ارشيف من : 2005-2008

"التعلم والتعليم" ليوسف مدن:أصالة النظرية التربوية الاسلامية

"التعلم والتعليم" ليوسف مدن:أصالة النظرية التربوية الاسلامية

اذا كان الدين الحنيف قد بدأ كلماته الأولى التي خاطب بها البشرية بعبارة "اقرأ" مستشرفاً بذلك مستقبل الانسانية ومقدماً برنامجاً مقتدراً وفعالاً لتوجيه الطاقات البشرية في مسارات الخير والتنمية الحضارية للإنسان، فقد أصبح من المهم البحث عن مدخل لفهم النظام التعليمي والتربوي في الاسلام.‏

ينطلق صاحب الكتاب بنظرياته من فرضية أن اتقان مهارتي الكتابة والقراءة في بنية النظام التربوي الاسلامي مسؤولية الانسان الأولى وبدونها لا تتحقق مسؤولية القيام بأمانة الدين نفسه، فالتدين لا يُقبل من المرء بدون معرفة صحيحة للشرع.‏

يتألف الكتاب من فصول عشرة تمهد لتقديم نظرية إسلامية في مجالي التعلم والتعليم. أما الفصل الأول فهو مدخل لدراسة النظرية التعليمية حيث يتناول فيه العوامل التي تشكل الأهمية في دراسة هذا الموضوع. وهذه العوامل عبارة عن: وجود فراغ كبير في المكتبة العربية والاسلامية المهتمة بالموضوع، الحاجة الى معرفة النظرية التعليمية الاسلامية، تحويل الفكر التربوي الاسلامي الى واقع، الحاجة الى تأكيد الهوية الحضارية الإسلامية المعاصرة والقدرة التي تمتلكها النظرية التربوية الإسلامية في حل المشكلات.‏

ـ المنهج التحليلي: وهو من أهم المناهج المعتمدة، ويقوم على مجموعة من الخطوات تبدأ من استيعاب القاعدة أو الظاهرة وتحليل هذه الظاهرة بعزل عناصرها عن بعضها، الخروج بنتائج ومبادئ تبلور رؤية واضحة لها، وأخيراً إعادة صياغة القضية بإعادة تركيبها تركيباً يوافق النتائج التي توصل اليها.‏

ـ المنهج التاريخي: يؤدي هذا المنهج الى جعل الفعل التربوي أحداثاً مرتبة متعاقبة الواحد تلو الآخر، منتظمة زمنياً بلا فجوات، ومن هنا على الباحث أن يتتبع تاريخياً نشأة الظاهرة أو المشكلة التي يدرسها ومظاهرها والعوامل المؤثرة فيها والنتائج التي تمخضت منها.‏

ـ المنهج الوصفي الذي يقوم على أساس وصف قضايا التربية الاسلامية ومشكلاتها وصفاً كما هو الواقع.‏

ـ المنهج المقارن الذي يعتمد على مقابلة الأحداث والآراء بعضها ببعض لكشف ما بينها من وجود شبه أو علاقة أو اختلاف. في هذا المنهج يقوم الباحث باختيار المشكلات الصالحة للمقارنة، ويحدد المتغيرات التي تتضمنها لتتم المقارنة بينها ومن ثم الربط العلمي بين الأسباب والنتائج واستخلاص القوانين والتغييرات العامة. بالإضافة الى هذه المناهج هناك مجموعة أخرى كالمنهج النقلي والتكاملي والتجريبي، التي يقوم كل منها على أسس وضوابط تساهم في الوصول الى شيء من المعرفة المعاصرة، حيث تشكل هذه الأمور الدوافع الأساسية في البحث عن النظرية. من جهة أخرى يقودنا البحث عن مصادر النظرية التعليمية الى البحث عن أمهات وأساسيات المطالب التي تشكل الركائز الأساسية للنظرية الاسلامية وهي: القرآن الكريم، السنة النبوية، النصوص الموجودة عن أئمة أهل البيت(ع) واجتهادات علماء التربية المسلمون، حيث تراكمت التجربة لدى علماء التربية المسلمين خلال سنوات فأضحت لديهم القدرة الكافية والضرورية لبلورة رؤية إسلامية حقيقية في هذا الخصوص.‏

ثم يعمد المصنف الى تقديم دراسة مفصلة حول المرجع الموثق لدى الباحث المسلم في صياغة الإطار النظري للبحث التربوي أي النص، فيدخل في تبين وظائفه والقيمة المنهجية له، بالإضافة الى طرق تحليل النص حيث راجت ثلاث طرق أساسية: الطريقة التجزيئية، الطريقة التوحيدية والطريقة المزدوجة.‏

يطرح المؤلف في الفصل الثاني مجموعة من أقوال العلماء والمفكرين الذين عرفوا العلم، ويبين رأي القرآن الكريم في التعلم والعلاقة بينه وبين التعليم، ثم يركز حول أهمية التعلم وأهدافه، إذ ينطوي تحت هذا العنوان مجموعة من الأهداف أهمها:‏

ـ صياغة شخصية الانسان المسلم وبناء مقوماتها وفق مفهوم عبادي.‏

ـ تكوين نظرة إيجابية ينسجها المسلم عن ذاته من خلال بناء القدرات والكفاءات والسمات الطيبة.‏

ـ إعادة البناء الحضاري الشامل للمجتمع المسلم وتوظيف القدرات والكفاءات العلمية في عملية تنمية المجتمع عدا عن مجموعة أخرى من الأهداف يحصل عليها الانسان بواسطة التعلم تؤدي الى صياغة شخصيته وثقافته.‏

أما على مستوى شروط التعلم فإن المؤلف يؤكد على مجموعة منها:‏

ـ أولاً واقعية التعلم أو الدافع والحافز الذي يشجع الشخص على طلب العلم ويولد لديه رغبة داخلية وإقبالاً ذاتياً نحوه.‏

ـ ثانياً الاستجابة من خلال الاندماج في مواقف التعلم المختلفة حيث أن التعلم لا يحصل بمجرد وجود الدافع بل لا بد من الاستجابة.‏

ـ ثالثاً نية المتعلم وإرادته اذ يعتبر الاسلام أن النية هي روح العمل ومقياس تقويمه، فلا بد من وجود نية صالحة خالصة توظف العلم في خدمة المهام العبادية للمتعلم.‏

ـ رابعاً النضج الطبيعي الداخلي، فإذا لم تنضج أعضاء الانسان وتصبح مستعدة للاستجابة لا يتم التعلم.‏

ـ خامساً تفرغ المتعلم لهذه المهمة وإعطاؤها حيزاً مستقلاً في مسيرة حياته، وهذا لا يتم الا من خلال برنامج ونظام محدد.‏

وفي الفصل الثالث استعرض المؤلف مناهج البحث في التربية الاسلامية حيث يعتبر النهج هو الخطة المنظمة لعدة عمليات ذهنية أو حسية تؤدي الى الوصول الى كشف حقيقة أو البرهنة عليها، قد يتعذر من دون وجود منهج معين الوصول الى معرفة حقيقية صحيحة لا يشوبها أي اضطراب أو خطأ.‏

والسؤال، ما هي المناهج المعتمدة للبحث في قضايا التربية الاسلامية:‏

والحقيقة وبعد ان استعرض المؤلف العوامل الذاتية والموضوعية المؤثرة في التعلم في الفصلين الرابع والخامس بحث بشكل مفصل في المبادئ التربوية الاسلامية في مجال التعليم، وذلك في الفصل السادس حيث تضمنت النظرية التربوية الاسلامية مبادئ تربوية لها أهميتها في تنظيم عملية التعلم والتعليم وضبطها، وهذه المبادئ عبارة عن:‏

ـ تكوين الاتجاه قبل الفهم، أو بعبارة أخرى الاستعداد الذهني والنفسي لدى المتعلم إزاء موضوع التعلم، اذ يمثل هذا الأمر خطوة ضرورية كي تؤتي هذه العملية ثمارها الطيبة، لأن المتعلم حيث يتهيأ نفسياً وذهنياً للتعلم يكون مستعداً لتقبل البرهنة والإقناع ويحصل على أسهل وسيلة للتعلم. وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم حيث عبر في بعض الآيات عنه بحسن الاستماع: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تُرحمون".‏

ـ مبدأ الفروق الفردية حيث يختلف الأشخاص في ألوانهم وطباعهم وأخلاقهم وألسنتهم واستعداداتهم الانفعالية وقدراتهم الفعلية، وبناءً على هذه الفوارق والاعتراف بها كمبدأ أساسي موجود جاءت التعاليم الاسلامية لتأخذ بعين الاعتبار أثناء تقديمها للنظريات والقيم هذه الفوارق. مثلاً دعا المشرّع الى أمر الغلام بالصلاة في سن السابعة، والتدرب عليها، ولم يسمح قبل هذه الفترة الا بتدريبه على بعض المفاهيم العقائدية العامة...‏

ـ توجيه كل شخص الى نوع التعليم الذي يناسب استعداده وقدراته العقلية. وذلك بناءً على المبدأ السابق الذي يقول بمبدأ الفروق الفردية. يعتقد المؤلف أن النص القرآني كان السباق في ايجاد هذه النظرية وتقديمها برغم التطور الذي حصلت عليه في خضم علم النفس الحديث. يقول الله تعالى: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت". والى ما هنالك من الآيات والروايات التي تبين هذا الموضوع، منها الحديث الشريف: "إنا معشر الانبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم".‏

ـ مبدأ التعلم الموزع أو التعلم على فترات متباعدة تتخللها فترات راحة تساعد على سرعة التعلم وتثبته في الذاكرة، إذ أصبح جلياً خطأ الطريقة المقابلة التي تقوم على أساس التركيز، أو التي تتم في فترة زمنية متصلة دون فترات تتخللها. لهذا نزلت آيات القرآن الكريم آية بعد آية على امتداد ثلاثة وعشرين عاماً ليتمكن الناس من ان يتعلموا أحكامه ومضامينه.‏

ـ مبدأ إلزامية التعليم حيث حث المشرّع على التعليم الإلزامي، وتجلى هذا الأمر في تصرفات المعصومين (ع) الذين أكدوا على اعتبار العلم فريضة وحضوا على طلبه، ولو في الصين... وفي الجانب الآخر نرى الاسلام في الوقت الذي يؤكد فيه على ضرورة التعلم وإلزاميته يبين أهمية وجوده على مدى العمر فكان الحديث الشريف: "اطلبوا العلم من المهد الى اللحد".‏

ـ الارشاد والتوجيه المستمر على أساس ان التعلم الذي يقترن بإرشاد المتعلم الى أخطائه مباشرة يكون أسرع وأفضل وأثبت رسوخاً في الذاكرة ويؤدي الى اتقان العمل. وهناك مبادئ أخرى ذكرها صاحب الكتاب بلغت بمجموعها ثماني عشرة مسألة.‏

في الفصول المتبقية عالج المؤلف موضوعات ذات أهمية من قبيل نظام الإثابة والعقوبة في النص التربوي الاسلامي، طرق التعلم، طرائق التعليم وأساليبه، والمعلمون والمتعلمون في النظرية التربوية الاسلامية، نترك للقارئ الاطلاع عليها اذ انها تحتوي على ابحاث بنائية وأساسية.‏

علي الحاج حسن‏

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‏

الكتاب: التعلم والتعليم في النظرية التربوية الاسلامية‏

تأليف: يوسف مدن‏

الناشر: دار الهادي‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد1167 ـ 23/6/2006‏

2006-10-30