ارشيف من : 2005-2008

العدد السنوي//الدراما التلفزيونية للعام 2005:"استحضار الأمجاد، وتنازع الدين وتستطيح القضايا"

العدد السنوي//الدراما التلفزيونية للعام 2005:"استحضار الأمجاد، وتنازع الدين وتستطيح القضايا"

شهدت المواسم الدرامية التلفزيونية للعام 2005 تنوعاً في المواضيع وخفوتاً في الكم وضعفاً في النوع، وقد بدا ذلك واضحاً خلال شهر رمضان المنصرم الذي تزاحمت فيه الأعمال المصرية والسورية في المرتبة الأولى، والخليجية والعربية في المرتبة الثانية، وشمل ذلك الأعمال التاريخية والكوميدية والاجتماعية، وفي هذا المقال نقرأ عرضاً نقدياً لتلك الأعمال خلال هذا العام.‏

الموسم الدرامي...‏

أمسى من بديهيات القول إنّ للأعمال الدرامية التلفزيونية موسماً مفصلاً في العرض هو شهر رمضان المبارك، حيث تتسابق فيه شركات الانتاج في التسويق لأعمالها على الفضائيات العربية، التي تكون بدورها قد تسابقت للفوز بالأعمال الدرامية الكبرى لنيل الحق الحصري في العرض الأول، ولعل شركات الإنتاج بأغلبها لا تباشر بإنتاجها قبل بيع العرض الأول لهذه الفضائية أو تلك لضمان استرجاع التكلفة المالية، مع العلم أن معظم الأعمال الكبرى وخاصة التاريخية منها تنتجها الشركات طبقاً لشروط المموّل، أكان جهة خاصة أم تمويلاً لدولة وحكومة وفضائية ما.‏

بين التاريخ و... المال‏

هذه العلاقة بين المال والدراما أردنا أن نرسم من خلالها الخط القوي المستتر الذي يلعب دوراً متقدماً في صناعة الدراما العربية اليوم، أو جزءاً يسيراً منها، ومن هذا الباب يمكننا الدخول لقراءة حركة النتاج الدرامي الذي لم يستعد هذ العام الـ25 عملاً في سوريا مقابل خمسين في الموسم الذي سبق.‏

وقد حافظت الأعمال الدرامية السورية على ريادتها، وظهر ذلك في التاريخية والاجتماعية والكوميدية منها، ففي الأعمال التاريخية تم عرض "ملوك الطوائف" من تأليف وليد سيف وإخراج حاتم علي، وهو عمل قارب التاريخ من منظور المعاصر وزاوية السياسي، وتداخل في جوهره مع البعد الديني الذي قدّم من وجهة نظر التشدد في محاولة لإسقاطه على الراهن وما يحدث فيه.‏

أما المخرج "محمد عزيزية" فقدم "الظاهر بيبرس"، وهو عمل تاريخي ضخم عرض لسيرة الظاهر بيبرس مروراً بولادة المماليك والصراع مع المغول، وقد تميز هذا العمل بإمكانيات تقنية عالية المستوى من الغرافيك والمؤثرات، وقدّم المركز العربي "المرابطون والأندلس" الذي عرض لفترة من تاريخ الأندلس التي أدّت الى تفتت الدولة الواحدة القوية الى ممالك ودويلات متصارعة الأمر الذي أعطى للإسبان المتربصين فرصة الانقضاض عليها فيما يسمى حروب الاسترداد، وهنا تأتي حركة الجهاد التي قادها "يوسف بن تاشغين" ليعيد في معركة الزلافة التاريخ العربي والاسلامي بعدما هبت جيوشه تحت اسم دولة المرابطين.‏

لماذا المغرب العربي..!‏

في نظرة للأعمال التاريخية الآنفة نجد أن معظمها تناول حقبات تاريخية للمغرب العربي، وهنا ثمة سؤال يطرح لماذا المغرب العربي اليوم، ومن يقدم هذه الأعمال، أبناء المغرب أم الآخرون؟‏

حول هذا السؤال حدث سجال بين نقاد ومفكري المغرب العربي حيث اعتبر المخرج المغربي جيلالي فرحاتي أن الأحرى ان يُقدَّم التاريخ المُشرق للمغرب العربي بأيدي أبنائه الذين يدركون الأبعاد الفنية والاجتماعية والسياسية والتاريخية لتلك المنطقة، وفي هذا المضمار يرى المؤرخ المغربي الدكتور عبد الهادي التازي أن تاريخ أي أمة لا يكون صادقاً إلا إذا حُرر بأقلامها، محذراً من أن هذه المسلسلات لا يمكن بحال من الأحوال أن تنقل التاريخ نظيفاً صحيحاً كما هو.‏

أمام هذا السجال يأتي الكاتب وليد سيف صاحب "صلاح الدين" و"صقر قريش" و"ملوك الطوائف" و"ربيع قرطبة" ليرفض ذلك الرأي مؤكداً أن تناول التاريخ في الدراما ليس المقصود منه تقديم صورة وثائقية، بل هو ربط عملي بين الذائقة الجمالية وأسئلة الواقع متجاوزاً المكان والزمان، لأن المؤلف المبدع الذي يتوافر في الوقت نفسه على خلفية معرفية تاريخية عميقة، هو الذي يتمكن من تحقيق القيمة الفنية الدرامية ورسالتها الفكرية والمعاصرة، حاسماً العلاقة بين الكاتب والتاريخ بقوله: إنه "ليس ثمة مؤرخ قادر على التبرؤ من تحيزاته العقدية والسياسية والفكرية ليدّعي الحياد المطلق".‏

"الأصولية الدينية" في الدراما..!‏

كان من الأعمال الدرامية اللافتة في شهر رمضان المنصرم عرض مسلسلين يعالجان ظاهرة ما اصطلح على تسميته في الاعلام العربي بـ"العنف الأصولي"، والعملان هما "الحور العين" للمخرج السوري نجدت أنزور، و"الطريق الوعر" للمخرج التونسي شوقي الماجري، وكان الأول قد أنتجته شركة أنزور لقناة "إم،بي،سي" المدعومة من المملكة العربية السعودية، والعمل الثاني أنتجه تلفزيون أبو ظبي من قبل مؤسسة أردنية.‏

في هذين العملين بدا جلياً أنّ الهدف هو توجيه خطاب اجتماعي لعقلنة المزاج الديني لجماعة "القاعدة"، ومحاربة التشدد الذي يؤمنون به وذلك من خلال تناول موضوع التفجير العنيف الذي وقع في مجمع "المحيا" والذي قام به شبان سعوديون عام 2003.‏

في هذا المسلسل (الحور العين) كان ملاحظاً النص المسطح الذي تناول موضوعاً بالغ الحساسية والتعقيد في المجتمع الخليجي والسعودي بشكل خاص، فالقصة والموضوع لم يكونا بمستوى النص الدرامي الجيد، كما أنّ الإخراج كان دون المستوى الفني المعروف للمخرج أنزور، وقد أرجع البعض السبب الى شركة أنزور التي نفذت العمل مقابل مليون ونصف مليون دولار فعملت على التخفيف من التقنية الانتاجية لمصلحة الربح المادي.‏

أما مسلسل "الطريق الوعر" فقد جاء استكمالاً لروح مسلسل "الطريق الى كابول" الذي أوقف عن العرض بضغط سياسي اميركي ـ سعودي (كما قيل) ليعود هذا المسلسل الجديد ليعالج قضية العائدين من افغانستان الى بلدانهم ليعيشوا في سياق ممارسة العنف ضد مجتمعهم.‏

ثمة ملاحظات حساسة وردت في هذين المسلسلين يمكن ايجازها بالتالي:‏

1 ـ هل ثمة خطاب ديني مقنع تواجه به الدراما الخليجية عنف "القاعدة"، أم المقصود هو استهداف كل أشكال الجهاد والمقاومة في الاسلام، ووضعهما ضمن دائرة "العنف الديني"؟‏

2 - ما العلاقة الرابضة بين عمليات القاعدة "الاستشهادية" ـ كما أراد الفيلم تسميتها حسب مفهوم منفذيها ـ وبين تمرير العمليات الاستشهادية لحماس في فلسطين، هل هو إيراد عفوي أم مقصود؟‏

3 ـ لماذا تمّ الترويج للمنطق الديني لأصحاب "التيار العبيكاني" في السعودية ـ داخل المسلسل ـ وهم المعروفون بالترويج لحرمة العمليات الاستشهادية أياً كانت وجهتها!‏

4 ـ اذا اعتبرنا أن الرؤية الفنية هي اللغة المؤسسة للشكل الدرامي وروحه، فهل يمكن لعقلية الربح والخسارة المادية أن تؤسسا لخطاب "علاجي ـ ارشادي" لمؤيدي القاعدة حيث هم، وهل نجدت أنزور ـ مثلاً ـ هو الشخص المؤهل لذلك ضمن تلك الحسابات المادية.‏

يأتي طرح هذه الأسئلة في سياق الإضاءة على موجة من الأعمال الدرامية انطلقت بهذين العملين، وهي مرشحة للازدياد مع الخوف من اتساع المعطيات التي أوردناها.‏

الكوميديا المستهلكة..‏

في قراءة عامة للأعمال الكوميدية لعام 2005 نجد أن الغالب عليها كان أعمال "بقعة ضوء" لـ"هشام شربتجي" و"جوز الست" و"أنا و 4 بنات" لـ"ايمن زيدان" و"كل شي ماشي"، اضافة الى العمل الخليجي "طاش ما طاش" الذي يغرف من مادة الواقع الخليجي وما يعيشه.‏

في الأعمال الكوميدية التي تنتمي الى الشركات السورية لم يكن فيها من جديد باستثناء تكرار أحداث ونصوص سبق أن عُرضت بقوالب مختلفة، وهذا ما يدلّ على ازمة في النص الدرامي الكوميدي حيث اجترار الأفكار نفسها هو السمة الغالبة.‏

الدراما الاجتماعي.. لمن النص؟‏

قدمت الدراما السعودية هذا العام عملين عن قصة "بائعة الخبز"، وهما "الغدر"، والثاني "رجاها" من اخراج "عدنان ابراهيم" وسيناريو أحمد حامد، وقد جاء هذا العمل أفضل وأكثر نجاحاً من مثيله الذي أخرجه بسام سعد، وكتبه عبد المجيد حيدر الذي أصيب بهنّات في الرؤية الإخراجية، وبناء الشخصيات السطحي، وهذا إن يدل على الحرفة عند كاتب السيناريو والمخرج في تناول الموضوع نفسه.‏

نزار قباني..؟‏

ومن الأعمال الدرامية الاجتماعية الذي أثار جدلاً بين النقاد جاء مسلسل "بالشام أهلي" الذي تناول سيرة الشاعر نزار قباني ليفتح نقاشاً بدأ ولم ينته، حتى اليوم، حيث أُخذ على السيناريست قمر الزمان علوش والكاتبة يولا بهنسي اختصار نزار بقصص الحب والغرام وملاحقة النساء بعيداً عن المقاطع السياسية الهامة التي عاشها الشاعر في سيرة حياته، وبطبيعة الحال لم يسلم مخرج العمل باسل الخطيب الذي اتهم باستغراق كاميرته في الكادرات الرومنسية المفتعلة، مع ان المخرج الخطيب رد على هذه التهم معتبراً أنه عمل على تظهير الروح الشعرية لنزار قباني، وعلى تجسيد القضايا واللغة التي صنعت منه شاعراً للمرأة مع الحفاظ على الموقف السياسي الذي عاشه.‏

الدراما الخليجية‏

قبل ختام موضوعنا، لا بد من الاشارة الى التقدم الذي أحرزته الدراما الخليجية في تحقيق المزيد من النجاحات حيث عرض ما يقرب من 20 عملاً درامياً تم انتاجها في كل من الكويت والسعودية والبحرين والإمارات وقطر، وقد تناولت موضوعات هذه الأعمال قضايا المرأة والظلم الذي تتعرض له في مجتمعها، إضافة الى معالجة قضايا الأسرة وما تعانيه أمام تحديات الحداثة والعولمة.‏

وفي الختام نقول ان ما ورد ليس سوى قراءة عامة للدراما العربية التي تعيش خلف كواليس الشرفات صراعاً وتنافساً لا يقل أهمية عن الصراع السياسي الخفي بين الحكومات العربية، حيث أمست الدراما في بعض الدول هي العصب الاقتصادي لها، وأمست أيضاً "البترول الاعلامي" الذي يتوقف عليه مستقبل ومصالح وعلاقات الكثير من الحكومات العربية.‏

حسان بدير‏

الانتقاد العدد 1142 ـ 30 كانون الاول/ ديسمبر 2005‏

2006-10-30