ارشيف من : 2005-2008

لماذا خرج الإمام الحسين على حكم يزيد؟

لماذا خرج الإمام الحسين على حكم يزيد؟

ألم يكن يزيد أميراً للمؤمنين وخليفة للمسلمين؟ هل أراد الإمام أن يفرق جماعة المسلمين ويخرج على إمامها، أم كان يهوى المعارضة فقط، أم كانت لديه الرغبة في إثارة القلاقل والفتن والاضطرابات في الدولة آنذاك؟ إن معاوية بن أبي سفيان لم يوف بشروط صلحه مع الإمام الحسن عليه السلام، ونقض عهوده معه، وأخذ البيعة لابنه يزيد بقوة السيف، وأرغم المسلمين على هذه البيعة، وجعل الحكم وراثياً دون أن يعتمد في ذلك على دليل من كتاب الله وسنة رسوله(ص) فابتدع شيئاً جديداً في الإسلام لم يقل به أحد من قبل، وانحرف بذلك عن خط الاسلام الأصيل، فبيعة يزيد لم تكن بيعة شرعية، بل كان مغتصباً للخلافة متعدياً على حرمات الله تعالى ثم من هو يزيد هذا؟ وما هي مؤهلاته التي تجعله خليفة للمسلمين وحاكماً يجلس مكان رسول الله (ص) ويتولى أمر أمة الاسلام. لقد كان يزيد لا يردعه رادع من دين عن نيل ما يشتهيه، وكان شارباً للخمر تاركاً للصلاة يضرب بالطنابير ويزف عنده القيان ويلعب بالكلاب، وكان مستهتراً بتعاليم الاسلام يحل الحرام ويحرم الحلال. فهل يصلح مثل هذا ان يكون خليفة للمسلمين وأميراً للمؤمنين؟ حتى الذين قالوا ان الخلافة بالشورى هل توافرت في يزيد شروط الخلافة عندهم؟ إنه لم يكن يصلح لتولي أمر المسلمين بكل المقاييس، وكيف يحافظ على الدين ويدافع عنه وهو له مضيع وبتعاليمه مستهتر؟ هل يوافق الإمام الحسين على مثل هذا الحاكم ويقبل أن يبايعه خليفة للمسلمين وولياً لأمرهم؟ هل يسكت كما سكت غيره ويلوذ بالصمت؟ واذا سكت فمن غيره يتصدى للانحراف والظلم والجور والفساد؟ إنه لا يستطيع أن يسكت ولا يمكنه ذلك حيث انه إمام للمسلمين، لقد كان يري في يزيد كل مواصفات السلطان الجائر الذي تحدث عنه الرسول (ص) في الحديث الذي رواه الإمام الحسين نفسه حيث قال "من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير بقول ولا فعل كان حقاً على الله ان يدخله مدخله"، فهل يقبل الإمام ان يدخله الله تعالى مدخل يزيد يوم القيامة بينما هو سيد شباب أهل الجنة؟ فكان لا بد أن يغير بالقول والعمل لأنه كان يرى في ولاية يزيد لأمر الأمة ضياعاً للإسلام، وكان يقول "وعلى الاسلام السلام اذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد"، ولهذا رفض بيعة يزيد وأعلنها مدوية "إن مثلي لا يبايع يزيد"، لقد أراد ألا يجعلها مسألة شخصية حيث أراد أن يضعها في الإطار العام ويعلم الأجيال على مدى التاريخ أن من يقتدي بالحسين لا يمكن أبداً أن يبايع أمثال يزيد من الحكام الجائرين الذين سيوجدون على مرّ العصور، وحينما قال له عبد الله بن عمر "اتق الله ولا تفرق جماعة المسلمين"، قال له الإمام "والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية أبداً". فأراد الإمام بذلك أن يحسم الموقف من بيعة الحكام الجائرين على مدى التاريخ، ولم يكتف الإمام برفض البيعة فقط، وإنما أراد أن يغير فكان هذا الخروج من أجل التغيير والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإيقاف مسيرة الانحراف الخطيرة التي لحقت بالاسلام، وهذا ما أوضحه الإمام الحسين في كلماته التي بين فيها بواعثه ودوافعه لهذا الخروج حيث قال "انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن ابي طالب"، انه يريد العودة بالاسلام الى مساره الصحيح الذي كان عليه رسول الله (ص) وعلي بن ابي طالب (ع)، انه أراد أن يلقي عن كاهل الاسلام كل هذا التبديل والتغيير والانحراف الذي أصابه. لو لم يخرج الإمام الحسين لأضفيت الشرعية على حكم يزيد وأمثاله الى يوم القيامة، ولما استطاع أحد بعد ذلك أن يصحح مسيرة الاسلام ويوقف الانحراف، ولمحق هذا الدين وحل محله دين آخر محرف مغاير للدين الذي أنزله الله على رسوله محمد (ص). فلقد كان خروج الحسين (ع) دفاعاً عن الاسلام المحمدي الأصيل وفداءً له وتضحية من أجله ليبقى هذا الدين خالداً الى يوم القيامة، ولنعرف حقيقة قول الرسول (ص): "وأنا من حسين"، حيث ان استمرار رسالته ستكون من خلال مواقف الإمام الحسين(ع).‏

وأرسل أهل العراق اليه يطلبون مبايعته إماماً لهم لأنهم لا يرضون بيزيد إماماً، وأرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل الى العراق ليأخذ له البيعة من أهلها ويستوثق منهم.‏

وقرر الإمام الخروج ولكنه اختار للخروج توقيتاً غريباً. انه يوم التروية حيث يخرج المسلمون الى منى محرمين بالحج، وإذ بأبي عبد الله الحسين (ع) يحل إحرامه بالحج ويجعله عمرة، ويقرر الخروج الى العراق، هكذا فعل الحسين وهو الذي حج ماشياً على قدميه خمساً وعشرين مرة. فلماذا هذه المرة لم يذهب للحج وهو موجود في الحرم، واليوم يوم التروية؟ هل كان يعلم أن جلاوزة يزيد يتبعونه ويريدون اغتياله في الحرم فقرر الخروج حتى لا تنتهك حرمة البلد الأمين بسببه وحرصاً منه على حرمة البلد الحرام، أم أن الإمام(ع) أراد أن يعلمنا أن الخروج لنصرة الاسلام ومقاومة الجور والانحراف والفساد لا يقل أهمية عن الخروج للحج، وأن الخروج للشهادة ربما يفوق خروج الآخرين للحج خاصة حينما يرى الناس في الحج مجرد شعائر لا أثر لها في حياة المجتمع. إن الشعائر الاسلامية لا قيمة لها اذا لم تثمر عملاً ايجابياً في المجتمع، واذا لم يكن لها دور في الاصلاح ومواجهة الانحراف، واذا لم يصحبها أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، واذا لم يعقبها تمسك بالحق واستعداد للتضحية من أجله، فمثلاً هل يريد الله تعالى منا حينما يأمرنا بالصلاة ان نؤدي حركات الصلاة من قيام وركوع وسجود وقراءة وذكر مجردة لا أثر لها ولا ثمرة، كلا، ان الله تعالى يريد منا أن نقيم الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر "ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"، فإذا اقتصرت الصلاة على الحركات فقط صارت ميتة لا روح فيها، ولم يكن لها دور في الحياة وفي المجتمع، ولم يكن لها أثر في محاربة الفساد والمنكر، كذلك سائر العبادات ومنها الحج، ان لم يكن له أثر في المجتمع، وان لم يكن فيه تعظيم لله تعالى واستصغار لكل ما دون الله تعالى، وان لم يكن فيه تعلق بالله العظيم والفناء فيه، وإن لم يكن فيه الاستعداد للتضحية بكل ما هو غال من أجل الله تعالى ومن أجل دين الله تعالى، وإن لم يكن فيه تحطيم لكل الشياطين والأصنام المعبودة والموجودة في حياتنا، ان لم يكن فيه كل هذه المعاني صار أقرب ما يكون الى رحلة سياحية. أم أن الإمام اراد ان ينتشر خبر خروجه الى العراق في كل البلدان والأمصار بعد أن يرجع الحجيج الى بلادهم بهذا الخبر فيسأل الناس عن أخبار هذا الخروج ويهتمون بمعرفة مصيره ونتائجه، ما يساعد في التغطية الاعلامية لأحداث كربلاء.‏

ان الحج الحقيق الحج الابراهيمي المحمدي هو الذي يجعل المسلم يتحرك ويعمل ويضحي من أجل دين الله تعالى ولا يخاف الا الله، ولا يعظم الا الله تعالى، وما طلب منه ان يعظمه "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب".‏

د. نبيل عبد الحميد دحية‏

الانتقاد/العدد 1146 ـ 27/1/2006‏

2006-10-30