ارشيف من : 2005-2008

"تأملات عاشق على باب الرضا" (ع)

"تأملات عاشق على باب الرضا" (ع)

الانتقاد/ العهد الثقافي ـ العدد 1139ـ 9/12/2005‏

أتيتك سيدي أمشي إليك من تراب تعشق ترابك.‏

أتيتك أمسح كل ألوان الشوق لكي أصل.. والشوق يجتاحني.. ومسافات القلب تسابق مسافات العين.. أتيت من خربتي إلى غربتي التي ما عادت غربة، بل هي شمس حضور الأمة.. هو الخميني بدَّد عصر الغربة عن الأمة، وحملنا على بساط الضوء إلى ينابيع القرآن والإسلام المحمدي الأصيل..‏

أي غربة سيدي ونحن الغرباء! نأتي لنمسح غربتنا بأكمام عباءتك.. وعباءتك تمتد من عمق التاريخ إلى الحاضر والمستقبل.. وصلت سيدي.. ورحت أغدو.. وقبابك خلتها تقول أيها العاشق القادم الواصل لتنزع وشاح غربتك.. هنا محط الإمام علي بن موسى الرضا (ع)..‏

من أين أدخل سيدي.. رحتُ أستأذنك قليلاً.. وراح عقلي يشدني إلى أولئك الذين منعوك ومنعوا حقك.. راح قلبي يسألني: أين المأمون ليرى.. وأين هارون؟ أين جلاوزة التاريخ وأنظمة الظلام؟ هذا هو قبر طوس.. هذا المدفون في خراسان.. هذا غريب الغرباء.. أكثر من مئة مليون في كل عام الحاضرون إلى قبره.. وصلت سيدي ورأيت التدافع ورأيت شعوب الأرض.. أطياف الأرض تحج إلى قبرك.. وكلٌّ يحاكيك بلغته ودائرة المقام تتسع.. رشحت دمعة على وجنتي عندما قرأت أنه يقام هنا صحن القدس للإمام الرضا (ع).. صحن للغريبة.. صحن للسليبة.. دمعت عيناي.. وهتف قلبي.. السلام عليكِ يا قدس من مرقد الإمام(ع)..‏

هتفت لها وقلت: أنت الغريبة.. وقفت على باب الرضا أنظر في عيون القادمين.. ذاك يتعفر بالباب.. وذاك يقبِّل العتبات.. والدموع..‏

الكل يأتي من غربته ليفرغ أحزان قلبه في حضرة الإمام.. رأيت أحدهم يحاكيه ويهمس له.. لا أعرف ماذا كان يقول.. ولكن يحاكيه بلغة العشق.. وكانت دموعه كأنها مُزن..‏

وأنظر هنا وأنظر هناك.. قال لي صاحبي: الإمام لم يعد غريب الغرباء.. الإمام الآن محج الفقراء.. والذين يشتاقون إلى أنفاس النبوة من مكة الحزينة وكعبتها الغريبة.. ومن نجفها السجين ومن كربلائها التي تئن تحت السيف الأميركي واليزيدي.. وقفت وكأن النجف يحج إلى الرضا (ع)‏

لينزع غربة الأسر.. كانت القدس تقول: أنا الغريبة والكعبة تشتاق إلى الحفاة المستضعفين الذين يمسكون بناقة النبوة ويمشون خلفها وهم يرددون: لبيك لبيك.. وقفت والقلب ينزف على القدس وكربلاء.. وعلى الكعبة والنجف.. هنا مشهد.. هنا الزمن لا يتوقف.. أتيتها وحزن الزهراء (ع).. والزهراء كانت تطوف مع الملايين، لأنها في قلوب الكل.. ولم تعد الغريبة، بل هي حاضرة في وجدان هذا الشعب العظيم..‏

هي إيران أرض الوجد والخميني كسرت كل قيود الظلام.. ومشت إلى عرس المجد لتفرِح قلب الرضا (ع).. قلب الزهراء.. والزهراء والخميني والولادة والتوقيت واحد.. والفرح واحد.. كأني بحجارة المقام شفاه تبتسم.‏

وقفت أتأمل الأطفال وهم يخفّون الخطى إلى الحضرة المباركة.. أصواتهم جميلة.. دخلت وكان صوت المناجاة.. سكونا.. صمتا.. وكانت أحرف المناجاة كفيلة بأن نُغدق دمع القلوب على وجنات العاشقين.. كانت المناجاة بصوت انتابته رشحة جرح فتألق معها..‏

سُكُونْ.. سكون والرضا (ع) هو الحاضر.. كأنه يمسح على رؤوس القادمين ويؤم صلاة العارفين.. رحت أجمع قلبي الذي ما استطاع أن يجمع كل هذا الحب.. كلما دخلت واقتربت كان العشق يجتاحني.. وقفت أمامه.. وجدار الغربة ينكسر.. وصلت وسلمت.. كانت العيون كلها تسلِّم.. وقلت: يا أيها القلب دلّني كيف يغادر العاشق دائرة المعشوق.. وكيف القلب يترك نجيع العشق إذا خفق في وجدان الروح..‏

وقفت والمشهد وكانت مشهد.. فسلمت على الإمام الخميني وقلت: السلام عليك يا مبدِّد عصر الغربة.. السلام عليك يا من تركت فينا شمساً تبعث الضياء.. ومشيتُ ووجهي للقباب.. لا أستطيع أن أستدير.. رحتُ أودّعه قليلاً قليلاً.. وزرعتُ على عتباته كلمات..‏

لا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم..‏

عماد عواضة‏

2006-10-30