ارشيف من : 2005-2008

نقطة حبر : أزاميل راشانا

نقطة حبر : أزاميل راشانا

برحيل ثالث البصابصة ألفريد بصبوص بعد أخويه ميشال ويوسف عن قريتهم راشانا التي حولوها الى منحوتة عالمية، تكتمل دائرة الغياب لترتسم مكانها دائرة الحضور في الذاكرة الغنية، المحلية والعالمية.‏

إنها لظاهرة حقاً أن يخرج من قرية واحدة ومن بيت واحد ثلاثة عمالقة يحاورون الصخور ويبعثون فيه أشكال الحياة المختلفة، فيملأون الساحات والمتاحف بأعمالهم الفنية الرائعة..‏

من أين لتلك القرية المنسية راشانا، أن تدخل التاريخ الفني لولا هؤلاء الإخوة الثلاثة الذين اجتمعوا لا على الإثم والعدوان والطائفية والعشائرية وسائر ما يجتمع عليه المجتمعون اليوم، وإنما على العلاقة الحميمة بالفن وبعالم النحت الذي يستنطق الجماد فيحوله من كتلة صمّاء الى كتلة متكلمة بكل اللغات.‏

هكذا اذاً.. استطاع ثلاثة إخوة حالمين أن يسمعوا رنين أزاميلهم الى الدنيا ويؤنسوا وحشة القرية الهادئة، فإذا بالوفود الفنية تأتي اليها من أصقاع الأرض قاصدة محترفها الدولي للنحت الذي أشرف على تنظيم دوراته السنوية منذ 1994 الى عام 2004 الراحل الأخير ألفريد بصبوص. وبالعودة الى المدرسة البصبوصية، فإن الراحل ألفريد كان ثاني أعمدتها بعد أخيه ميشال الذي يُعتبر الرائد الأول لهذه المدرسة التي حمّلت الشكل النصبي رؤيتها الى العالم. وبعد غياب الملهم ميشال بصبوص في عام 1981 استمر الحلم البصبوصي عبر ألفريد، يعاونه يوسف في إضاءة هذه الشعلة الفنية، فأقاما معاً المعارض في لبنان والعالم، واستمرت المسيرة حتى توفي يوسف عام 2001، فبقي ألفريد وحيداً في محترفه في راشانا يعاند الأيام بالصبر، ويلوي ذراع الصخر بإزميله الذي نطق بجوّانية ألفريد وبانفعالاته ومخزونه الشاعري البعيد عن الأفكار والفلسفات الكبرى، والقريب من الطبيعة بأبعادها الوجدانية وبأشكالها البكر.. لذلك ظل ألفريد أميناً للمادة الخام التي صنع منها منحوتاته، فالحجر ظل بين يديه حجراً، والخشب ظل بين يديه خشباً، والمعدن ظل بين يديه معدناً أيضاً، لكنه حمّل مساحات المادة البكر مخزونه الشعري، وتبدى ذلك في خطوط أعماله وانحناءاتها ونتوءاتها والتواءاتها التي كان لها مع الفضاء ملاحم وأساطير، ولهو ومرح، وهذيان وحرية لا تحدها حدود.‏

حسن نعيم‏

الانتقاد/ العدد 1143 ـ 6 كانون الثاني / يناير 2006‏

2006-10-30