ارشيف من : 2005-2008
7.000 زائر يومياً و70 ألف عنوان و130 داراً وندواتوتواقيع في معرض المعارف للكتاب العربي والدولي:الضاحية تفتح صفحة معارفها الملونة بالدم والحبر
"من وين الطريق إلى معرض الكتاب؟".
سألت سيدة صاحب دكان في حي الأبيض فأجابها: "قصدك مجمع سيد الشهداء، نعم، هذا المعرض"، وأشارت بيدها ورأسها إلى لافتة متدلية على عمود الإنارة في شارع "السيد هادي"، ثم اتبعت إرشاداته حتى وصلت إلى حيث تريد.
لم تكن "إليان أبو عقل" من المركز الثقافي الحديث الذي ينشر موسوعات علمية وتربوية لفئات عمرية مختلفة، لتجد في وسط ضاحية بيروت "البعيدة" التي تزورها للمرة الأولى في حياتها، معرضاً ضخماً للكتاب، فهي بعد تردد وافقت خجلاً على المشاركة، وأدركت فيما بعد أنها كانت مخطئة.
"إليان أبو عقل" التي شاركت في عشرات المعارض في لبنان والخارج وصفت معرض المعارف للكتاب العربي والدولي بالناجح، نظراً لنسبة الإقبال والشراء في آن معاً، وللتنظيم والادارة والإشراف، وأهم من ذلك حسن الاستقبال والضيافة.
المعرض من الداخل يشبه في شكله ومضمونه المعارض العريقة للكتاب في بيروت والجبل وأنطلياس وطرابلس، وبرأي السيد "وجيه علوية صاحب شركة "primecolor" فهو على درجة عالية من التنسيق، وسمحت مساحة المجمع باعتماد خريطة توزيع معتمدة دولياً في معارض تسمح إلى جانب بيع الكتب، بإقامة الأنشطة الشخصية المختلفة.
ومع ذلك كان مختلفاً، برغم أن البعض الآخر وصفه بالعادي، لأن الفوارق المميزة بينه وبين غيره من معارض الكتب في لبنان تكاد تكون معدومة.
"عادي، وفيه شوية جديد"، قالت ابتسام محمد التي جاءت من عين المريسة.. وكيف ذلك؟ ابتسمت ولم تجب!
إذا كانت دور النشر العارضة هي نفسها، وجمهور الكتاب يلحق بالكتاب أينما استقر به العرض، فإن المختلف هنا هو الجهة التي نظمت المعرض، والضاحية التي ضمت، والمجمع الذي استضاف الجميع.
وبرغم ذلك فإن الحدث فرض نفسه، واستقطب خلال فترة زمنية جمهوراً كبيراً من هواة المطالعة الى طلبة الجامعات، الى النخبة المثقفة الباحثة عن كتاب او ملتقى أدبي أو ديوانية لتبادل الحديث في السياسة والاقتصاد والحوار الوطني المفتوح.. حتى الأطفال كان لهم كتبهم الخاصة، دفاتر الرسم، والقصص الملونة.
من الداخل كانت دور النشر تشبه الوطن، وكان المعرض يستقبل جمهوراً يترك الحازمية لأول مرة متجهاً نحو الضاحية، ويكتشف وحده أنه للوصول إلى حارة حريك لا يحتاج الى سيارة، بل يمكنه ان يصلها مشياً على الأقدام وأن يغادرها مع كتب اشتراها، وهو يأمل بالعودة ليس في العام التالي، بل ربما في كل يوم.
الضاحية الجنوبية لبيروت لأول مرة في عمرها الثقافي والفكري، تفتح صفحة جديدة من كتاب معارفها في الحب والتسامح أمام زوارها، إلى جانب صفحة المقاومة التي "كان الدم عنوانها الأكبر، وخلف الدم والسلاح كان العقل والفكر"، على حد قول سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله في كلمة الافتتاح التي أعاد فيها المقاومة إلى جذورها الفكرية.. وأضاف إليها أديب الصحافة العربية طلال سلمان ناشر جريدة السفير اللبنانية عبارة رسمت خريطة الطريق الى القاعة خلال تكريم الشاعر السعودي سفير المملكة العربية السعودية في لبنان عبد العزيز خوجا، فقد استهدى "طلال سلمان" بالشهداء مقاوماً مقاوماً، حتى وصلت إلى قلب الديوان"، ولم يسأل دكاناً أو ناطوراً حتى يصل إلى المعرض، وهذه المرة بالتحديد وجد المداد والقرطاس والقلم.. فيما ألقى الخوجا قصائد العشق المتدفق من مكة المكرمة إلى الكون أمام حشد كبير جاء للمشاركة في تكريم شخصية عربية سحبت السياسة الى القصيدة.
المعرض من الافتتاح والأيام التالية المزدحمة بالناس والكتب والندوات والتواقيع والقراءات أعطى لشهر انتصار الإرادة اللبنانية على الاحتلال الإسرائيلي قاموساً من المعاني الوطنية لا يدركها إلا الراسخون في الشهادة.
أكثر من 7 آلاف زائر يومياً دخلوا إلى المعرض خلال الأيام العشرة، أكثر من نصف هذا العدد كان يغادر شارياً مستفيداً من "الحسم الحقيقي" كما قال "محمد بلوط" الطالب في الجامعة اللبنانية، الذي دخل المعرض معتقداً ان نسبة الـ50% من الحسم هي "نسبة وهمية" لجذب الزبائن.. الى أكثر من 70 ألف عنوان توزعت على نحو 130 داراً تنافست في ما بينها على رفع نسبة الحسم، ومنها من اختار توزيع جوائز بالقرعة مقابل إيداع رقم الهاتف لدى الناشر، على أمل الاتصال به لاحقاً.
الزوايا الأربع للمعرض كانت مختلفة، ولكل زاوية حكاية، فعلى يمين المدخل استوقف مركز الإمام الخميني الثقافي الزوار واحداً واحداً لمطالعة منشوراته، أو لحضور تواقيع الكتب الجديدة، وهو كان يمين جمعية المعارف في التنظيم والإشراف من البداية الى النهاية.
على شمال المدخل عرض مركز أبحاث الإمام موسى الصدر مجموعته التي لا تزال تحاول أن ترتقي الى قامة الرجل الكبير في الفكر والسياسة والوطنية. وبالقرب منها قالت الهيئات النسائية في حزب الله كلمتها من خلال عرض إنجازاتها.. وعلى شمالها أيضاً استعرضت كشافة المهدي (ع) كل ما عندها من المطبوعات الى الأفلام.
في آخر الزوايا وبين جناح جمعية القرآن الكريم المتميز بكتاب الله وقاعة المحاضرات، عرضت جريدة الانتقاد مجلداتها، وبثت إذاعة النوار برامجها مباشرة، واحتفلت بعيدها السنوي وهي تتباهى بمجموعة ذهبية تكاد تكون نادرة، فازت فيها برامج الإذاعة خلال مشاركتها في المهرجانات التي شاركت فيها. وبالقرب منها كان جناح قناة المنار يبقى مكتظاً دائماً بالزوار للحصول على حلقات "روح الله".
خلف المعرض وفي غرفة جانبية تكاد تكون غير مرئية، كانت الإدارة التي أشرفت ونظمت وتابعت بدقة بمعاونة مجموعة من اللجان والمساعدين لا تزال منهمكة في الإحصائيات وفرز المعلومات، حتى قبل يومين فقط من طي صفحة المعرض بانتظار العام المقبل.
قاسم متيرك
الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1161 ـ 12 أيار/مايو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018