ارشيف من : 2005-2008

تطور مسارات العلوم والمعارف في الجمهورية الاسلامية الايرانية:يوم فكري في المستشارية الثقافية الايرانية لمناسبة ذكرى الانتصار

تطور مسارات العلوم والمعارف في الجمهورية الاسلامية الايرانية:يوم فكري في المستشارية الثقافية الايرانية لمناسبة ذكرى الانتصار

لمناسبة الذكرى السابعة والعشرين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران نظمت المستشارية الثقافية للجمهورية الاسلامية الايرانية في لبنان يوماً فكرياً بعنوان "تطوّر مسارات العلوم والمعارف في الجمهورية الاسلامية الايرانية"، بمشاركة نخبة من المفكرين والخبراء الايرانيين، وبحضور حشد من الشخصيات الفكرية والثقافية اللبنانية، وذلك في قاعة المحاضرات في المستشارية الثقافية في بيروت.‏

بعد تلاوة من القرآن الكريم، تحدث المستشار الثقافي للجمهورية الاسلامية الايرانية في لبنان الشيخ نجف علي ميرزائي فاعتبر أن هذه الندوة تشكل فرصة للمطارحات الفكرية، التي تكوّن مجموعة من المناقشات التي نحتاجها، في عصر التواصل والانفتاح الثقافي، وفي عصر التحديات الكبرى.‏

وشدد الشيخ ميرزائي على ضرورة العمل في المستويات الثقافية والفكرية المتنوعة، بما يؤسس لبحث عميق حول مسرى أي تطور تشهده الحضارات والثقافات. وتناول الشيخ ميرزائي نهضة مسارات العلوم والمعارف في ايران قائلاً انها: "نجمت عن جهد كبير، قام به على مدى عقدين ونصف العقد من الزمن مفكرون وباحثون، وقد أسس هذا الجهد لأوضاع مزدهرة علمياً ومعرفياً، بالانطلاق من الثقافة الاسلامية الأصيلة".‏

وأضاف المستشار الثقافي الشيخ ميرزائي ان المتابع للتجربة الفكرية والثقافية في إيران لا يمكنه إغفال عمق التأثير الذي تركته الثورة الاسلامية في دائرة التحدي الكياني والمؤسسي في حركة الفكر والثقافة وبناء الدولة القادرة على مواجهة كل التحديات. ثم كانت كلمة لرئيس الجلسة الشيخ شفيق جرادي، مدير معهد المعارف الحكمية، حيث اعتبر أن المهتمين بحركات التحديث والتجديد الفكري في عالمنا العربي والاسلامي، لطالما ذهبوا إلى اعتبارها، ردة فعل طبيعية جاءت نتيجة الدور الكبير للثورة العلمية والفكرية، كما وثورة الاتصالات وأنظمة الحكم والسياسة في الغرب، ما شكل صدمة حضارية لأنظمة ونخب وشعوب العالم الاسلامي تفاوتت ارتداداتها بين الانطواء على الذات لحفظ الوجود والهوية، وتوفيقية انتهجت لحماية الكيان مسألة الفكر الوافد... واجتهادية. إما أغرقت عن وعي أو دون وعي بالاستتباع للنموذج الغربي، وإما عملت على اعادة مقاربة الذات والواقع باختيارات نقدية".‏

وأضاف الشيخ جرادي "وإننا وإن كنا نعتقد بحجم تأثير العامل أو العوامل الخارجية على مسارات الفكر والعقلية الاسلامية، الا أن هناك أمرين لا يمكن لنا اغفالهما:‏

الأمر الأول: ان للتاريخ روحاً تصاعدية تتجه نحو فتح آفاق الانسان على صيغ شبه موحدة في المقاربات ومنطق المعالجة، ما حفّز البعض للقول ان لكل ظرف من الدهر حضارته الخاصة.. ووجود الحضارة الواحدة لعصر ما لا يعني نفي تعدد وجوه الثقافات وتعابير القيم، فالحضارة روح مسار جبري قاهر يقتحم كل تنوع ليحفظ خصوصيته متجاوزاً إياها نحو عالمية أو عولمة جامحة. وإننا وبغض النظر عن دقة مثل هذه التحليلات فالقدر الذي يلزمنا منها ان لكل عصر من العصور تأثيراته التي لا يراعيها الا اولئك الذين يضعون انفسهم خارج الحياة وخارج التاريخ… والتطور والتجدد هو نفسه سنة الله في هذه الحياة.. لذا فليس الاختلاف على أصله بل على نوعيته وشكل التعبير عنه...‏

الأمر الثاني: تطورات البيئة المجتمعة والحياة السياسية الناظمة لشعب من الشعوب، وما يترك ذلك من آثار عميقة في نحت صورة التجدد والتحديث الفكري والثقافي في مناخ من المناخات الانسانية".‏

وبعد ذلك، تحدث الباحث الايراني الدكتور محمد رضا وصفي، مدير عام المؤسسات الثقافية في وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي، عن التطورات الفكرية وأنماط السلوك السياسي في ايران ـ الثورة الاسلامية والتجديد الثقافي، فقال: "لا شك في ان النص الديني، وهو ما يُعبّر عنه بالكتاب والسنّة، يحتل أعلى درجات القداسة والسمو في المجتمعات الاسلامية الملتزمة بالعقيدة والدين. وهذا النص المقدّس انما هو المدخل الأساس لفهم النظم الاجتماعية والقانونية والأطر الثقافية التي يقوم عليها وفيها أي مجتمع ديني، الذي يعتمد ذلك النص أساساً أو منطلقاً لجميع هذه النظم". وأضاف وصفي: "وفيما يختص بالمجتمع الايراني والثورة الاسلامية كمشروع احيائي ـ اصلاحي ـ ثوري مبني على الأصول، التي بزغ فجرها قبل عام 1979، فيمكن القول انه مجتمع قائم على علاقة متداخلة جداً بين النص المقدّس والواقع المُعاش. وهذا الواقع المُعاش لا ينفصل بالطبع عن عوامل الحداثة وأوجهها. لذلك فإن عملية البحث المعرفي عند المفكرين الايرانيين وكذلك علاقتها بالنص، لا بد ان تبدأ من المبدأ الذي يقوم على تأكيد وتثبيت المكانة الراقية السامية التي يحتلها النص في فكرهم، وأيضاً اهمية الحضارة والذاكرة التاريخية لهذا البلد".‏

وحول المرحلة التجديدية أو ما بعد الثورة، قال وصفي: "ليس سهلاً الحديث عن تقسيم الفكر بين محافظ واصلاحي، خاصة اذا كان الأمر يتعلق بنمط فكري يصدر عن أبعاد عقائدية وتحديداً اسلامية. وسبب ذلك هو ما يعتري هذين النمطين الفكريين ـ المحافظ والاصلاحي ـ من تداخل واندماج لجهة اتحادهما في النص الواحد ومبادئ المدرسة الفكرية للإمام الخميني الذي يقوم عليه فكرهما عموماً، قبل أن يكونا متفاوتين في كيفية القراءة والاستنتاج.‏

وشدد الدكتور وصفي على أنه في الفقه السياسي، اذ نرى أن غالبية المجتمع الاسلامي الأول اتخذ وتقبّل مبدأي البيعة بولاية الخليفة المتجسد في الدستور والشورى لإدارة شؤونه، مع العلم أن هذين الأمرين كانا من تقاليد العرب في العصور التي سبقت الاسلام. وبالرغم من ذلك، فلم ير المسلمون الأوائل حرجاً في الأخذ بها طالما كان في ذلك نفع يُرتجى، فلو كان قبول العرف السياسي مقبولاً آنذاك فما المانع من تطبيق ذلك حالياً اذا كان فيه منافع مثل المحافظة على حقوق الانسان وتثبيت العدالة الاجتماعية وتجنيب المجتمعات ظاهرة استبداد الفرد بمصير الجمع. فمثلاً لو كان في النظام البرلماني الديمقراطي كل تلك المنافع، التي هي أولاً وآخراً من أهداف كل دين، فما المانع من ان تتبناها المجتمعات الاسلامية على أنها أعراف سياسية تؤدي في نهاية المطاف الى الغاية التي يصبو اليها الدين والشرع. وحسب هذه النظرية، فالوظيفة الأولى للكتاب والسنة ـ او اذا شئت فقل للنص المقدس ـ هي نشر الرحمة والعدالة بين البشر قبل أن تكون القوانين لأجل فرض القوانين ليس الا".‏

من جهته قدّم حسن عبدي بور، محاضرة حول الحوزة العلمية في قم والنهضة المعلوماتية، شرح خلالها آليات عمل المراكز العلمية والتعليمية والتطور في مجال المعلوماتية عارضاً للتوظيف الاستثماري والمالي لتجهيز المؤسسات على القواعد الثقافة الرقمية والمعلوماتية في الحوزات. أشار عبدي أيضاً الى وجود أكثر من 60 مركزا حوزويا خصّصت للإجابة عن الأسئلة التي تصل من مختلف الطبقات من الناس، والاستعانة بأحدث التقنيات المعلوماتية للتجاوب لمطالبهم. ولحد الآن أنشئت المئات من الأقراص الليزرية التي تتضمن هذه الأسئلة والأجوبة، وفضلاً عن انشاء إرشيف المعلومات ـ العشرات من البرامج على الحاسوب في مجال العلوم القرآنية ـ حديث ورجال فقه ـ فلسفة وتاريخ لتسهيل عمل البحث للمحققين. واطلاق المئات من المواقع على شبكة الانترنت بلغات عدة، في شتى حقول العلم والمعرفة.‏

ثم كانت مداخلة للدكتور نجف لك زائي رئيس مركز البحوث العلمية والفكر السياسي في المعهد العالي للعلوم والثقافة الاسلامية تحت عنوان "الثورة الاسلامية والفكر السياسي: التحولات التعليمية والبحثية في الحوزة العلمية في قم"، فاعتبر لك زائي ان الثورة الاسلامية في ايران التي كانت قائمة على الفكر السياسي الاسلامي كانت ايضاً اداة تفعيل للفكر السياسي الاسلامي "الثورة الاسلامية" كحركة سياسية منبثقة من أركان الفكر السياسي المبني على محاربة الاستبداد والاستعمار، والعمل قدر الامكان بالتكليف الالهي وذلك بناءً على نظرية ولاية الفقيه. على هذا الأساس كانت الجمهورية الاسلامية الايرانية كنتيجة للثورة نظاماً مبنياً من جهة على رضى الله تعالى، ولذلك عملت على تحقيق العدالة ومحاربة الظلم، ومن جهة أخرى كانت مرتبطة برضى الشعب وتحقيق الحرية للناس. وهو ما يعبّر عنه بالديمقراطية الاسلامية. ان التأكيد على لزوم الاهتمام بأطر مسلّمات الدين الاسلامي يجعل الحرية المتصفة بالأخلاق والمعنويات تتثبت وتستقر في المجتمع الانساني.‏

وفي الجلسة الاولى قدم عدد من الباحثين اللبنانيين مداخلات فاعتبر الدكتور انور أبو طه انه لا بد من تحديد العلاقة الواضحة بين المفكرين والاصلاحيين والمحافظين في ايران. اما الدكتور حسين رحال فتناول أهمية التطور الذي يجب ان يتم بخلفية دينية، في حين اشار الدكتور رضوان السيد الى ان المعرفة في تطور ذاتي، ولا داعٍ لدراسة التاريخ المعرفي، وكذلك قدم الدكتور سمير سليمان مداخلة اشار فيها الى ان مسألة التغيير اساسية، ولكن السؤال هو كيف نحدث ونوجد هذا التغيير.‏

اما الجلسة الثانية من يوم العمل الفكري فأدارها الدكتور طلال عتريسي في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، فأشار الى التحولات التي شهدتها ايران في العقود الأخيرة بعد انتصار الثورة، والمخاض الذي شهدته وأوصل الى صيغة مزجت بين جمهورية واسلامية، بين ولاية الفقيه ونظام سياسي ومجلس النواب وحكومة ودولة.‏

قدم بعدها الشيخ الدكتور محمد تقي سبحاني رئيس المعهد العالي للعلوم والثقافة الاسلامية محاضرة بعنوان: الثورة الاسلامية وتيارات ثلاثة: نظريات في الفكر الاسلامي" واعتبرها انه ترتبت على الثورة الاسلامية في ايران نتائج وآثار سياسية واجتماعية وثقافية عديدة على الصعيدين الوطني والعالمي، وهذه الآثار لم تدرس في جميع جوانبها حتى الآن. ومن الآثار التي لم تعط حقها من البحث والدراسة هو تأثير الثورة الاسلامية على ظهور التيارات الفكرية أو تطورها في ميدان الفكر الاسلامي.‏

بعد ذلك تعرض الشيخ سبحاني في محاضرته لتيارات ثلاثة هي:‏

1 - التيار التقليدي (السلفي).‏

2 - التيار التجددي.‏

3 - التيار التمددي.‏

بعدها عقّب المستشار الشيخ ميرزائي على كل المداخلات معتبراً أن هذا النشاط الفكري هو لبنة يمكن ان تسهم في انتاج التواصل في الفكر والثقافة، وان تجاوز مشكلة الترجمة الحقيقية لمتون الفكر الاسلامي الايراني من شأن ذلك ان يعمق التواصل والترابط، شاكراً للحضور مساهماتهم العلمية في اليوم الفكري، وبعد ذلك أقام المستشار الثقافي مأدبة غداء على شرف المدعوين.‏

الانتقاد/ فكر ـ العدد 1147 ـ 3 شباط/ فبراير 2006‏

2006-10-30