياسية محروقة»! فالاستقلال والسيادة في نظر «قوى 14 آذار» التي يسعى فيلتمان وايميه وبينهما جاك سترو، لاعادة الزخم اليها وجمع شملها، هي السيادة والاستقلال عن كل علاقة عربية، الا اذا كانت علاقة منسجمة مع ما تريده «لعبة الامم». اما الاستقلال عن قوى الهيمنة الاجنبية المساندة للكيان الصهيوني، فانه امر غير وارد، وهو تحالف «للعبة الامم» التي يجب ان تكون الساحة اللبنانية في نظرها مفتوحة امامها على رحبها لكي تقرر مصير لبنان كما تشاء!
المصدر: الديارـ 12/1/2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018