ارشيف من : 2005-2008

بيان كتّاب في الغرب يهاجم الإسلام المنحى الثقافي للصراع

بيان كتّاب في الغرب يهاجم الإسلام المنحى الثقافي للصراع

عبد المجيد زراقط‏

أصدر، منذ مدة، اثنا عشر كاتباً بياناً هاجموا فيه الإسلام، عنوانه: "لنواجه معاً الشمولية الجديدة".‏

بين هؤلاء الكتّاب كتّاب يتحدرون من أصول اسلامية، وسبق لهم أن كتبوا نصوصاً تسيء إلى الإسلام والمسلمين، ومنهم سلمان رشدي (الهند) وتسليمة نسرين (بنغلادش) وشهلة شفيق (ايران) ومهدي مظفري (ايران).‏

طالب هؤلاء الكتّاب، في بيانهم، باسم "معاشر الكتاب والصحفيين والمثقفين" بمقاومة ما سمّوه "الشمولية الدينية"، و"بترقية الحرية والمساواة في الحظوظ وكذا اللائكية (العلمانية) لجميع الناس". ورأوا أن الأحداث التي تلت نشر الرسوم الكاريكاتورية "أظهرت… ضرورة المقاومة من أجل هذه القيم العالمية، وأن هذه المعركة لا يمكن الظفر بها عن طريق الأسلحة، ولكن علينا أن نسلك طريق الايديولوجيا. فنحن لا نشهد صراع حضارات، ولا عداءً بين الشرق والغرب، ولكن صراعاً عالمياً بين الديمقراطيين والدّينيين..". واتهموا الإسلام بأنه "مثل جميع الأنظمة الشمولية يتغذّى بالخوف والغضب… ويقود إلى عالم مبني على القهر: قهر الرجل للمرأة وقهر الإسلاميين لغيرهم"، ومن أجل هذا "علينا أن نؤمن الحقوق الكونية لكل المقهورين والمضطهدين".‏

يلاحظ، أولاً، أن المتحدثين باسم معاشر الكتّاب والصحفيين والمثقفين ليسوا سوى اثني عشر كاتباً غير معدودين بين كبار الكتّاب، ومعظمهم من الكتّاب التابعين، الموظفين كتاباتهم في خدمة مشروع سياسي ـ ثقافي غربي يخوض حرباً "ايديولوجية" ضد الإسلام والمسلمين".‏

ويلاحظ، ثانياً،أن هؤلاء الكتّاب يصرّحون، في بيانهم، بأنهم يخوضون المعركة ويسعون إلى الظفر بها.‏

ويلاحظ ، ثالثاً، أنهم يحددون طبيعة الصراع، فينفون أن يكون صراع حضارات أو أن يكون عداءً بين الشرق والغرب، ويقررون أنه صراع عالمي بين "الديمقراطيين والدّينيين"، والحق أن الصراع ليس صراع حضارات، ولا عداء، في المطلق، بين الشرق والغرب، كما أنه ليس صراعاً بين الديمقراطيين الحقيقيين والدّينيين، وإنما هو صراع بين أصحاب مشروع استعماري سياسي ـ اقتصادي غربي، يتخذ الديمقراطية ذريعة، وبين مقاومين له، ويأخذ هذا الصراع منحىً ثقافياً ـ حضارياً يوظف هؤلاء الكتّاب وأمثالهم للإسهام في خوضه.‏

والكلام على ما سُمّي "الصراع العالمي بين الديمقراطيين والدينيين" يطول، نكتفي، هنا، بالإشارة الى "ذريعة" نشر الديمقراطية المستخدمة لتحقيق المشروع الاستعماري الغربي، ثم نرى أن "الديمقراطيين" الغربيين أنشأوا أنظمة غير ديمقراطية وأيدوها لأنها تخدم مشروعهم، وحاربوا ديموقراطيين لأنهم لا يخدمون مشروعهم.‏

ثم إن نظام الحكم لا ينقل من وطن الى آخر، وإلاّ مُسخ، وعجز عن أداء مهماته، فالنظام "يُنتج"، يصدر عن رؤية وطنية شاملة، وتشكله أساساً العوامل الداخلية، وطبيعي أن يُستفاد في هذا المجال من أي معرفة انسانية، لهذا ليس من صراع بين ديمقراطيين ودينيين، فالدينيون، المجتهدون في حل مشكلات وطنهم المستجدة، يمكن أن يفيدوا من أي معرفة إنسانية، وهم يصدرون عن أصول رؤيتهم الدينية، وهذا ما يحدث على سبيل المثال في ايران، إذ قامت فيها جمهورية اسلامية، أملتها نظرية في الحكم توصل اليها الدينيون المجتهدون.‏

وفي جانب آخر من الموضوع، يمكن لقارئ التاريخ أن يسأل: من كان صاحب قيم عالمية، المسلمون في الأندلس أم الغربيون في أسبانيا/ محاكم التفتيش؟ من قهر الآخر واضطهده هناك، وفي كل مكان حل فيه الاستعمار؟‏

ويلاحظ، رابعاً، أن البيان يتحدث عن ضرورة المقاومة من أجل قيم عالمية، والسؤال الذي يطرح هنا هو: هل من الحرية، بوصفها قيمة عالمية، تشويه صورة الرسول الكريم (ص)؟‏

في الإجابة عن هذا السؤال نرى أن ليس من خلاف على أن الحرية اجتماعية، وعلى أن أهم شروط حرية الأنا عدم النيل من حقوق الآخر، وأن القيم العالمية ينبغي أن تشمل الجميع، فإن كان من حرية تعبير للغربي، فالمفروض أن تكون للآخر الحرية نفسها، وكي يتمتع كل منهما بحريته ينبغي أن يتقيّد بقوانين تنظم العلاقة بينهما، بغية حماية حقوق الانسان، وإن يكن الأمر هكذا، فأي حرية تعبير هذه التي تسيء الى مقدسات المسلمين ومعتقداتهم؟ ليس من حرية، في هذه الحالة، وإنما اعتداء على حقوق الآخر.‏

ثم، ومن منظور آخر، نرى أن الفنّان يفقد حريته في التعبير عندما يُلزم نفسه وفنّه، بفكرة مسبقة تتمثل في أداء وظيفة معينة، وهي هنا النيل من الإسلام والمسلمين خدمة لمشروع غربي استعماري، والإسهام في خوض "المعركة" الثقافية التي تخاض ضد الإسلام.‏

في حال الالتزام بأداء وظيفة مباشرة يفقد الفنان حريته، ويفقد الفن جوهره ووظيفته الجمالية، فرسّامو "الكاريكاتيرات" وناشروها، ومن أيّدهم، هم الذين فقدوا حرية التعبير، منذ أن التزموا بتوظيف عملهم الفني في خدمة مشروع سياسي ـ ثقافي يخوض معركة ضد الإسلام... وهم، اذ يفعلون ذلك، إنما يعتدون على حقوق الآخر الإنسانية.‏

ثم ألا يرى هؤلاء ما يحدث للقيم العالمية في فلسطين المحتلة وفي العراق... وفي الغرب نفسه، وقد يكون منع عرض مسرحية "اسمي راشيل كوري"، في لندن وفي نيويورك ما يدل على واقع حرية التعبير في الغرب نفسه، فهذه المسرحية تستلهم ما حدث للفتاة الاميركية راشيل كوري في فلسطين المحتلة، فقد قتلها الصهاينة بجرافة عملاقة في آذار/ مارس عام 2003، بينما كانت تسعى جاهدة للحؤول دون أن تقوم الجرافة بهدم المنازل.. الممثلة البريطانية فينسارد غرايف قالت: "انه أمر معيب أن توضع فتاة ميتة ومذكراتها على اللائحة السوداء... إنه فكر همجي يعد لقتل الأحياء والأموات..". فأين هي الحقوق الكونية لكل المقهورين والمضطهدين التي يريد هؤلاء الكتّاب تأمينها؟‏

الأمثلة التي تفضح هذا "الفكر الهمجي" كثيرة، كثيرة... ولكن غبار "المعركة" يعمي الكثير من العيون...‏

الانتقاد/ كتاب ـ العدد 1160 ـ 5 أيار/مايو 2006‏

2006-10-30