ارشيف من : 2005-2008
الدورة الاستثنائية : لن توفق في محاصرة رئيس الجمهورية
العميد الركن امين محمد حطيط (*)
بعد ان اعطى "الانقلاب الابيض" في لبنان بعض مفاعيله، واستعيدت السلطة من قبل من مارسوها 12 عاما وبعد غياب 12 اسبوعا عنها، وعاد معظمهم الى مكتبه السابق اوالى ما هو اعلى منه في الحكومة، لاحظ المراقبون نهجا جديدا في التعاطي مع موقع رئاسة الجمهورية الى الحد الذي يثير الريبة المصحوبة بالتساؤل: هل ان هناك تفسير انقلابي جديد للدستور يمكن من تهميش رئيس الجمهورية او تخطيه اومحاصرته الى حد حرمانه من ممارسة ما اكد عليه الدستور نفسه اولا، ثم احتفظ له به اتفاق الطائف ثانياً؟ وهنا نرى :
1- مباهاة وزير عين بمرسوم وقعه رئيس الجمهورية، وقوله بان القانون الذي رده رئيس الجمهورية، لن يحتاج الى توقيع الرئيس لاحقا، اذ سيفرض عليه بعد ان يقره مجلس النواب بالاكثرية المطلقة (لان هذه الاكثرية اصبحت لازمة لاقرار قانون رده رئيس الجمهورية وفقا لصلاحياته الدستورية)، ولا يكون بعد ذلك دور او فضل للرئيس في التوقيع.
2- محاولة الكتلة البرلمانية - نواة الاكثرية النيابية القائمة، والممثلة على حد توصيف رئيس كتلة اخرى لثلث الشعب اللبناني في مواجهة ثلثين يقومان خارجها - طلب (هذه الكتلة) تجاوز رئيس الجمهورية في فتح دورة استثنائية لمجلس النواب عملا بالعبارة الاخيرة الواردة في المادة 23 من الدستور: "وعلى رئيس الجمهورية دعوة المجلس الى عقود استثنائية اذا طلبت ذلك الاكثرية المطلقة من مجموع اعضائه".
3- يزور وزير خارجية دولة اجنبية، ثم مساعد وزير خارجية دولة اخرى لبنان، ويمتنعا عن سابق تصور وتصميم عن زيارة رئيس الجمهورية، لانه بعرفهما في وضع اصبح غير شرعي اثر التمديد المناقض للقرار 1559، ثم يستقبل هذان الاجنبيان بكل حفاوة وترحيب من قبل وزراء، ما كانوا ليكونوا وزراء لو لم يوقع هذا الرئيس بالذات مراسيم تعيينهم، ثم يقول الاجنبي ندعم الحكومة هذه بما هي عليه الان (اي بعد اعتكاف وزراء حزب الله وحركة امل عن مجالسها) وهي حكومة عينت بمرسوم ما كان ليصدر ويكتسب القوة القانونية والدستورية لو لم يوقعه رئيس الجمهورية.
4- ثم تطالعنا الانباء ان هناك بياناً رئاسياً من مجلس الامن قيد الاعداد سيركز على مسألة رئاسة الجمهورية، وضمنا ستكون الدورة الاستثنائية ذات هدف مضمر هو الاستجابة لهذا البيان.
بعد هذا القليل من الامثلة التي تؤشر الى الواقع المبرر للتساؤل حول ما يتم لمحاصرة الرئيس والتضييق عليه بالشكل الذي يرغبه بعض الاطراف في لبنان، ويشجعهم عليه او يقودهم فيه اطراف من الخارج، ويكون التساؤل هل ان هذا السلوك مجدي لاصحابه؟ لنعد الى الدستور ونقرأ ما فيه:
1- ففي مسألة توقيع القوانين، لا يكون لقانون صفة تنفيذية ما لم يصدره رئيس الجمهورية، سواء كان قد وصل اليه للمرة الاولى ووقعه في مهلة الثلاثين يوما، او رده فاعيد اليه للمرة الثانية بعد ان اكد عليه المجلس بأكثريته المطلقة، وهنا يصدر القانون بمهلة 15 يوما، التوقيع للقانون شرط في الحالين، والمتغير هو المهلة الممنوحة والقدرة على طلب اعادة النظر.
2- اما في مسألة فتح الدورات الاستثنائية، فان مبدأ فتحها حق منح لرئيس الجمهورية في حالة اولى وواجب عليه في حالة اخرى:
1- وممارسة الحق في الحالة الاولى مقيدة بالاتفاق مع رئيس الحكومة: اذ ورد النص مستعملا عبارة "لرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة ان يدعو المجلس الى عقود استثنائية بمرسوم يحدد افتتاحها واختتامها وبرنامجها".
2- اما تنفيذ الواجب في الحالة الثانية فيكون بناء لطلب الاكثرية المطلقة من مجموعة اعضاء مجلس (النص: وعلى رئيس الجمهورية دعوة المجلس الى عقود استثنائية اذا طلبت ذلك الاكثرية المطلقة من مجموع اعضائه) ويتم تجاوز رئيس الحكومة موافقة او رفضا.
أ- والملفت هنا ان النص لم يذكر كما في الحالة الاولى الالية القانونية والدستورية لممارسة الاكثرية المطلقة حقها، ولقيام الرئيس بواجبه... كما فعل في الحالة الاولى حيث حدد المرسوم اداة لوضع القرار موضع التنفيذ... هنا لا بد من القول ان مرسوم يوقعه الرئيس شرط لازم لانفاذ رغبة الاكثرية... لكن من يحدد المهلة؟ والبرنامج؟ فاذا وقعت الاكثرية النيابية عريضة تطلب فيها الدورة، فهل يكون الرئيس ملزما بالتوقيع فورا ثم هل تضع الاكثرية البرنامج ام يكون للرئيس رأي في ذلك؟
ب- الدستور فرض على الرئيس مهلاً لتوقيع القوانين والمراسيم المتخذة في مجلس الوزراء، ولم يحدد مهلة لتوقيع مرسوم فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي اذا طلبت الاكثرية، لا بالعكس اعطى الرئيس الحق بتأجيل انعقاد الدور العادي الى مدة شهر على الاكثر (المادة 59 من الدستور)... بمعنى ان طلب الاكثرية هنا يلزم الرئيس بفتح الدورة ويعفيه من التوافق مع رئيس الحكومة في مدتها وبرنامجها. ولم يقيده بمهلة او برنامج اذ انه مع خلو الدستور من تقييد في المهلة للاستجابة بقي الرئيس صاحب قرار في درس الملاءمة والاستجابة في التوقيت المناسب. وعلى هذا الاساس نقول لا دورة استثنائية ان لم يوافق الرئيس عليها، وان التمييز بين الحالتين المذكورتين اعلاه هو لاقامة التوازن بين الحكومة ومجلس النواب، وليس لتقييد رئيس الجمهورية بقرار الاكثرية النيابية... فنظامنا ليس نظاما مجلسيا، اورئاسي اقله بمقتضى الدستور، اذن وحده رئيس الجمهورية هو السلطة الحكم بين الحكومة والمجلس النيابي، والتي لا يكون دورة استثنائية للمجلس النيابي بدون موافقتها، وهي التي تحدد برنامجها بالاستئناس برأي آخرين.
ج- اما البرنامج بحد ذاته: فللرئيس دور محوري فيه في كل الحالات كما ان هناك ممنوعات دستورية على بعض الاعمال ابان الدورة الاستثنائية اذ ليس لمجلس النواب ان يبادر الى طلب تعديل الدستور خلالها، وحقه هنا حصرت ممارسته في الادوار العادية لانعقاد مجلس النواب..
3- اذن تعديل الدستور لا يكون الا بناء لاقتراح رئيس الجمهورية. (م 76 من الدستور) او في دور انعقاد عادي للمجلس اذا طلب المجلس ذاته، مع التذكير بحق رئيس الجمهورية بتأخير هذا الدور لمدة شهر (يبقى منه 45 يوما) وحقه برد القانون في مهلة شهر من وروده اليه.. ما يؤدي الى القول بان تعديل الدستور ومهما كانت الضغوط امر فائق الصعوبة، وستلزم الكثير من الوقت ما لم يسهله او يوافق عليه الرئيس.
4- ونأتي الى السلوكيات الداخلية والخارجية حيال الرئيس، "فرئيس الجمهورية رمز وحدة الوطن" ... "يعتمد السفراء ويقبل اعتمادهم" وان جواز السفر الذي يمنح للبناني للتجوال في العالم يمنح باسمه ليأمر سلطات الداخل ويطلب من سلطات الخارج تسهيل مرور صاحبه... ولا قانون نافذ الا بتوقيعه، ولا مرسوم نافذ الا بتوقيعه... هذه هي النصوص الدستورية ومعها نسأل كيف يسمح من في الداخل من المسؤولين المعنيين بمرسوم لانفسهن تجاوز الرئيس وهم ما كانوا ليضطلعوا بمسؤولية لو لم يوقع الرئيس مراسيم تعيينهم، ثم كيف يتطاول بعض السفراء على الرئيس، تجاوزا وهم ما كانوا ليكون وجودهم شرعيا في لبنان لو لم يقبل اوراق اعتمادهم... انه لمنطق عجيب..
5- قبل ان نطلب المزيد فلنقم بالواجب... فكيف لا تسأل الاكثرية في مجلس النواب عن مؤسسات دستورية معطلة؟ ولماذا لا تسائل الحكومة عن تعطيل المجلس الدستوري؟ ولماذا لا يسائل مجلس النواب نفسه على السكوت عن تصرف الحكومة حيال مجلس دستوري مضى ستة اشهر على توقفه عن العمل خلافا للقانون، ولمبادىء العمل في الدولة وهي الموجبة لـ"استمرار المرفق العام" وكيف يستقيم التشريع الذي يستعجلونه في الدورة الاستثنائية المطلوبة وهيئة الرقابة الدستورية الاساسية عليه معطلة؟ ثم لماذا لا تسارع الاكثرية وقبل البحث في دورة استثنائية متذرعة بوجوب اقرار الموازنة وهومطلب حق، لماذا لم تضع الموازنة ذاتها بعد وتقرها في مجلس الوزراء؟ او لماذا لا تبادر الى حل مشكلة انعقاد مجلس الوزراء ذاته لطي صفحة الجدل حول مشروعية انعقاده في ظل غياب وزراء طائفة بكاملها عنه، فلا تكون مشاريع القوانين التي تحيلها الحكومة موضع طعن او جدل بعد ان امتنع رئيس الجمهورية، وهومحق في ذلك عن ترؤس مجلس وزراء تغيب عنه طائفة بكاملها.
فليقم كل بواجبه قبل ان يطالب الاخرين ونتذكر، ان سلطة رئيس الجمهورية، كما غيره من السلطات تحفظها النصوص، وتفعلها الممارسة، وليس لسلوك او تصرف ان يلغي سلطة دستورية قائمة او يتجاوزها، وان حصلت مثل هذه المحاولة فان الاساءة لا تكون للسلطة ذاتها او من يمارسها او يتقلد مقاليدها بل انها تكون اساءة للشعب برمته، لان المسؤول لا يملك السلطة بل يتولاها فهو مؤتمن وغير مالك، وان اسيء له كانت الاساءة الحقيقية لصاحب الشأن ومالكه اساسا اي الشعب، وقد تلحق الاساءة بمن يتولى تلك السلطة ظرفيا... فيكون تصرف الاجنبي المسيء لرئيس الجمهورية اساءة للشعب اللبناني اولا وآخرا... فهل يبادر من يستشعر اساءة الى دفعها عنه متسلحا بالدستور والقانون؟
(*) استاذ جامعي في القانون ـ ضابط متقاعد
المصدر: الديارـ 21/1/2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018