ارشيف من : 2005-2008
العنصر البصري في ثوب الكعبة المشرفة
الكعبة المشرفة برغم بساطة مبناها، ليست كغيرها من الأبنية الأخرى مهما بلغت روعة زخارفها أو عمارتها، فهي أول بيت وضع للناس في بقعة مباركة باختيار الله لتكون قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فكان لها من التأثير الروحي والايماني في قلوب ومشاعر المسلمين، على مرّ الزمن، ما لم يبلغه أي بناء آخر مهما كانت منزلته أو قداسته.
الكسوة
كاستتباع للمضمون الروحي الرمزي للكعبة المشرفة، يكمن عنوان آخر مكمل للمشهد ومساعد على تقديمه بأبهى حلة.
أخذ العنصر الجمالي البصري أهمية تاريخية فيما يتعلق بالكعبة، فكسوة الكعبة تعتبر من أهم مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام، فقد اهتم المسلمون بتلك الكسوة، وتسابقوا لنيل شرف صناعتها وزخرفتها، وجعلوا من يوم تبديلها من كل عام احتفالاً مهيباً.
عقب جميع مراحل إعداد ثوب الكعبة يقام في موسم الحج كل عام احتفال سنوي في مصنع كسوة الكعبة المشرفة تُسلم فيه الكسوة الى كبير سدنة بيت الله الحرام، من قبل الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. وتجري عملية تغيير وتركيب الثوب الجديد على الجوانب الأربعة للكعبة المشرفة في كل عام في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة (يوم عرفة) لتظهر بكسوتها الجديدة في يوم عيد الأضحى المبارك. ويتسلم كبير السدنة مع ثوب الكسوة الجديد كيساً خاصاً لمفتاح الكعبة مصنوعاً من الحرير الأخضر المطرز بنقوش وعبارات بارزة بالفضة والذهب، وهو يصنع يدوياً على أنوال في كل واحد منها 4500 فتلة من الحرير الطبيعي، ويحتاج لصناعته على أيدي عاملين في القسم الى مدة 25 يوماً، حيث لا يُنجز أكثر من 20 سنتيمتراً في اليوم الواحد.
لم يتح لرسول الله (ص) كسوة الكعبة إلا بعد فتح مكة في العام الثامن للهجرة فكساها بالثياب اليمنية، ومن بعده كسيت بأثواب بيضاء رقيقة كانت تصنع في مصر وتدعى"القباطي المصرية"، وكانت الكسوات تتراكم فوق بعضها لدرجة خشي معها أن يتضعضع البنيان بسبب ثقل الأقمشة، ولما حج المهدي العباسي اليها عام 160 هـ أمر بألا يبقى عليها سوى كسوة واحدة، وهو المتبع حتى الآن.
تزن كسوة الكعبة 650 كيلوغراماً ويبلغ ارتفاعها 14 متراً وعرضها 47 متراً، وتزين الجزء العلوي منها آيات قرآنية مطرزة بخيوط مطلية بالذهب، ويعد حزام الكسوة آية فنية من آيات الخط العربي، حيث يُكتب عليه بخط الثلث المركب، محاطاً بإطار من الزخارف الاسلامية، وثمة نقوش صغيرة على الكسوة السوداء تتمثل في مربعات بارزة مكتوب فيها: "يا الله ـ لا اله الا الله محمد رسول الله ـ يا حنّان يا منّان"، كما يوجد تحت الحزام في الأركان سورة الإخلاص مكتوبة داخل دائرة محاطة بشكل مربع من الزخارف الاسلامية.
مراحل التصنيع
تمر صناعة كسوة الكعبة المشرفة بمراحل عدة، منها مرحلة الصباغة وهي أولى مراحل انتاج الثوب في المصنع، حيث يزود قسم الصباغة بأفضل أنواع الحرير الطبيعي في العالم، ويتم تأمينه على هيئة شلل خام تتألف من خيوط مغطاة بطبقة من الصمغ الطبيعي تسمى سرسين تجعل لون الحرير يميل الى الاصفرار، وبعد أن تغسل عدة مرات تعود للون الأبيض، ثم تكون الصباغة في أحواض ساخنة تمزج فيها الأصبغة المطلوبة، وهي الأسود بالنسبة الى الكسوة الخارجية للكعبة والأخضر لكسوتها الداخلية.
وبعد مرحلة النسيج تأتي مرحلة التصميم حيث يقوم المصمم بعمل دراسات للزخارف والخطوط في الفن الاسلامي، ثم توضع تصميمات مدروسة ترسم رسماً دقيقاً في المساحة المطلوبة، ويتم تلوينها وتحبيرها، وتشمل التصميمات الزخارف والكتابات المطرزة على الحزام والستارة.
بعد مرحلة الطباعة تأتي مرحلة التطريز وهي عبارة عن تطريز بالأسلاك الفضية والذهبية للأشياء المكتوبة، حيث تمر هذه المراحل تحت المختبر الذي يقيس درجة ثبات اللون بالنسبة الى العرق، ودرجة سمك القماش، ودرجة قوة الخيط أو القماش، ودرجة مقاومة القماش للحريق، ودرجة ثبات اللون ضد الغسل.
باب الكعبة
تشتمل الكسوة على ستارة باب الكعبة المصنوعة من الحرير الطبيعي الخالص أيضاً، والمعروفة بـ"البرقع"، ويبلغ طولها 7،5 م وعرضها 4 أمتار، وتتكون من خمس قطع مكتوب عليها عدد من الآيات القرآنية بخط الثلث المركب مع زخارف اسلامية مطرزة تطريزاً بارزاً مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب، وهي مبطنة بقماش قطني خام ومتين. وقد وضعت ستارة باب الكعبة لأول مرة على باب الكعبة عام 1407 ميلادية.
المقاسات
بالنسبة الى مقاسات الكعبة المشرفة حالياً، فقد وضعت دراسة تفصيلية، فمقاس حائط الكعبة من الركن الأسود الى الركن الشامي 11،68 متراً وفيه باب الكعبة.
أما مقاس حائط الكعبة من الركن الأسود الى الركن اليماني فهو 10،18 أمتار، ومقاس حائط الكعبة من الركن اليماني الى الركن الغربي 12،04 متراً. ومقاس حائط الكعبة من الركن الشامي الى الركن الغربي 9،90 أمتار.
أما الأعمدة التي تحمل سقف الكعبة من الداخل الآن فعددها ثلاثة وليست ستة أعمدة، كما كانت في عهد المصطفى (ص). كما يوجد في داخل الكعبة الآن سلّم جديد يؤدي الى سطح الكعبة مصنوع من الزجاج السميك أشبه بالكريستال، بلون سماوي صافٍ.
إنها الكعبة المشرفة، أول بيت وضع للناس، الرمز الروحي الذي يصل التاريخ بالحاضر وبالمستقبل وصولاً الى السماء.
عبد الحليم حمود
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018