ارشيف من : 2005-2008

إتفاق "مار ميخائيل" طائف جديد /صحيفة الحياة ـ داوود الشريان

إتفاق "مار ميخائيل" طائف جديد /صحيفة الحياة ـ داوود الشريان

كتب داوود الشريان‏

الوثيقة السياسية التي خرج بها الاجتماع بين قائد "التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون، والأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله، خلقت واقعاً طائفياً جديداً في لبنان، واشاعت مناخاً سياسياً ايجابياً ونقلت لبنان من اجواء التوتر والخوف التي تشكلت بعد 14 آذار (مارس)، الى آفاق من الامل بقدرة اللبنانيين على الحوار والتفاهم، والانتقال من منطقة رد الفعل الى العمل السياسي. وما يؤكد هذا الاستنتاج ان نقاط الاختلاف بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" اكثر من نقاط الاتفاق، ورغم ذلك استطاع الطرفان التوصل الى وثيقة سياسية تلوّح بتأسيس مرجعية سياسية جديدة بين المسلمين والمسيحيين، او بين معارضة دمشق وموالاتها، فضلاً عن ان التنازلات التي قدمها الطرفان تشير بوضوح الى رغبتهما في عمل جدي يتجاوز التصريحات العابرة او الاتفاق المرحلي.‏

وثيقة "مار ميخائيل" حملت موافقة قيادة مسيحية مهمة على سلاح "حزب الله"، وان شئت تضمنت مباركة ثلثي اللبنانيين. صحيح ان "شرعنة" سلاح الحزب جاءت في مقابل فتح ملف المعتقلين وعلاقات ديبلوماسية وترسيم الحدود مع سورية والموافقة على عودة اللبنانيين في اسرائيل. لكن القبول بمبدأ سلاح الحزب باعتباره سلاحاً وطنياً نقلة سياسية غير عادية على مستوى القيادات المسيحية. فلأول مرة يجري توصيف السلاح بهذه الطريقة، فضلا عن ان نزعه أصبح مرهوناً بإجماع وطني، وليس بضغط اميركي، والاهم باتفاق على تحديد الظروف الموضوعية التي تؤدي الى انتفاء اسباب ومبررات حملة. وهذه صيغة يسهل تمديدها على غرار ما حدث لوجود القوات السورية في اتفاق الطائف، اضافة الى ان الورقة تجاهلت تماماً القرار 1559 وكأنه غير موجود، مايعني القفز على الخطوات والافكار التي تراكمت بعد صدرور القرار عن هذا السلاح، واخراجه من الجدل الدولي واعتباره قضية محلية.‏

المفارقة اللافتة انه جرى الاعلان عن ورقة التفاهم المشتركة بين حزب الله والتيار الوطني الحر بعد يوم من مهاجمة متظاهرين من الطائفة السنية كنيسة في الاشرفية، وتم توقيعها في كنيسة مار ميخائيل التي تقع على خط التماس السابق بين بيروت الغربية وبيروت الشرقية خلال الحرب الاهلية. وكما ان الكنيسة تقع على الخط الفاصل بين شطري المدينة، فهذه الورقة يراد لها ان تؤسس لمرحلة فاصلة بين جمهورية الطائف، وما بعدها. فهي تجاهلت تماماً الحديث عن اتفاق الطائف، وهذا امر متوقع ومفهوم. فالموقّعان على الورقة التاريخية تغيرت مواقعهما واحجامهما وادوارهما، فكان لا بد من تغيير جوهري في قيادات وبنية التوافق الطائفي التقليدي بين المسلمين والمسيحيين في لبنان. فاتفاق الطائف جرد عون من سلطته، ولم يأت على ذكر "حزب الله" الذي لم يكن شيئاً مهماً على الساحة السياسية في ذلك الوقت. وعلى هذا الاساس يمكن القول ان هذا الاتفاق سوف يخلق واقعاً جديداً للطائفة السنية، لا يختلف كثيراً عن موقعها الراهن في العراق. ففي السابق كان البناء الطائفي في لبنان يقوم على تحالف ماروني سني، وعاش لبنان الحديث على هذا التوافق، ثم جاء اتفاق الطائف لتكريس هذا الواقع، وتمكين السنّة من الاستمرار في حفظ توازن البلد. لكن الاتفاق الجديد بين العماد والسيد اخرج السنّة من هذا الموقع بانقلاب ابيض، واجلس الشيعة مكانهم في احتفال بهيج، ونقل الزعامة المسيحية من القوات الى التيار الوطني الحر. طريدو وفقراء الامس صاروا زعماء البلد.‏

جاء زمن الشيعة في لبنان. فوصولهم الى مقعد الاغلبية الاسلامية بداية حقيقية لنقل حزب الله من المقاومة الى السياسة، والتيار الوطني الحر يدرك ان جلوس حزب الله على مقعد السنّة في التفاهمات الوطنية الكبرى سيعيد تشكيل منطلقات الحزب في القضايا الجوهرية وأولها السلاح. فحزب الله كان يتصرف من موقع الاقلية، اما اليوم فهو اصبح خليفة المسلمين في لبنان، والخليفة ليس بحاجة ان يتمنطق بسلاحه كما يفعل الحجاب والعسس. لكن رغم اهمية ما جرى لمستقبل الطائفة الشيعية والاستقرار في لبنان لا بد ان نسأل: من الذي خطف دور السنّة واوصلهم الى هذا المصير؟ ولماذا يُغيّب السنة ويُهمّش دورهم في اتفاق بهذه الخطورة والحساسية، وكيف يتحول ابناء الطائفة السنية من عامل استقرار وكتلة لترجيح المصالح والسلم الاهلي والتوافق الوطني الى مجرد شعار في تظاهرات غاضبة، وخيمة سياسية "لفشة الخلق" وتصفية الحسابات، والى متى يرتهن السنّة لحروب دنكيشوتية واهداف شخصية، ومن هو المسؤول عن نقل السنّة من أمة الى طائفة، وما هو الذنب الذي اقترفوه ليحل بهم ما حل، فيستبدلون بـ "حكمة" الغضنفر والقائد المظفر وليد جنبلاط، حلم وحكمة تقي الدين الصلح ورشيد كرامي، ورفيق الحريري، ولماذا يدفع السنّة ثمن حماقة غيرهم، وقلة خبرة زعامتهم؟‏

2006-10-30