ارشيف من : 2005-2008
عندما يصبح «أحدهم» احتلالياً أكثر من المحتلين
وجوب تصحيح الخطأ الاعلامي الشائع حول خلاف بين «دولة» لبنان والنظام في سوريا..
الولايات المتحدة ـ محمد باقر شري
ان الاعلام المحلي والعالمي وحتى الغيارى على العلاقات الطبيعية بين لبنان وسوريا بمن فيهم الوسطاء، والفريق السياسي المؤيد لمساعيهم ووساطتهم يعتبر ان الازمة القائمة هي بين لبنان ككل وبين سوريا، انطلاقا من ان لبنان الدولة ولبنان الرسمي هو المختلف مع سوريا. فيما لو تفحصنا على ارض الواقع لوجدنا ان قمة الدولة اذا كانت تتمثل بثلاثة رؤساء، فنجد ان الرئاستين الاولى والثانية ليستا على خصام او عداء او قطيعة مع دمشق، وهما الرئاستان اللتان تأتيان بالترتيب قبل الرئاسة الثالثة، التي تظهر العداء والخصام لدرجة القطيعة مع سوريا. ثم ان الرئاسة الثالثة تبدو صورتها شوهاء وعرجاء من الداخل كون مؤسسة مجلس الوزراء فاقدة التوازن.. بوضعها الحالي، فان من يمثل ثلث البلد غير راضٍ عن ادائها وممارستها ولدرجة تجميد حضور جلساتها، فكيف يجوز اعتبار لبنان الرسمي ككل او الدولة اللبنانية كلها على خلاف وصل حد الجفاء والعداء لدرجة القطيعة مع سوريا، ولدرجة ان المبادرات والوساطة سواء كانتا من جانب اشقاء لبنان او اصدقائه تطال الرئاستين الاولى والثانية، تشملان لا يعتبر الرئيسان الاول والثاني اللذان يتقدمان رسميا على الرئاسة الثالثة نفسيهما بين الذين تشملهم الوساطة لاصلاح علاقاتهما مع سوريا في حين يريان نفسيهما اشد من الوسطاء انفسهم حماساً للعلاقات الطبيعية مع سوريا، وهما يعتقدان بأنه اذا كان هنالك شوائب او اشكالات في العلاقات بين البلدين الشقيقين فانه يمكن حلها بالتفاهم والمودة والرضى. اللهم الا اذا كان الذين يعتبرون ان الازمة هي بين لبنان الرسمي ككل، وبين سوريا قائمة من منطلق اعتبار الرئاستين الاولى والثانية لا حساب لهما وان عنواني منصبيهما هو عنوان «شرفي» او «رمزي» وانهما بدون صلاحية! فاذا قيل ان صلاحية رئيس الدولة قد «قد جرّد» بسبب الحكم الذي اصدره عليه الذين يحمّلون مسؤولية الفجيعة المتمثلة باغتيال رئيس الوزراء الاسبق، فلا بدّ من طرح السؤال. حتى لو صح تحميله جانبا من المسؤولية فيما حدث للرئيس الحريري سواء كان ذلك بسبب تقصير او غفلة امنية او تواطؤ - ولا نعتقد ان الذين يحملونه قسطاً من المسؤولية على هذا الصعيد، يعتقدون فعلا وبشكل جازم بصحة ما يوجهونه اليه -، فانهم لا يستطيعون ان يحلّوا محل القضاء، ولا يستطيعون ان ينزعوا منه الصلاحيات التي كفلها له الدستور، كما لا يستطيعون ان يعتبروا توقيعه على مراسيم تشكيل الحكومة وعلى ترؤسه لمجلس الوزراء امراً مشروعاً ومن ضمن ما نص عليه الدستور، في حين تتواصل اجتماعات مجلس الوزراء في وقت يمتنع فيه عن حضور مجلس وزراء فاقد للتوازن، يجعل شرعية انعقاد مجلس الوزراء محل جدل ليس من جانب مجلس ملّى لعائلة روحية كبيرة في لبنان فقط، تشكك في شرعية قرارات مجلس الوزراء بأوضاعه الحالية وعلى الصورة التي ينعقد فيها فقط، بل هنالك جدل قانوني ودستوري حول شرعية ما يصدر عن هذه الحكومة، واذا كان هنالك سكوت وتغاض عن هذا الوضع المشكوك حتى بدستوريته وقانونيته، فليس لأن شرائح كبرى من الرأي العام أو شرائح واسعة من رجال القانون قد ابدت اعتراضاتها الشديدة على استمرار هذا الوضع غير السوي والذي هو من اعجب الاوضاع الحكومية في العالم، بل لأن غض النظر عن هذا الوضع الحكومي الشاذ، قد «يفرمل» من اندفاع اوضاع البلاد الى ما هو اسوأ. علماً انه اذا جدّ الجدّ وتوفّر تصميم حقيقي من جانب الاطراف المعترضة على هذا الوضع، فانها تستطيع ان تقوض هذا الوضع الحكومي بسهولة. والعجيب انه بدلاً من أن يداري رئيس الحكومة ومن يسير على خطاه او يساند امعانه في التفرد باتخاذ القرارات متجاهلاً كل الاعتبارات، الامر الذي كان سبب الازمة داخل الحكومة، بحيث يكون اول المسهّلين لعملية اصلاح الوضع الحكومي، ليس اعلان التقيد بالبيان الوزاري، فالبيان الوزاري لا علاقة له بالأمور التي سببت انسحاب الوزراء، .
ونحن اذ نذكّره ونذكّر الجميع بذلك، ليس من منطلق التحامل او حتى «النقد القاسي» ـ رغم ان ما اقدم عليه يستحق اكثر من ذلك بكثير ـ فان هذا التذكير يأتي من باب الحرص على عودته الى الينابيع التي كان يستقي منها، ونضم صوتنا الى صوت سمير قنطار الذي كان رئيس اللقاء الديموقراطي يعتز بنضاله البطولي ضد الاحتلال الاسراىلي، فلقد حرص هذا المناضل على أن يؤكد انه قد كتب اليه رسالته من باب الغيرة عليه وليس من باب الكراهية، وكان من المنتظر ان ينبري «صحابة» الوليد، وفي طليعتهم من نعتقد بانه في اعماقه يؤيد ما جاء في رسالة المناضل قنطار ويتمنى لو اخذ صاحبه بها، ولا بد من وقفة مع الذات يعيد فيها النظر «بزلة اللسان الكبرى» وينتقد ذاته - وهذا اذا حصل ذروة الشجاعة المعنوية واذا كان غاضباً من دمشق او ناقماً على نظامها، فان هذا يجب الاّ يدفعه الى ان يصبح «احتلالياً» اكثر من الاحتلال نفسه الذي يبحث عن مخرج من ورطته الاحتلالية في العراق والتي تتنافى حتى مع القيم الوطنية الاميركية. بحيث لا نطبق عليه المثل الذي يقول: «انه من زعله من زوجته جدع انفه»!
ونحن لا نأسف فقط على ما يلحقه كلامه من ضرر وطني، بل على ما يلحقه بنفسه وسمعته وسجله الوطني - الذي ظل رغم التقلبات المزاجية في حدود الثوابت الوطنية المتعارضة ليس من لبنان وحده بل عند جميع الشعوب والامم، وهو اذا امعن في هذا النهج الخاطئ الذي يعرف هو في اعماق ذاته انه خاطئ، فلا يلومنّ المكتب الشبابي لحركة «امل» الذي لا يمكن ان يصدر الا بامر ورضى الرئيس بري، اذا قال «فانه آخر من يحق له الحديث عن الولاء الوطني (للبنان) وهو الذي كما يعلم الجميع آخر من تعرف على علم لبنان»، وذلك تذكيرا له «بحرب العلم» الذي اراد في وقت من الاوقات - ان يلغيه وتصدت له «حركة امل» لاعادته مرفوعاً عن سارية عالية! في حين كان رئيس مجلس النواب رئيس حركة «امل» في السابق يشهد بان جنبلاط - رغم كل المد والجزر في العلاقات بينهما ان «وليد جنبلاط ظل متمسكاً بالثوابت تحت كل ظرف من الظروف» - وجنبلاط نفسه لا يحتاج الى من يذكّره بان من يكون هذا موقفه من علم بلاده او الذي يطلب احتلال بلد عربي تهدده اسرائيل و«لعبة الامم»، فانه يجب الاّ يقابل بالرياحين والورود من جانب الذين تحدثوا عن تمسكه «بالثوابت الوطنية» ففجعهم بمواقفه الاخيرة التي بلغ فيها ذروة «الكفر الوطني» الذي لو غفر الوطن له كل ذنوبه فانه لا يمكن ان يغفر له مثل هذا «الكفر»!
واما السيد نصرالله الذي تحمّل حتى من قواعد حزب الله العتب واللوم ولدرجة اظهار الاحتجاج الشديد بسبب استمرار «حبل المودة» بينك وبينه رغم كل مواقفك التي تناقض نهج حزب الله والذي كان موقفه منك يتخطى كل الثوابت التي يؤمن بها، طمعاً في عودتك الى «اصولك الوطنية» التي تحدث عنها سمير قنطار، وهو يعلم تمام العلم ان ما كنت تصرح به حول وقوفك مع سلاح المقاومة لا يمكن ان يستقيم على ارض الواقع ما دام عداؤك لسلامة بلد عربي شقيق كان بالنسبة اليك في السابق اقرب من حبل الوريد، فمصير بلد شقيق هو اعز على أي عربي وحتى على اي لبناني الى اي عائلة روحية انتمى، حتى ولو كان خصماً للسياسة السورية، فانه لا «يهون» عليه تهديد سوريا» فضلا عن احتلالها او المطالبة باحتلالها، لان انعكاسات ذلك خطيرة على لبنان لا تحتاج الى برهان او بيان، وهذا ما نبه اليه غبطة البطريرك نفسه، فقد صرح بذلك حتى وهو يزور بلدا اجنبيا مشاركا في «بلاء» القرار 1559 الذي ابتلى به لبنان، فلقد اكد بصريح العبارة انه يعارض اي تهديد لسوريا او استهدافها بالعداء، ليس من منطلق الغيرة عليها فقط، بل من منطلق الغيرة على بلده لبنان!
وعوداً على بدء لا بد من تصحيح مقولة العداء الحالي بين سوريا ولبنان التي تتردد حتى في اعلام الفريق الذي لم تسؤ علاقته بسوريا، او الذي اصبح «يعيّره» الآخرون بحرصه على العلاقات مع سوريا.. ومن بين الذين «يعيّرونه» من كان «سورياً» اكثر من «السوريين»، وهي المقولة نفسها (مقولة العداء بين لبنان وسوريا) التي يرددها حتى «الوسطاء» في معرض مبادراتهم ووساطتهم، فانها تحتاج الى تصحيح! فليس هنالك عداء على الاطلاق بين لبنان وسوريا، ليس على صعيد الشعبين فقط، بل على صعيد النظامين: فاذا كنا نعتبر رئيس الجمهورية في لبنان ورئيس مجلس النواب في لبنان على صداقة ومودة حتى مع النظام السوري رغم اقرار النظام السوري بوقوع اخطاء على ايدي من اوكل اليهم «الملف اللبناني» خلال فترة قيام سوريا بدورها الاخوي لاخراج لبنان من «الفتنة الكبرى» واعادة السوية الى كيانه الوطني والتي قالت في عهد باني نهضتها الحديثة ومكانتها السياسية اقليمياً وعالمياً الرئيس حافظ الاسد «بنهائية» كيان لبنان رغم اعتراضات الوحدويين السوريين والعرب، وسير الرئيس بشار الاسد على خطاه في الحرص على الروابط المقدسة بين البلدين، واذا كنا نعتبر انه على الصعيد الشعبي ليس هنالك من يريد قطع حبال المودة مع اي نظام يحكم سوريا وخاصة «النظام الوطني» الحالي الذي مهما قيل فيه من جانب الذين يسعّرون العداء ضده، فانهم لا يستطيعون ان ينكروا انه يعبر عما تبقى من مناعة عربية رسمية في وجه الوباء الصهيوني المتكيء على «لعبة الامم» وحتى لو انكر ذلك بعض الجاحدين من «ذوي القربى» الذي هو اشد مضاضة على نفس القريب من وقع الحسام المهند» فان الذين يستهدفون سوريا بالتهديدات والعقوبات ويلوّحون بالعدوان فان حيثيات عدوائهم لها، احتضانها للمقاومة ورفضها الاذعان لما ارادوا املاءه عليها قبل ان يستخدموا كاردثة اغتيال الرئيس الشهيد «قميص عثمان» من تبرير ما يدبّر ضدها!
الديار: 16/1/2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018