ارشيف من : 2005-2008
من اوراق الصحف اللبنانية اليوم الخميس 15 كانون الأول/ ديسمبر 2005
التحرك العربي
صحيفة السفير/ جورج علم
هناك مسعى عربي، عنوانه: التهدئة، والحد من التداعيات. الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وصل الى بيروت، آتيا من الدوحة، ويتوجه اليوم الى دمشق، وربما يعود ثانية الى العاصمة اللبنانيّة. بعض سفراء الدول العربية في حركة لافتة، منذ الاثنين الماضي، إثر استدعائهم الى السراي، واجتماعهم الى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة. وتأتي زيارة السفير السعودي الدكتور عبد العزيز خوجه الى الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، أمس، لتعزز مناخ التهدئة. هناك الكثير الذي يجب عمله لرأب الصدع، إن على مستوى الجبهة الداخلية، والصف الحكومي، او على مستوى الجبهة الخارجية، وما يتصل بالعلاقات اللبنانية السورية. المبادرة السودانية لا تزال حيّة ترزق، وتتحدث التقارير عن حركة اتصالات نشطة تتولاها القاهرة، بتوجيه مباشر من الرئيس حسني مبارك. ويتوافق مع ذلك تحرك هادئ لبعض عواصم دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن هذا الجهد، على أهميته، "لم ينتج ما يمكن البناء عليه؟!".
كان الامين العام عمرو موسى واقعيّا. لم يتحدث عن مبادرة. قال: جئت أستمع وأستطلع، لدي أفكار تحتاج الى مناقشة، وأخذ ورد، وعلينا أن نتحرك، فهذا من صلب واجباتنا ومسؤولياتنا، لوقف التدهور في العلاقات اللبنانية السورية.
يحذّر موسى من وجود طرف يسعى الى تأزيم هذه العلاقات. إنه غير مقتنع بوجهة النظر القائلة بأن سوريا هي التي تقف وراء مسلسل التفجيرات التي تستهدف لبنان، ورموزا لبنانيّة. غير مقتنع باستمرار هذه الحملة الاعلاميّة التي تزيد الجو السائد اكفهرارا وتأزيما. غير مقتنع بالحملات السياسيّة المسعورة. غير مقتنع بأن يحجب التحقيق، ومعرفة الحقيقة، كل المواضيع الاخرى، التي تتطلب قدرا كبيرا من العناية، والرعاية، والاهتمام، نظرا لطابعها الحيوي والمصيري.
ليست المرة الاولى التي يزور فيها موسى دمشق، وبيروت، بعد الانسحاب العسكري السوري، وجنوح العلاقات نحو الفتور، ثم التأزم، خصوصاً بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، إلا أنه لم يتمكن من أن يحدث اختراقا دبلوماسيّا، او صدمة يمكن ان تغلّب الحكمة على الانفعال، والعقلانيّة على التهور. زيارته هذه المرّة، ربما تكون اكثر جدوى من سابقاتها. إنها تأتي على خلفية معلومات متداولة في كواليس ضيقة، مفادها وجود محاولة مصريّة جديّة، تنسّق مع المملكة العربية السعودية، والجزائر، وعواصم عربية أخرى، وهدفها تشجيع سوريا، وحملها على مزيد من التعاون مع لجنة التحقيق الدوليّة، بعد الاعتراف الذي دوّنه القاضي ديتليف ميليس في تقريره الاخير الى مجلس الامن، على أن يقترن هذا التعاون بخطوات تسهم في تنقية الاجواء السورية اللبنانيّة الملبدة، ما دامت هناك استعدادات لبنانيّة واسعة في هذا الاتجاه.
ويأتي تحرك موسى، بعدما أخذ طلب إنشاء محكمة ذات طابع دولي، طريقه الى مجلس الامن، وأيضا توسيع مهام لجنة التحقيق الدولية، لتشمل مسلسل الجرائم، والتفجيرات. يشعر جيدا بأن سوريا جد منزعجة من هذا الطلب، ولكنه يريد ان يتصرف، وكأنه قد اصبح أمرا واقعا. وبالتالي، لا بدّ من طي هذه الصفحة، وتجاوزها عند الحديث عن الرغبة والتصميم الهادف الى إعادة المياه الى مجاريها الطبيعيّة، على مستوى العلاقة بين البلدين.
استمع موسى أمس الى وجهة نظر كل من الرؤساء فؤاد السنيورة، ثم رئيس الجمهورية إميل لحود، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، على أن يلتقي عند التاسعة من صباح اليوم وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ، قبل أن يتوجه الى العاصمة السورية.
هناك إجماع حول الموقف القائل بتحسين العلاقات وتفعيلها، وتطويرها نحو الأفضل، ودائما من موقع الحرص على الاستقلال، والسيادة، والاحترام المتبادل.. لكن هناك تباين حول النظرة والاولويات. مواقف الرئيس السنيورة معروفة: ترسيم الحدود. هوية مزارع شبعا. وقف التهريب والتسلل. وضع حدّ لظاهرة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. وقف التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية. إعادة النظر في الاتفاقيات غير المتوازنة بين البلدين. إقامة علاقات دبلوماسية، وفتح سفارات.
هذه الأجندة ليست بجديدة على عمرو موسى، تحقيقها كان متعذرا في السابق، لأن السوريين لهم اجندة مغايرة. هل آن الاوان لإعادة النظر، والسعي الى إمكانية إحداث اختراق إيجابي، ولو محدوداً على هذا الصعيد، كمؤشر، وخطوة أولى في مسافة الألف ميل؟.
هناك جوابان: الاول إيجابي، انطلاقا من ان سوريا بدأت تتعاون مع المجتمع الدولي، ومع لجنة التحقيق. هذا التعاون يفترض حكما إعادة النظر في مسار علاقتها مع لبنان. إضافة الى ذلك، هناك إصرار عربي على ضرورة الوصول الى قمة الخرطوم العربية الدورية في آذار المقبل، والأجواء بين البلدين على أفضل ما يرام.
الثاني: ... لا جواب، سوى المزيد من الدوران في الحلقة الجهنميّة...
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018