ارشيف من : 2005-2008

العدد السنوي // خارطة الاهتمام الاعلامي لعام 2005 وموقع الثقافة عليها

العدد السنوي // خارطة الاهتمام الاعلامي لعام 2005 وموقع الثقافة عليها

يُسدل الستار على عام جديد، فنرمق الذاهب الغادي بشيء من التأمل والتفحص، شأننا شأن كل عام، نستقرئ الظاهر البيّن، لعلّ القراءة تجدي في تلمس بعض مكامن الصواب لاستكماله، وفي تلمس موضع الأخطاء لمحوها.‏

عن أي صواب نتكلم؟ وما هو حجم الأخطاء؟‏

عنوان هذه المقالة‏

خارطة الاهتمام الاعلامي في العام 2005 وموقع الثقافة فيها... وقد تكون جملة "موقع الثقافة على خارطة الاعلام الفضائي بالتحديد" جملة تدعو الى الرثاء والشفقة، على اعتبار ضآلة هذا الموقع وانحساره امام اكتساح النوعية الأخرى، المتمثلة بالمادة الاخبارية أولاً، ثم السياسية العامة ثم الوثائقية والحوارية والغنائية.. وما تبقى من عناوين...‏

الثقافة على الفضائيات:‏

أين هو الاهتمام الثقافي من سلّم أولويات الفضائيات العربية؟‏

تتمثل الإجابة السريعة بالقول: هي غائبة أو مغيّبة وبفعل أسباب متنوعة.. نأخذ أهم المحطات مثلاً.. قناة الجزيرة، التي نرصد لحظها للقضايا الثقافية منذ سنوات وعلى جرعات مختلفة، "الجزيرة" تعرض منذ فترة برنامج "دروب" الذي يسلّط الضوء على بعض القضايا الفكرية والثقافية، برغم كونه بلا مقدّم وبلا حوار وبلا شكل ثابت.. ولا نستطيع ان نغفل هنا أن للمحطة المذكورة عناوين أخرى تلامس نفس القضايا وتأتي تحت مسميات مختلفة: أدب السجون مثلاً كان تجربة جميلة، الأعمال الوثائقية أيضاً قدّمت مادتها الخاصة، لكن يبقى العتب الأكبر مقروناً بسؤال: أين هو البرنامج الثقافي المركزي الذي يجب أن يكون على غرار البرامج الأخرى؟ وأين هو التوقيت الجيد والجدّي الذي تُحرم منه البرامج الثقافية؟‏

* على قناة "العربية" الفضائية الموازية، يغطي الصحافي اللبناني أحمد علي الزين النقص المطلوب عبر "روافده"، البرنامج الذي أفردت له القناة مساحة خجولة جداً، تكاد لا تتجاوز النصف ساعة أسبوعياً؟! وكأن الفضائيات العربية تغصّ بالوقت المتاح لكل ما هو ثقافي، أو لكأن المادة لا تستحق أكثر من التضحية بنصف ساعة..‏

ويتميز برنامج "روافد" بشخصية وخلفية مُعدة ومقدمة، كونه ينتهي الى عالم الشعراء والكتّاب وليس غريباً عن عالمهم، بالاضافة الى شكله الاخراجي، وهذا ما يعطي الموضوع نكهة مختلفة بعض الشيء.. بخلاف السائد اخراجياً (الطاولة وحولها المقاعد والمحاوِر والمحاوَر)... لكنه يبقى البرنامج الثقافي الوحيد مع فسحات أخرى قليلة جداً تمرّ بشكل عارض ضمن بعض التقارير أو المحطات..‏

* على قناة "دبي" تتألّق د. بروين حبيب آتية أيضاً من خلفية ثقافية وفكرية واضحة، لتضفي جواً لافتاً على حوارها المحظوظ بوقت أكبر نسبياً، إذ يخصص له حوالى الساعة الزمنية وفي توقيت ليلي جيد، يختلف مع التوقيت النهاري المعتاد...‏

ومع د.حبيب نكتشف مرة ثانية أن مقدمي البرامج الثقافية لا يستطيعون إلاّ أن يكونوا أصحاب ثقافة معينة، تتلاءم وتتماشى مع المادة التي يقدمونها، والتي تتحول بدورها لتشكل صورة أخرى لهم.‏

(هذا الموضوع بالتحديد لم تتبعه قناة الجزيرة، التي جعلت برنامجها الأخير "دروب" يقدّم نفسه بلا مقدّم، كشهادات ينطق بها أصحابها وتجمع بعضها الى بعضها الآخر).‏

وبالحديث عن شخصية مقدّم البرنامج الثقافي، ثمة مسألة تبرز تلقائياً، وهي أن البرنامج الثقافي يأخذ ويعطي من صاحبه لتتحول الصورة الى شيء من التماهي بين الموضوع والشكل المقدمين والمقدم نفسه، ولعلنا لهذا لم نلحظ هجوم عارضي الأزياء ولا العارضات أو ملكات الجمال أو الممثلين والممثلات على تقديم برنامج ثقفي، لا هم يستطيعون ذلك ولا مدراء المؤسسات الاعلامية استطاعوا كذلك، لأسباب معروفة جداً، ولهذا نشاهدهم وقد أُسندت اليهم البرامج الترفيهية أو الغذائية أو تلك المتعلقة بالمرأة وأزيائها وماكياجها.. الخ..‏

* اشارة لا بد منها في هذا المقام، لقناة الشارقة الفضائية، التي تحتلّ الثقافة موقعاً متقدماً ضمن برامجها، مع العديد من العناوين والبرامج المختلفة في توجهاتها (ثقافية، فلسفية، أدبية، إعلامية).. مع إمكانية ملاحظة الالتزام الديني والأخلاقي الواضح في توجهات قناة "الشارقة" التي تكاد تخرج عن الصورة المعهودة للإعلام الخليجي.‏

* على قناة "دريم" الفضائية استوقفني أكثر من مرة، تقديم الشاعر النجم أحمد فؤاد نجم، بفوضويته المعهودة، شكلاً وكلاماً ولباساً.. لبرنامج متحرر جداً في شكله وديكوره، حيث يقدّم البرنامج الثقافي على ناحية زقاق.. وعلى بوابة مقهى بالتحديد.. تحت اسم "المقهى" بالخط العريض.. وقد جلس هو متحدثاً أمام لفيف من الرجال، على كراسي الخيزران القديمة.. ليسترجع أمام سمار الليل بعض الحكايات والوقائع والأحداث من ذاكرة التاريخ والثقافة المعاصرة... وهكذا تعطي الصورة انطباعاً جديداً، من خلال رؤية ما، أرادتها هذه الفضائية التي كررت نفس التجربة التي تحدثت عنها قبل قليل، وهي إسناد البرنامج الثقافي لشاعر مشهور جداً.. وكاتب.. له صولاته وجولاته السياسية والثقافية الشهيرة..‏

* نتابع جولتنا لنصل الى مواقع أخرى.. "العالم ثقافة" برنامج الزميلة فاطمة العبد الله على فضائية "العالم"، التي ترصد من خلاله في كل أسبوع، قضية ثقافية جديدة للنقاش والحوار، مقدمة وجهات نظر وآراء مختلفة، في النظر الى شؤون الثقافة العربية المتراجعة وربما المتهاوية.. مع شخصيات عربية مختلفة..‏

* بالعودة الى الاعلام المحلي، يبقى اسم الزميل زاهي وهبي وحيداً على قناة المستقبل اللبنانية، من خلال برنامجه "خليك بالبيت" الذي يحاول في كثير من حلقاته أن يلبس الثوب الثقافي، وهو ينجح بذلك مع ضيوفه من الأدباء والمفكرين، لكنه يفقد هذه الهالة مع الضيوف الآتين من عالم الطرب والغناء على سبيل المثال... برغم أن البرنامج ليس ثقافة متخصصة، بل مجرد اطلالة على سيرة المحاور من خلال أسئلة تقليدية في هذا الباب.. لكنه بأي حال، يسجل له حضوره البارز.. للبرنامج ولمقدّمه على السواء..‏

* على LBC، لا وجود أبداً للثقافة منذ سنوات.. ولعل الكلمة تبدو لهم آتية من عالم آخر، خصوصاً في زمن "الستارز" على كل الجبهات، وبرغم الأوقات الكثيرة التي يفسحونها لبرامج المنوعات والشباب والترفيه...‏

وبرنامج "من سيربح المليون" لا يدخل المنافسة هنا لاعتبارات كثيرة... منها أنه برنامج مختلف عن المؤسسة التي تقدّمه "بالتراضي" مع قناة MBC صاحبة نسخته العربية، وصاحبة الحق الوحيد فيه.. وربما كانت الـLBC تعرضه بالتزامن معها كنوع من اقتسام الغنائم، اذا جاز لنا أن نعتبر جورج قرداحي وملايينه من الغنائم الاعلامية!! وحتى لا تفوز الـMBC بالسبق والغنيمة وحدها!‏

ولأنه من غير المنصف أن أتجاهل تجربة "قناة المنار" فإنني سأشير على عجالة الى تجربتها الدائمة لخلق وإيجاد مناخ ثقافي واعلامي من خلال أكثر من برنامج.. فهناك تغطيات خاصة تمر في ديوان الثقافة، وهناك الثقافة الدينية التي تمر من خلال "الكلمة الطيبة"، وهناك البرنامج المتخصص بالبحث عن إجابات تتعلق ببعض القضايا الثقافية التي يطرحها برنامج "أمسيات"، ولأن البرنامج المذكور هو أحد نتاجات كاتبة هذه السطور فإنني أتحفظ عن بقية التعليق.. تاركة إياه للقرّاء والمشاهدين.‏

هذا هو واقع الثقافة التلفزيونية كما تتكرم بعض الفضائيات العربية وتقدمها.. مع الإشارة الى محطات أخرى، قد لا يتسع المجال لحصرها فيما لو أردنا مقالة احصائية، ولهذا فسأشير الى أن ما ورد هو "وجه الطبق" فقط.. أي ما يبدو لنا من النظرة الأولى السريعة.. فهناك على سبيل المثال قناة "اقرأ" وما تعرضه .. قناة النيل الثقافية المتخصصة.. وبرامج كثيرة عابرة ترصدها العيون المتنقلة أحياناً دون ان تترك أثراً كبيراً..‏

فإذا كان هذا هو جزءاً من الواقع، فما هو شكل الخارطة الاعلامية الفضائية طيلة شهور العام 2005 الفائتة؟‏

مما لا شك فيه أن العناصر السياسية سيطرت وهيمنت بالكامل. فإقليمياً، شكّل احتلال العراق المنطلق الأساس لكثير من القضايا والسجالات منذ العام 2003، أما لو ضيّقنا الدائرة أكثر لنصل الى الدائرة المحلية اللبنانية، فسنتوقف عند منعطف اغتيال الرئيس الحريري، وهو الحدث الذي غيّر الكثير من الخطط والتصاميم الاعلامية وغير الاعلامية.. صارت السياسة خبزاً يومياً لمعظم المواطنين، وهذا ما جعل البرامج السياسية صاحبة الحظوة الأكبر والمساحة الأكبر أيضاً..‏

من السياسة التي حاصرت الجميع وفرضت حضورها القوي، الى برامج "التوك شو" التي مشت إزاءها، كنوعٍ من المواكبة أحياناً، وبرغم اختلاف المواضيع والمضامين في أوقات الخفوت السياسي.. (وهذا ينطبق على السياسة المحلية والسياسة الاقليمية والعالمية).‏

بمقابل السياسة وبرامجها والحضور الاخباري القوي، لا نستطيع تجاهل الحضور القوي لأقنية الفيديو كليب الآخذة في الازدياد والتكاثر... وقد قيل سابقاً عن هذه الظاهرة ان أي متموّل عادي يستطيع أن يفتح فضائية جديدة متخصصة بالهز والرقص والميوعة.. فهناك عشرات الأقنية الخاصة بالفيديو كليب، وعددها فاق عدد الأقنية الإخبارية المتخصصة.. وهي أسهمت بإنتاج ثقافة متردية وسخيفة جداً في كل أنحاء المجتمع العربي، الذي كان "يرقص بلا دف" فكيف الحال معها اذاً؟ مع "الميوزيكانا" و"الميلودي" و"الروتانا" و"الخليجية" وغيرها الكثير الكثير، وما معنى ان يُصار الى بث هذه المواد 24 ساعة على كل المستويات؟ وعلى موجات غنائية راقصة، على الطريقة اللبنانية والمصرية والخليجية، ناهيكم... عن الغربية!‏

الوثائقيات:‏

بدأ الاهتمام العربي بالمادة الوثائقية يكبر ويزداد، فهي تحتل مساحة جيدة من فترات البث الاعلامي (مع اختلاف المادة).. وهي مرشّحة للازدياد واحتلال مساحة أكبر، بالنظر الى أهميتها.. برغم أننا نسجّل هنا وبقوة، عدم وجود قناة وثائقية عربية متخصصة حتى الآن!! وهذا أمر يشبه الفضيحة في دنيا الاعلام العربي بحيث يستنجد جمهور الثقافي بكل ما تجود به الأقنية الأجنبية المعروفة وخصوصاً قناتا: "ديسكفري" و"ناشيونال جيوغرافيك"، مع ملحوظة تقول هنا: ان عدد جهود الأعمال الوثائقية هو عدد كبير، ومعظمه من النخبة (طلاب وجامعيون وباحثون عن المعرفة والجدية في العالم) وهو جمهور يتناقض كلياً مع جمهور الفيديو كليب على سبيل المثال، فهذا باحث عن التزود المعرفي والعلمي، وذلك يبحث عن اللهو واضاعة الوقت وعدم إشغال العقل..‏

على كل حال، نكتفي بهذا المقدار من العرض، ولا أزعم في ختام مقالتي أنني استطعت الإحاطة بكل جوانب تلك الخارطة المفترضة، بل هي محاولة ننفذ منها لقراءة الجليّ والبيّن.. آملة أن تكون قراءة الواقع في العام القادم، أكثر حصاداً والتقاطاً للقضايا الثقافية ولمعالجاتها وسبل طرحها..‏

فاطمة بري بدير‏

الانتقاد العدد 1142 ـ 30 كانون الاول/ ديسمبر 2005‏

2006-10-30