ارشيف من : 2005-2008
في خان الإفرنج في صيدا:صور قابضة على الجريمة
في مكان واحد احتشدت الصور بالتاريخ القريب، احتشدت بالدم والدمع وإرادة الصمود والتصدي، في مكان واحد كانت العيون على موعد مع الجوهر المشذّب من أي أعراض.
انه خان الإفرنج في مدينة صيدا عاصمة الجنوب حيث احتضنت معرض صور فوتوغرافية من تنظيم القسم الاعلامي لحزب الله في الجنوب، وهي صور قابضة على لحظة الجريمة الكاملة في عناقيد الغضب كمركز أساس في موضوع المعرض، ثم كان تعريج على مجازر أخرى في لبنان وفلسطين والعراق، حيث يمتد خيط الدم ليكون الشاهد على همجية الصهاينة والأميركيين كل على طريقته في "التعبير".
على شكل مربع كانت طريقة عرض الصور، فدخلنا الخان وانطلقنا لناحية اليمين مستعرضين الجرائم واحدة واحدة، وكأننا نقلب أحجار سبّحة بأصابع من نسغ العيون. هنا حنين طفلة المنصوري الغافية على باب الإسعاف، أي استعمال وسادة لخدها اليانع، وهنا نشاهد مجزرة آل العابد في النبطية، ثم تستقر الحدقة على صور مجزرة قانا ليكون الدماغ على موعد مع الصاعقة برغم السنوات العشر التي مرت دون أن يبرد الدم أو تنام الذاكرة.
نتابع المشي نحو صورة من العراق لأب يحمل أشلاء ابنته بين الركام كأنه عباس جحا يقف على مرآة المنصوري ليرى وجهه ووجه ابنه مهدي بملامح غير بعيدة كذلك السكين… يا للشبه.
ونكمل المسير وهنا نكتشف كم للخطى من معنى حيث يتكشف المشهد، حين تحتشد الذاكرة لتكون المساحة بين الصورة والأخرى كأنها استراحة محارب.
ثم تكر السبحة من مجزرة صيدا إلى باص المدرسة في النبطية إلى أن نصل إلى الصور الأخيرة لتكون لرجال المقاومة في أكثر من مكان وحالة، ليكتشف المشاهد أن المقاومة هي عبارة عن رد الفعل المنطقي البديهي على هول الإجرام وفداحته بل وقاحته.. وأهمية المعرض ان النسبة الكبرى من زواره هم لسياح أجانب اعتادوا زيارة الخان ضمن برنامج رحلتهم، لكن هذه المرة هم على موعد مع الحقيقة الصارخة لذلك كانت عيونهم تشي بالدهشة وبالصدمة، لكأن معرفتهم المتقطعة بمجازر الاسرائيليين صعقت بجمع كل هذه المجازر في إطار واحد.
القيمون على المعرض أخبرونا عن صعوبات التحضير والتنظيم ذلك أن الصور كثيرة والاختيار يصعب، هذا في حالات، وفي أخرى ثمة حدث فظيع لكن ليس له صور تُذكر أو معروفة المكان والمصدر، لذلك كان البحث مضنياً، وعلى محور آخر في المجال البصري كان لافتاً التدخل البسيط في الصور لإضفاء لمسة اخراجية عامة دون ان تمس بجوهر الصورة، فحضر اللون الأحمر ضمن لطخات أشبه بالدم كأنها صفعات أو أشلاء متطايرة.
كلا لا يوجد قسوة في اختيار الصور بل القسوة في مفتعل الجريمة، فمهما حاول المنظمون اختيار صور بعيدة عن الفجائعية نلاحظ أن صرخات الأطفال أبطال الصورة تطارد الناظر ليحوّل وجوده من حالة المتلقي المحايد إلى المتمرد المشارك الرافض، وهنا نكتشف الجانب التحريضي للمعرض، فنحن هنا لسنا في خانة الفن للفن.
على هامش المعرض (الذي اختتم منذ أيام) ثمة قاعة جانبية قدم فيها عرض متواصل لصور المجازر وعمليات المقاومة في أفلام قصيرة.
وأخيراً خرجنا من خان الإفرنج متأبطين كتيبات باللغة الانكليزية تحكي بطولات سطرتها سواعد المقاومين.
عبد الحليم حمود
الانتقاد/ معرض ـ العدد 1160 ـ 5 أيار/مايو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018