ارشيف من : 2005-2008
زينب جمعة في "صورة المرأة في الرواية..":الرؤية النقدية كضرورة لقراءة النص الأدبي
في كتابها "صورة المرأة في الرواية ـ قراءة جديدة في روايات إملي نصرالله" تنتج الكاتبة زينب جمعة نصاً نقدياً يتتبع المسيرة الحياتية للروائية إملي نصر الله ليقرأ الأثر الحياتي على العملية الإبداعية في أدب نصر الله، فهي تتبع في انتقالها من القرية إلى المدينة ونظرتها من موقعها المديني إلى القرية التي أورثتها الكثير من الرواسب وشحنت صدرها بالعديد من العقد، وتجد زينب جمعة أبرز مصاديق هذه العقد والرواسب في رواية "الرهينة" التي ينطق اسمها بمعاني الارتهان للبيئة القروية. تقول جمعة عن بطلة الرهينة: "ويتبين إذ ذاك, صعوبة التغلب على رواسب الماضي, وإخفاق محاولة التخلص من آثاره السلبية الحبطة والمكبلة لنفس الكاتبة. كما أن الخروج المادي من البيئة القروية لم يسفر عن تحرر معنوي من الارتهان لها بدليل تسمية الرواية الرهينة".
وتتابع الكاتبة زينب جمعة تطور شخصية إملي نصر الله فترى أن الأثر المأساوي المتمثل بالحرب الأهلية التي ألمت بلبنان عام 1975 أدى إلى تحرير إملي نصر الله وإلى خروجها عن التحفظ الذي يسم فتيات القرية، وإلى بدء مسيرة المصالحة مع ذاتها التي طالما أنكرتها وحبستها في قمقم التقاليد الموروثة". ولكن النتيجة التي قررتها الكاتبة بأن التحرر في "تلك الذكريات" المتمثل بالبوح الذي يعلن بدء مسيرة المصالحة مع الذات ينطوي على موقف من الثقافة القروية باعتبارها ثقافة متشددة على حد تعبير زينب جمعة، في حين يرى البعض أنها ثقافة محافظة وليست متشددة. فكلمة تشدد تأخذنا إلى مناخات التزمت الذي لا يجد ما يبرره إلى عادات وتقاليد بائدة، وهذه الأجواء إن كانت موجودة في القرية هل يكون الرد عليها بالنوم إلى جانب الذئب في القصة الشهيرة "ليلى والذئب" التي ترويها نصر الله بطريقتها الخاصة وتغير نهايتها حين تكتشف ليلى أن الذئب ليس مخيفاً، وتقرر أن تقضي الليل إلى جنبه "مطمئنة فرحة".
تقسم زينب جمعة نتاج نصرالله إلى مجموعتين. تضم المجموعة الأولى الروايات الثلاث: طيور أيلول, وشجرة الدفلى, والرهينة, أما المجموعة الثانية فتضم الروايات الثلاث الأخرى وهي: تلك الذكريات, والإقلاع عكس الزمن, والجمر الغافي، وإذ تعتبر جمعة أن "تلك الذكريات" تشكل نقطة وصل بين المجموعتين فإنها ترجع تمييزها بين المجموعتين إلى التشابه في اختيار الموضوعات وفي طريقة معالجتها، وتلاحظ "جمعة" أن المرحلة الأولى هي مرحلة الرومانسية الحالمة، وفيها تتميز الشخصيات الرئيسة بأنها نسائية وأغلبها لفتيات يافعات، أما شخصيات الرجال فهي ثانوية. وعلى الصعيد التعبيري تلاحظ سيطرة اللغة الأدبية الإنشائية واستلهام الأسلوب الجبراني خاصة في وصف الطبيعة، وتميل إلى الغرف من سيرتها الذاتية، ومن بيئتها القروية لتوظيفها في رواياتها.
أما المرحلة الثانية في أدب نصرالله فتلخصها زينب جمعة بالآتي:
ـ الخروج على أحادية موضوع المرأة والتجربة الذاتية المباشرة.
الانتقال بالمكان من القرية إلى المدينة والمهجر.
ـ الابتعاد عن الضبابية والإبهام والاتجاه نحو الوضوح والتحديد في تناول الأحداث والشخصيات.
ـ التعاطي مع المكان والزمان كمكونين أساسيين في صناعة الرواية ...
ـ الاستفادة من تقنيات السرد الحديثة...
ـ التخلي عن اللغة الإنشائية تدريجياً...
وتبقى القرية والهجرة والمرأة هي الأقانيم الثلاثة التي تشكل الموضوعات المفضلة لإملي نصرالله التي كانت تجتمع أحياناً وتتفرق أحيانأً أخرى بحسب مناخ الرواية، أما الشخصيات فإن ما كونته منها في "طيور أيلول" فقد تكررت وتناسلت في روايات أخرى، هذا تستخلصه زينب جمعة من قراءتها لشخصيات نصرالله "منى","حنّة"، "نجلا", "ريا", "مرسال"...
إن تتبع زينب جمعة الدقيق لمسيرة نصرالله الحياتية أتاح لها متابعة تأثير المعطى الحياتي في حياة إملي نصرالله، فقد عثرت "جمعة" على مفاتيح الكتابة عند نصرالله، تلك المفاتيح الكامنة بين السطور، ووقفت على أسرار اللعبة الفنية ووضعت بن أيدينا صورة وافية عن أدب إملي نصرالله مصحوبة بنظرات جمعة النقدية التي كسرت السائد من القول النقدي المشغول بإسقاط النظريات الغربية على النصوص العربية، وذهبت في قراءتها للنص الإبداعي مباشرة عبر مكوناته الداخلية مركزة على الشخصيات الروائية ومدى فقرها أو ثرائها, مشتغلة على العلاقات بين مكونات العمل الروائي بلغة مقتصدة محسوبة لافتراضها المسبق أنها تتوجه إلى قارئ فطن لا يقل عنها حسباناً.
في كتابها "صورة المرأة في الرواية ـ قراءة جديدة في روايات إملي نصرالله"، تضيء زينب جمعة شخصيات روائية نسجتهن مخيلة الروائية نصر الله بمصابيح كاشفة تنير ما خفي من أبعاد هذه الشخصيات على القارئ، وربما على الروائية نفسها.
الانتقاد/ العدد 1143 ـ 6 كانون الثاني / يناير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018