ارشيف من : 2005-2008

الصراع بين الإيمان والشرك من "بدر" الى "كربلاء"

الصراع بين الإيمان والشرك من "بدر" الى "كربلاء"

مع إطلالة أيام "عاشوراء"، أيام الحزن المتجدد عاماً بعد عام، نستحضر الماضي في محاولة لرصد بعض الأسباب التي أدت إلى ما جرى في يوم العاشر من المحرم من العام الحادي والستين للهجرة، على أهل بيت النبوة، مع عدد من الأصحاب، في أرض كربلاء، حيث قلَّ الناصر والمعين، فسُفكت دماء الأطهار في ذلك الشهر الحرام.‏

وتتعدد الأسباب والدوافع التي أدت إلى حصول هذه المواجهة، من قطبيها معاً، وتأتي إرهاصات معركة بدر التي انتصر فيها المسلمون، بقيادة رسول الله (ص)، على المشركين، الذين كان أبو سفيان من أبرز قادتهم، في المواجهة الأولى بينهما، لتؤسس لهذا الصراع الذي استمرت فصوله فيما بعد، حيث ظل مرجل الحقد يغلي في قلب أبي سفيان الذي رد خسارة المعركة في بدر الى عدم توليه زمام لوائها، ثم قاد بعد بدر لواء الشرك في غزوات أحد والسويق والأحزاب، وظل رأس حربة للشرك إلى يوم فتح مكة، حيث أعلن إسلامه الظاهر مكرهاً، وأبطن في نفسه الكفر، الذي جاهر به في محطات عديدة، منها قوله في مجلس بعد أن تولى عثمان الخلافة: "تلقفوها يا بني أمية تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان لا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل".‏

بعد المواجهة الأولى التي جرت في بدر بين الشرك والإيمان، والمعارك والغزوات التي أعقبتها، انتقلت هذه المواجهة في مرحلتها الثانية إلى حاملي النهجين، معاوية بن أبي سفيان، حامل نهج أبيه، وعلي بن أبي طالب حامل نهج رسول الله، مع اختلاف طرأ على حامل النهج الأول، وهو ادعاؤه الإيمان، مع مخالفة ذلك بالسلوك الفعلي، والشواهد على ذلك كثيرة. وخاض الإمام علي (ع) مواجهة قاسية مع معاوية بن أبي سفيان، في معركة صفين، وكان قاب قوسين أو أدنى من الانتصار فيها عليه لولا رفع المصاحف، والدعوة إلى التحكيم.‏

ووصل الأمر في هذه المواجهة إلى الإمام الحسن (ع) مع معاوية بعد استشهاد الإمام علي (ع)، حيث كان الصلح الشهير بينهما الذي أملاه انتفاء المقوِّمات الضرورية لمواجهة هذا الطاغية، إلا أن معاوية سرعان ما تنصل من هذا الصلح، وأعلن أن ما أعطاه للإمام الحسن (ع) من وعود تم على أساسها الصلح، إنما هو تحت قدميه، متحللاً بذلك من بنود الصلح، التي كان أحد بنودها تسلم الإمام الحسن للخلافة من بعد معاوية، وفي حال لم يكن الحسن حياً يتسلمها الإمام الحسين (ع). وما كان تنصل معاوية من هذا الصلح إلا ليعقد لواء الخلافة لابنه يزيد.‏

من هذا الاستقراء السريع لمجريات الأحداث في محطاتها المتتالية، نصل إلى يوم كربلاء الذي سار إليه الإمام الحسين (ع) بملء إرادته، وبرغم محاولات ثنيه عن عزمه، إلا أنه كان مصمماً على تكليفه الإلهي بمواجهة الظلم ومقارعته، مع عدد من أهل بيته وأصحابه، وما قوله "شاء الله أن يراني قتيلاً ويراهن سبايا"، إلا لعلمه المسبق بمآل الأمور في هذه المواجهة.‏

وفي هذا السياق يبرز الرابط بين معركتي بدر وكربلاء، فالأولى التي هُزم فيها الشرك هزيمة نكراء، وعلى رأسه أبو سفيان، تحيَّن سليل المهزوم فيها، يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الفرصة للثأر لهزيمة جده ـ وهو ثأر للشرك من الإيمان ـ من حفيد رسول الله، وليس أدل على ذلك من إفصاح يزيد عن ذلك، من خلال الشعر المعبِّر عن هذا الأمر، أمام رأس الإمام الحسين الموضوع أمامه، وقوله:‏

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا‏

جزعَ الخزرج من وقْعِ الأسل‏

لهلُّوا واستهلوا فَرَحاً‏

وقالوا يا يزيد لا تُشل‏

قد قتلنا القرم من ساداتهم‏

وعدلناه ببدر فاعتدل‏

لعبت هاشم بالمُلك فلا‏

خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل‏

وهنا برزت أهداف يزيد الثأرية، التي لخصها في عرضه لجزع الخزرج المزعوم، وهم الأنصار الذين قاتلوا مع رسول الله في معركة بدر، من وقع رماح جيشه عليهم، في كربلاء، وأن من قُتل في كربلاء من أهل البيت والأصحاب، عَدَلَ من قُتل في بدر من المشركين، مع تبنيه لمقولة جده أبي سفيان بأن لا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل.‏

إن إنكار نزول الوحي على رسول الله، الذي أسس له أبو سفيان، وردَّده حفيده يزيد شعراً، قد وأده حفيد رسول الله الإمام الحسين (ع) بدمه ودماء أهل بيته وأصحابه، يوم العاشر من المحرم في كربلاء، وما قول "أشهد أن محمداً رسول الله" الذي ما زال يُصدح به عند كل أذان إلا خير دليل على ذلك.‏

عدنان حمّود‏

الانتقاد/مقالات ـ العدد 1147 ـ 3 شباط / فبراير 2006‏

2006-10-30