ارشيف من : 2005-2008

سلسلة المرأة المقاومة نحو أدب إنساني مقاوم

سلسلة المرأة المقاومة نحو أدب إنساني مقاوم

الانتقاد/ العهد الثقافي ـ العدد 1140ـ 16/12/2005‏

صدرت في الآونة الأخيرة عن دار الهادي وبرعاية مركز دراسات المرأة والأسرة والطفل في جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية، أربعة أعداد من سلسلة "المرأة المقاومة" بعناوين مختلفة متنوعة، بين الجمل الاسمية إنشاءً وخبراً أو فعلية آمرة في فعل صارخ متحدٍّ مقاومٍ بإصراره: "دعوني أرسم وجهي".. وهو آخر إصدارات هذه السلسلة الجريئة المقاومة.. ومن مقدمة رئيسة الجمعية عفاف الحكيم، هذه المقدمة الثابتة في كل عدد صدر وسيصدر لاحقاً، نقتطف هذا المقطع الذي يوضح أهداف تبني هذا المشروع الشجاع..‏

"ان الفعل المقاوم أظهر أن الحضور الحقيقي للمرأة ـ خصوصاً على مستوى تشكيل الإرادة الشعبية العارمة في مواجهة العدو ـ قادر على إحداث تحولات مهمة وحاسمة في مسار الأحداث التي تواجهها الأمة". اذاً كان لا بد من تصدي الريشة النسائية والمداد الأنثوي المقاوم كما النجيع الأنثوي أيضاً لتأريخ جهاد هذا النجيع.. لذلك يطرح السؤال نفسه ببساطة: ما هي بعض ملامح هذا المشروع الأدبي الرائد؟ كيف تجلى نصاً وتكامل هدفاً مع جهاد المقاومين، مؤرخاً لا لجهاد المرأة اللبنانية المسلمة فحسب، بل لجهاد الإنسان مسلماً ملتزماً ومقاوماً؟‏

وفي التفاصيل:‏

تعتبر هذه السلسلة الأولى من نوعها في أدبنا الإسلامي المعاصر، عنيت به أدب المقاومة الإسلامية في لبنان تحديداً، ويتأبط هذا الاعتراف تحية الاعتزاز والتقدير لمن قاومن أولاً، ولمن رعين مشروع التأريخ لهذه المقاومة البطلة برجالها ونسائها، فأضفن الى أدبنا هذه السلسلة ـ المرآة، العاكسة في سطوعها لأشرف التجارب الخالدة في تاريخ الإنسانية جمعاء.‏

فمن "القابضة على الجمر" باكورة السلسلة التزاماً، الى "الزهر ينبت فوق الصخر"، الى "الحديد يزين معاصم المجاهدات سواراً"، الى رسم ملامح الوجه الأنثوي المقاوم، رحلة ستقطعها الكلمة المقاومة على جناح الولاء والإخلاص.. جناح الإيمان بقضية لأجلها قيلت الكلمة، لأجلها كُتبت، بعد أن جمع الجهاد أحرفها من أربع جهات الأرض، لتتشكل أمام الحياة نصاً يفوق حدثه الجهادي الحياة نفسها، لأنه يهدف الى تعليم أبنائها كيف تعجن قبضات الإنسان المقاوم ـ رجلاً وامرأة ـ خبز الحياة من أديم الأرض ونجيع أبنائها، لتقدمه حلالاً طيباً لمن زرعهم الله سبحانه رياحين انتصارٍ آتٍ الى بوابة قدس الأقداس، أولى القبلتين، تحت راية المهدي الآتية بعلم الله.. وعداً إلهياً، بدأت من جنوب الجنوب تهب نسائم تباشيره الأولى.‏

خبز الحياة، إدامها الضروري الذي لا حياة لنا من دونه، إنه الكرامة والشعور بالامتلاء إحساساً بها.. وإلا فلا حياة.. هذا ما تحرص هذه السلسلة على رشحه نهجاً، منذ أن قبض أول أعدادها على الجمر الحارق المضيء في سيرة والدة "أبي زينب".‏

كتبت هذه السلسلة أقلام نسائية، تروي سيراً هي الأخرى نسائية، لنساءٍ صنعن للجهاد رجالاً من مصنعٍ عظيم يتمثل القرآن روحاً ومضموناً، بعد أن أوكل اليه خالقه ـ كما القرآن ـ مهمة صنع الرجال.. في هذه السلسلة كتبت المرأة عن المرأة.. بيد أن الكتابة خرجت عن دائرة الأنوثة المتوجسة القلقة، والباحثة حتى الآن عن هويتها وحقوقها وحريتها وسائر المفردات التي عفا عليها زمن الاستهلاك طويلاً.‏

لقد اقتحمت الكتابة في هذه السلسلة عالماً حميماً خاصاً بالرجل، كان يختص به فرداً فريداً.. أما اليوم فقد كتبت المرأة للرجل عن الرجل، وللمرأة عن الرجل والمرأة معاً، لأنها كانت شريكة جهاده، ولم تترك له في فعل الجهاد والكتابة مجالاً يعاني ويعاين فيه وحده عناء اقتحام الدروب.. لقد اقتحمت معه حميمية المعاناة لولادة فعل الجهاد الأعظم.. لا تحمل هذه السلسلة هواجس المرأة في دائرة انفعالاتها الخاصة الحميمة، بمعزل عن انفعال مجتمعها كاملاً.. إزاء فعل النصر العظيم، انتصار العصر، لذلك لا يصح وضع نتاج هذه السلسلة في دائرة الأدب النسائي، لمجرد كتابته بأقلامٍ نسائية.. انها سلسلة تنضوي بجدارة تحت لواء الأدب الإنساني الكبير، الباحث في تساؤلاته عن كرامة الإنسان، رجلاً وامرأة وشيخاً وطفلاً وشاباً. ففي "دعوني أرسم وجهي" لا تتنكر الكاتبة لمشاعر الفتاة الصغيرة "ثنية" التي أقبلت على حياتها بشوق الصبايا البكر، لاكتشاف موقفها الى جوار رجل آمنت إيمانه بالمقاومة على خط آل البيت، لكل محتل معتدٍ أثيم.‏

وعلى هدي مصابيح المقاومة النورانية، كتبت ثنية سفراً لله وحده في كل فعلٍ مقاوم، ولو كان إعداد ثياب "المقاوم او وجبة غدائه".‏

وفي "أساور من حديد" ينتصر المعصم اللدن الرخص على قيده، وربما أذاب حديده بحرارة الإيمان الذي سرى عبر شرايين قلب "رسمية" العاشق لكل ذرة تراب في "محيبيب" وجوارها، ولرفيقة سجن مريضة حاولت ان تهبها أغلى أحلام معتقلة أسيرة، الإفراج بدلاً عنها.. هكذا يصوغ الإسلام قلوب مسلماته، إيثاراً وتضحية، ولو بالعشق العالمي الكبير، عشق الحرية.. وعندما ينبت الصخر زهراً، ترتدي الكلمة الشامخة ثوب عزتها، فتواجه زهرة شعيب معاصرة شيخ الشهداء، جهاداً ومقاومة، أعتى عملاء الخيانة "حسين عبد النبي"، رمز الخسّة والدناءة والوحشية في أحط دركاتها.. تقتحم هذه الشجاعة نصاً وكلمة وكره، بل وحبره المرعب، لتدخل في اقتحامها الجريء ذاك، لا معتقل الخيام أو أي معتقل آخر في فلسطين فحسب، بل لتدخل بإيمانها كاملاً مختبراً علمياً كامل الأدوات في الاستئناس ساعة اشتداد القيد على عظام المعصم.. بشموخ المبادئ وعظمة الإيمان بالله وحده.. ثم رسوله وآل بيته، يمدون الأسيرة المعانية بضياء الحق ودفء الحب ونور الولاء المشع من كيانها.. فلا تنهار حيث ينهار الكثيرون.‏

وفي "القابضة على الجمر" تحمل إنصاف قلبها على كفها جمراً، تضيء بهذا القلب أمام الكون دروب التحدي.. فالكون عتمة دون شجاعة البداية وجرأتها.. تحترق كفها، ولكن قلبها يشتعل ضياءً، فعامر الذي تشظى بطلاً كان يشاركها إدراكها بأن النهاية قريبة مهما ابتعدت، وأن الانتصار هو النقطة الأخيرة، وإن تأخر الوصول.. وأن النهاية هي دائماً البداية الشجاعة لانتصار جديد.. قبضت إنصاف على سر عامر.. طوت عليه كفها وقلبها لتعرف وحدها لذع الاحتراق سراً، يكبت لهيبه ورائحته.. ما أعظمها مجاهدة تكابد معاناة متنوعة الأشكال متعددة الألوان والنكهات.. ما أعظمها أُماً عرفتنا بعد خمسة عشر عاماً معنى السر الدفين في أعماق القلب الذي احترق ليضيء بعد أن أضاءته أشعة حب الله.. صار قلبها جنة لعامر.. وجهاً لقامة عامر.. الذي قادنا مع رفاق الاستشهاد طيلة خمسة عشر عاماً الى شاطئ النصر الذي لولاهم ولولاها.. ما أدركناه.. وما وصلناه.‏

إنها سير عظيمة تتركها لنا أمهات شهدائنا وشريكاتهم في جهادهم.. منهن من أسرن.. ومن استُشهدن.. ومنهن ما زلن على دروب الجهاد سراً وعلانية.. ينتظرن لينضم الى سلسلة المرأة المقاومة، عطر وزهر ووجه ترسم ملامحه كلمات كاتبات من بلادي، صغن بمنتهى الحب والولاء معنى الجهاد الذي يتكامل فيه دور ساحات المواجهة مع دور الكلمة المكتوبة.. يجمعها إحساس واحد يهتف بالوجدان كلما ارتفع شهيد من قلب أمه الأرض الى قلب السماء، ليولد كتاب في مشروع الخلود، شأن الأمم التي تحترم مجاهديها ومقاوميها، وتحترم تاريخاً كتبه بالنجيع أبناؤها نساءً ورجالاً.. طلباً للحياة عزيزة أو للحياة شهادة في تجربة حقيقية إنسانية حية تقول اللحظة فيها بصدق المجاهد مع ربّه، والكاتب مع قلمه، والمقاومة مع جماهيرها:‏

تأخرت أستبقي الحياة‏

فلم أجد لنفسي حياة إلا أن أتقدما‏

وتقدمت المرأة في عقيدتنا.. مجاهدة وكاتبة..‏

فكانت لها وستستمر.. سلسلة بإذن الله مقاومة..‏

ولاء إبراهيم حمود‏

2006-10-30