ارشيف من : 2005-2008

دراسة للهيئة الصحية الإسلامية: 43.3% من أطباء لبنان مدخنون عون: أهرب من السيجارة وسنطردها من نقابة الأطباء!

دراسة للهيئة الصحية الإسلامية: 43.3% من أطباء لبنان مدخنون عون: أهرب من السيجارة وسنطردها من نقابة الأطباء!

الانتقاد/ العهد الثقافي ـ العدد 1139ـ 9/12/2005‏

يبدو أن التدخين يسير إلى الأمام في "صغير المساحة" لبنان. مشاهد لعلها مألوفة: مُراهق يُشعِل سيجارة، مراهق ثانٍ يُدخّن" و"يؤاخي" النرجيلة. أما الجنس الآخر فليس بعيداً عن "الآفة المزعومة"، فنسبة من المراهقات والشابات وحتى السيدات لا يترددن في تدخين سيجارة في مكان عام: مدرسة، مقهى، شركة.. وفي المنزل أمام الأولاد!‏

ولكن ماذا يفعل التدخين لدى الأطباء في لبنان؟ الجواب: له مكانة بينهم، وقد اعتمدته نسبة كبيرة منهم.. بل تسرَّب إلى نقابة الأطباء!‏

مقدمة‏

43.3% من أطباء لبنان مدخنون. ليست نسبة تقديرية، إنما نتيجةٌ لدراسة ميدانية أجرتها الهيئة الصحية الإسلامية بالتعاون مع الملتقى العربي للعلوم الاجتماعية والصحة حول التدخين عند الأطباء اللبنانيين وسلوكهم مع المرض في هذا المجال، وشملت الدراسة نحو 10% منهم. العينة اختيرت عشوائياً من لائحة أطباء الصحة والأسنان المسجلين في النقابات المعنية وضمن الأراضي اللبنانية، والعينة المستهدفة هي من مجموعة تقدّر بنحو 15.000 متخصص في المجالات الطبية كافة. والفريق الذي تولى الدراسة مؤلف من: الدكتور سليم أديب مسؤول البحوث في الملتقى العربي، الدكتورة سوسن زغيب من الهيئة الصحية الإسلامية، والأستاذة ريما بدران (المشرفة والمنسقة الميدانية للدراسة من الهيئة الصحية)، والمحلل الإحصائي الأستاذ محمد فخر الدين، إضافة إلى أعضاء آخرين.‏

تكشف الدراسة في نتائجها ما يلي: إن 29.4% من الأطباء هم مدخنون منتظمون للسجائر، و8.5% مدخنون منتظمون للنرجيلة. وأيضاً 5.5% منهم فقط يجمع بين الاثنين، وهناك 16.6% من العينة مدخنون سابقون. وتُبيِّن الدراسة أن 14% منهم لا يهتمون بسؤال مرضاهم إذا كانوا مدخنين أم لا، في مقابل 13% لا يُقْدِمون على نصحهم بالإقلاع عن التدخين. وآلت الدراسة إلى أن 35% من الأطباء ـ العينة يَعْرِضون طرائق وأساليب لمرضاهم حول كيفية الإقلاع.‏

آلية الدراسة‏

لم يسبق أن قامت دراسة كهذه تخص عالم الأطباء في لبنان سوى واحدة أنجزها أطباء في الجامعة الأميركية ضمن نطاقهم.‏

تعتمد الدراسة الجديدة المنهج الوصفي التحليلي: استخدام الأساليب الإحصائية المناسبة في تفسير البيانات التي جُمعت، واستقراء جميع الأبحاث والدراسات السابقة. كما أن الفريق ميدانياً لم يُغفِل عامل الاستمارة وتحليلها.‏

وفي العمق انطوت الدراسة على عمل تثقيفي تدخُّلي، أي تعريف الأطباء الخاضعين للدراسة إلى طريقة معالجة سلوكية غير معقدة تهدف إلى مساعدة المرضى المدخنين في عملية الإقلاع عن التدخين. الطريقة تُسمى AS Protocol وتشتمل 4 محاور يسلكها الطبيب مع المريض تدرُّجاً، وهي: السؤال، النصح، المتابعة والتنظيم.‏

وبالنسبة إلى الاستمارة (باللغة العربية) التي تسلمها الطبيب يداً بيد وملأها خلال 15 إلى 20 دقيقة، ركزت على الخصائص الديموغرافية والاجتماعية للطبيب وعائلته، ومعاملته لمرضاه في مسألة الاقلاع عن التدخين. وعند تحليل المعطيات المتوافرة ُحدد ما يُسمى بمستويات تدخلته والحصول عليها بمجموع 6 أسئلة مخصصة لتقويم مستوى استعداد الطبيب لسؤال المرضى عن التدخين، وبالتالي لنصحهم بالإقلاع عنه.‏

وتناولت الأسئلة مدى جدية الطبيب للانخراط في البحث عن سبل الاقلاع المختلفة. وكذلك تأثَّر التقويم بعوامل مهنية واجتماعية ديموغرافية وعائلية. واعتمدت الدراسة برامج خاصة في التحليل الاحصائي النهائي.‏

نتائج داخلية‏

ملأ 978 طبيباً الاستمارة من أصل 1000 مُختارين، ومن بينهم 83% ذكورا، و796 متأهلون مع معدَّل عمر 43.2، ومتوسط 42 سنة. وتوزعت النسب على اختصاصات عدة كما على أماكن عملهم في المناطق اللبنانية. وأفادت غالبية الأطباء أن وضعها الاقتصادي معتدل بـ(3%) وجيد لـ(32.5%)، ونسبة 2% فقط أقرَّت بوضع اقتصادي ممتاز.‏

تبيَّن بحسب الدراسة أن 40% من أطباء لبنان لم يجربوا أي نوع من التبغ، في حين أن16.6% منهم أقلعوا عن التدخين، ونحو 35% منهم يدخنون السجائر، و5.5% يجمعونها مع النرجيلة. وبلغ معدل عمر البدء بتدخين السجائر 21.7%.‏

وحَضَرَت النارجيلة في المحصلة: 83% لم يحاولوا تدخينها، و7.7% يستخدمونها بانتظام (مرة في الأسبوع تقريباً)، و"المداومة" اليومية عليها تأتي من 20.3% من العينة، و25.7% منهم يدخنون السجائر أيضاً.. وكان معدَّل عمر البدء بتدخين النارجيلة هو 30.8 سنة. أما محاولات الاقلاع فنجحت فقط في 3% بالنسبة إلى النرجيلة، ونحو 16% "يحاولون فعلاً ترك تدخينها".‏

ولسبل تدخل الأطباء في قضية التدخين لدى المرضى دورٌ في الدراسة، التي أثبتت أن 60% من الأطباء المشاركين يسألون مرضاهم عن التدخين، و65% ينصحونهم بوجوب الاقلاع عنه، و46% يُصرِّون دائماً على مرضاهم ليقلعوا عن التدخين. والمتبقي هنا أن ثلث المشاركين يقترحون سبلاً لمرضاهم لكيفية مكافحته.‏

وتوجد نقاط أساس في الدراسة لامست بدقة كما يبدو، سلوك الطبيب تجاه مريضه في هذا الإطار. أولاً إذ كان يسأل عن التدخين، 60.6% نسبة من يسأل مريضه دائماً، و12.4% يسألون أحياناً، و12.9% في حالات خاصة، وأعطى 14% من الأطباء عدم السؤال.‏

والنصيحة حول الإقلاع عن التدخين التي تدخل في أولويات الأطباء غالباً، أظهرت الدراسة أن 65.5% من الأطباء ينصحون مرضاهم دائماً، و10.3% أحياناً يقومون بذلك، و 11.5% في حالات خاصة.. ويأخذ الأطباء الذين ينصحون مرضاهم نسبة 12.9%. وتعدت الدراسة ذلك إلى سلوك الطبيب تجاه مريضه إن كان يُصر عليه ليترك التدخين، فكانت النسب على الشكل الآتي: 46.2 دائماًً، و16.9% أحياناً، 20.9% في حالات خاصة، و16% لا يهتمون أبداً.‏

ولعل الذروة هنا تتمثل في أن 34.1% فقط من الأطباء يُقدِّمون لمرضاهم سبلاً لتمتين تركهم التدخين. والسبل العملية لتجنُبِه يبذلها نحو 33.8% لمرضاهم.. ويقدم نحو 35.5% منهم سبلاً لتركه نهائياً.‏

مرجع معتمد وإلى الـUNDP‏

يُوصف التدخين بـ"منسي الهموم" و"دواء السعلة" من قبل "مناصريه"، فالسيجارة والنرجيلة أضحتا بابين للتسلية وإبعاد المشاكل عن "رأس" الشخص المدخن!‏

تملك السيدة ريما بدران المنسقة والمشرفة الميدانية للدراسة معطيات في الموضوع، وتبادر بالقول: "في لبنان لدينا أعلى نسبة مدخنين مقارنة مع البلدان العربية الأخرى"، ربما ليست مفاجأة.‏

ما تؤكده بدران "46% من الذكور اللبنانيين يدخنون، في مقابل 43% من النساء".‏

تعزو بدران ارتفاع نسبة التدخين عند المرأة واعتناقها النرجيلة إلى القبول الاجتماعي الذي تلقاه في لبنان، "فالتدخين وسيلة تسلية بالنسبة إلى المرأة، والنرجيلة رفيقة سهرها..".‏

الأطباء المصابون بالاكتئاب تتناول نسبتهم السيدة بدران، فمن لديه مشاكل عائلية يقول: "التدخينُ ينسينا همومنا". ونسبة الأطباء الذين يبدأون التدخين في سن الخامسة عشرة أو في سن الثلاثين، بلغت نسبتها 30%!‏

والدراسة المنجزة من قبل الهيئة الصحية الإسلامية مع الملتقى العربي للعلوم الاجتماعية والصحة نشرتها مجلة الأطباء. وفوق ذلك انتشرت نتائجها خارجاً وسُجِّلت لدى جمعيات دولية مثل الـUNDP، وهي، أي الدراسة، الوحيدة في مجالها في لبنان بالاستنتاج إلى السيدة ريما بدران.‏

وسابقاً قامت الهيئة الصحية الإسلامية بدراسة تخص المراهقين المدخنين للنرجيلة في المدارس.. والنتيجة: 25% مدخنون، وعمر التدخين ينحصر بين 13.6 سنة و16 سنة.‏

"نقيب غير مدخن"‏

نقيب الأطباء "ماريو عون" ليس مدخناً، يعتبر أن وجود أطباء مدخنين "تقصير، بدليل أنهم المثل الصالح للناس، فكيف يدخنون"؟.‏

والنقابة مولجة بمعالجة هذا الأمر، وهي من إحدى مسؤولياتها.‏

فعَوْن يطلب من وزارة الصحة ألا تكتفي بالتوجيهات حول مضار التدخين، بل ان يكون هناك برنامج مشترك بين النقابة والوزارة لتوجيه المجتمع في هذا الموضوع. والنقيب يَعِدُ بأنه في الجلسة المقبلة لمجلس النقابة سيطرح منع التدخين في بيت الطبيب، لأنه يراه أمراً بديهياً.‏

يخبرنا أن التدخين موجود في نقابة الأطباء، وبرأيه فإن 20% من موظفي النقابة وزوارها مدخنون. والطرفة أن أحدهم أخبره: "شوف! قررت الأمم المتحدة أن لا توظِّف أحداً في أقسامها ومكاتبها إذا كان مدخناً!".‏

وتبرز المشاكل الاجتماعية والضغوط المادية دوافع تعجِّل بالطبيب ليستمر في التدخين. ونقيب الأطباء لا يرضى بذلك، "لأنه لا يفسِر الاستمرار في هذا النهج".‏

والتبغ الذي يُصدَّر إلى لبنان هو النوع الثالث، والسوق "فالتة" بنظر عون.. وفي غياب السيطرة عليه في لبنان، نسبة المصابين بالسرطان عالية أيضاً. ويدعو إلى تشكيل لجنة لإجراء دراسة علمية للمرض.‏

تتجمع في الختام نقاط عدة: أطباء الأسنان هم الفئة الأدنى تدخُّلاً في جعل المرضى يعزفون عن التدخين تبعاً للدراسة الآنفة، برغم أن عملهم يتركز في منطقة الفم التي يصيبها التدخين مباشرة بالعوامل السلبية.‏

التدخين ترتفع نسبته في المجتمع اللبناني: نسبة 46% من الذكور تُدخِّن و43% من النساء مدخنات. وللمقارنة تبلغ نسبة النساء المدخنات في البحرين 5% فقط!.‏

و"الآفة" موضوع الدراسة، تتمكن من 43.3% من الأطباء اللبنانيين.‏

فالطبيب "العليل" كيف له أن يطرد علة غيره؟‏

حسن زراقط‏

2006-10-30