ارشيف من : 2005-2008

الثورة الاسلامية في إيران: البراءة من المشركين

الثورة الاسلامية في إيران: البراءة من المشركين

مما يلفت النظر بقوّة في زيارة الإمام الحسين(ع) المعروفة بـ«زيارة وارث» هي حالة الارتباط بالمحور الرباني للولاية، والانفصال عن كل المحاور التي يصطنعها الطاغوت من اجل استقطاب ولاء الناس لنفسه.‏

وهذه الحقيقة تقرّر حتمية الصراع بين محوري «الولاية» و«الطاغوت»، بشكل دائم في تاريخ الإنسان.‏

ومن خصائص هذا الصراع التاريخي، والمعركة الممتدّة بين محوري الولاية والطاغوت (الحق والباطل)،أنه يشطر البشرية إلى شطرين:‏

احدهما: يوحّد الله تعالى بالولاء والطاعة له من جهة، ويتبرى من أعداء الله وأعداء رسوله من جهة اخرى. حيث لا ينفع «ولاء» من دون «براءة»، ولا يؤدّي الولاء دوره الفاعل والمؤثّر في حياة الاُمّة ما لم يقترن بالبراءة من اعداء الله ورسوله واوليائه.‏

والآخر: يقبل في الحياة محاور اُخرى للولاية وينقاد لها؛ فقد يكون الولاء للهوى، وقد يكون للطاغوت.‏

وهذه الخاصيّة يسمّيها القرآن الكريم بالفرقان، وهو الامر الذي يشطر الناس شطرين متميّزين في الولاء والبراءة.‏

ولقد كان يوم بدر هو «يوم الفرقان الاول». في تأريخ الإسلام، يقول تعالى: "يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان".. فهو أوّل مواجهة قتاليّة بين التوحيد والشرك في‌ تأريخ الإسلام.‏

وإذا كان «يوم بدر» هو «يوم الفرقان الاوّل» في تاريخ الإسلام، فإن يوم عاشوراء هو يوم الفرقان الثاني‌ في تأريخ الإسلام.‏

أما اليوم الثالث من أيام الفرقان في التأريخ الاسلامي، والذي يأتي امتداداً ليوم بدر ويوم عاشوراء، فهو يوم انتصار الثورة الإسلامية المعاصرة بقيادة الإمام الخميني‌(قدس) وسقوط نظام بهلوي سنة 1979م، والذي هو من ايام الله الكبرى في التأريخ.‏

إن هذا اليوم لا يعني فقط سقوط نظام اُسرة بهلوي في تأريخ إيران، وإنّما يعني انتهاء مرحلة من تأريخ الإسلام، وبداية مرحلة جديدة من هذا ‌التأريخ.‏

إن‌ القيمة التأريخية لسقوط اُسرة بهلوي وقيام الجمهورية الإسلامية تكمن في كونها:‏

اوّلاً - نهاية لعصر من الخمول والركود والإستضعاف واليأس والارتماء في احضان الغرب والشرق، والتخلّف الفكري والسياسي والعسكري والاقتصادي، والرضوخ لسيادة الاستكبار العالمي، والهزيمة النفسية أمام موجة الحضارة الغربية.‏

ثانياً - بداية عصر جديد من التحرك باتجاه الإسلام وحاكمية دين‌ الله وشريعته على وجه الارض.‏

أما أبرز العناصر التي منحت هذه القيمة الحضارية للثورة الإسلامية‌:‏

-هذه الثورة ثورة مبدئية بكل معنى الكلمة. فهي ثورة التوحيد على الشرك. فهي تفك ارتباط‌ الإنسان المسلم عن الطاغوت المتمثّل في الاستكبار الشرقي والغربي وعملائهما في المنطقة. وتفك ارتباطه بمحاور الولاءات المصطنعة (القوميّة - الوطنيّة - العشائريّة الحزبيّة...) وربط ولائه بالله وحده، وبرسوله واوليائه‌.‏

ومن هنا فإنّها كانت ثورة العبوديّة لله على عبودية الطاغوت، وثورة الإسلام على الجاهليّة.‏

إن‌ السمة البارزة والاُولى لهذه الثورة هي «الربّانيّة»، وهذه‌ السمة هي التي تربطها ببدر وعاشوراء، وبحركة الانبياء، وبمسار الصالحين من اولياء الله.‏

إن هذه الثورة تختلف اختلافاً جوهرياً عن كل الثورات‌ المعاصرة لنا، كالثورة الفرنسية والثورة الشيوعية، والثورات التي قامت في القارة الافريقية وفي آسيا فيما بعد الحرب العالمية الثانية إلى اليوم الحاضر.‏

حيث إن‌ هذه الثورات، كانت ذات صفة طبقيّة (ثورة طبقة على طبقة) او صفة تحررية (التحرر من نفوذ وسيطرة الاستعمار الاجنبي او التحرر من سيطرة حاكم ظالم). ولا نستطيع ان نستثني ثورة معاصرة عن هذه المنطلقات. واما الثورة الإسلامية فهي الثورة الوحيدة التي انطلقت من منطلق آخر يختلف اختلافاً نوعيّاً عنها جميعاً؛ فانطلقت باتجاه تحرير الإنسان من المحاور البشرية للولاء، وتعبيده لله تعالى وتحكيم شريعته في حياته.‏

- ان هذه الثورة بخصائصها البارزة وقيادتها سوف تمهّد للانقلاب الكبير في تأريخ الإنسان، ولظهور الإمام المهدي من آل محمّد عجّل الله فرجه الشريف. والذي يستقرئ الروايات الواردة عن رسول الله(ص) وعن اهل بيته(ع) يتيقن من هذا الامر:‏

«عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله(ص) أنه قال: «إنّا أهل بيت، اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّه سيلقى اهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد حتّى ترتفع رايات سود في المشرق، فيسألون الحق‌ فلا يعطونه، ثم يسألونه فلا يعطونه، ثم يسألونه فلا يعطونه فيُقاتلون فيُنصرون، فمن ادركها منكم فليأتها ولو حبواً على الثلج، فإنها رايات هدى‌ يدفعونها إلى رجل من اهل بيتي يواطئ إسمه إسمي فيملك الارض فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً».‏

وروي في البحار عن بعض اصحاب الأئمة قال: كنت‌ عند ابي عبدالله(ع) جالساً إذ قرأ هذه الاية "فإذا جاء وعد اُولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا اُولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً" فقلنا: جُعلنا فداك! مَن هؤلاء؟ فقال ثلاث مرّات: هم والله اهل قم، هم والله اهل قم، هم والله اهل قم.‏

وعن ابي الحسن الرضا(ع)أنه قال: «رجل من اهل قم يدعو الناس إلى الحق يجتمع معه قوم كزبر الحديد لا تزلّهم الرياح العواصف، ولا يملّون من الحرب ولا يجبنون، وعلى الله يتوكّلون، والعاقبة للمتّقين».‏

وروي عن الإمام الصادق(ع): «وسيأتي زمان تكون بلدة قم واهلها حُجّة على اهل الخلائق وذلك في زمان غيبة قائمنا إلى ظهوره، ولولا ذلك لساخت الارض بأهلها».‏

الانتقاد/ملف/ العدد 1148 ـ 10 شباط/ فبراير 2006‏

2006-10-30