أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018
ارشيف من : 2005-2008
كتاب الطفل: صياغة الشخصية وتنمية الذكاء
يُذكر الكتاب فيتراءى لنا تلميذ ومدرسة وأستاذ وكتاب يربط هؤلاء بسلسلة العلم والتعلّم، فهل هذا هو ما يعنيه الكتاب فقط بالنسبة الى الطفل؟ وهل يُقدَّم الكتاب للطفل كما يجب؟ وما هي حال كتب الأطفال في المجتمع العربي ككل؟
الكتاب هو خير جليس وخير أنيس، ولسنا ندري إلى أي مدى ما زال الأشخاص يتعاطون معه وسط زحمة استعمال الكمبيوتر والإنترنت.. على أن الجلوس أمام الإنترنت وتصفّح معلوماته بات للكبار كما للصغار، لا سيما مع وجود المواقع المتخصّصة بالأطفال، بالقصة وأدب الأطفال.. هذه المواقع التي تستهويهم وتشدّهم إلى هذا العالم المتطوّر، ولكن مع كل ذلك لا شيء يعوّض عن أنس الكتاب وروعة قراءته، ويبقى علينا أن نزرع هذه المحبّة في قلوب الصغار في مختلف أعمارهم، وأن ننمي علاقتهم بالكتاب.
في السابق كان كتاب الطفل يُقدّم كأي كتاب آخر من حيث شكله وأسلوبه في التعاطي المباشر والواعظ في أغلب الأحيان من دون مراعاة حاجات الطفل، هذه الحاجات التي تختلف من سن لأخرى، وأحياناً من طفل لآخر، وفقاً للمرحلة العمرية ودرجة الذكاء التي تُميّز كل طفل عن غيره. فالكتاب الذي يُتوجّه به إلى ابن ثلاث سنوات يختلف عمّا يُتوجّه به لابن ست سنوات، وهكذا كلما تقدّم الطفل في العمر تبدّلت طريقة التعاطي مع كتابه بما يتناسب وعمره، وكذلك مع نسبة ذكائه ومدى قدرة الاستيعاب عند كل طفل.. على أن يبقى كل ذلك بشكل ومضمون متخصّص بالأطفال.
تبدّلت الحال اليوم نوعاً ما في طريقة إعداد كتاب الطفل لتأخذ بعين الاعتبار احتياجاته، وفي ذلك يعتبر الكاتب "يعقوب الشاروني" وهو يزور معارض عالمية خاصة بالأطفال: "أن مستوى الكتاب العربي الذي يتعلّق بالطفل أصبح جيداً نسبة لما هو متوافر في العالم، لكنه يصدر بأعداد قليلة عما هو مطلوب ليلبي حاجات 300 مليون شخص ينطقون بالعربية".
برغم أنه من الملاحظ ازدياد الإقبال على شراء كتب الأطفال أكثر من السابق، ولا سيما أن الاهتمام بشكل الكتاب وكونه موجّهاً للطفل قد ازداد أيضاً، أصبحنا نرى كتباً من مختلف الأنواع والأحجام والخامات.. فإضافة إلى التفنن بالرسوم والألوان هناك كتب تحتوي صوراً مجسّمة، وأخرى تغنّي وغيرها يخبّئ رائحة الوردة أو التفاحة تحت الصورة، إضافة إلى كثير من طرائق الإخراج المختلفة في ما يخص هذه الكتب، بحيث تجعل الكتاب مثل لعبة محبّبة لدى الطفل.
إلاّ أن هذا لا يعني أن كل كتب الأطفال أصبحت جيدة، فهناك بعض الكتب التي لا توازن بين النص والرسم والإخراج والطباعة، ولا سيما أن إعطاء هذه الأمور حقّها يجعل الكتاب مكلفاً جداً. وبما أن بيعه لا يرد هذه الكلفة، يجعل معدّي هذه الكتب يترددون في إعطائها حقها الكامل. أما في البلدان الأجنبية فلا يصدر كتاب خاص بالطفل قبل المرور به على متخصص في أدب الأطفال، وربما مثل هذه الأمور تصبح ملقاة على عاتق الدولة التي عليها واجب المساهمة في إصدار الكتاب الجيد للطفل.
ومن أجل إيجاد هذا الكتاب الجيد يعتبر عطية الزهيري أنّه "لا بد من الاستفادة من التقنيات الحديثة، كالاستعانة بتقنيّات الكمبيوتر وبرامجه المتطوّرة، الأخذ من الأفكار العالمية وتطويعها بما يتناسب مع الذوق العربي، والعمل على تحسين وضع الكتاب لنجعله محبّباً إلى الطفل، فيستفيد منه أطول فترة ممكنة".
وينصح المختصّون في عالم تربية الطفل برواية القصص للأولاد حتى قبل سن القراءة، أي من عمر سنة إلى ثماني سنوات، وهي المرحلة العمرية الأكثر أهمية في حياة الطفل من حيث بناء اللغة، سواء كانت هذه القصة شفوية أم مكتوبة، لكن يفضّل التركيز على القصص المكتوبة لأنها تربط الطفل بالكتاب. وبما أن الطفل يتلذذ بالقصة وصورها، فإن هذا الأمر سيوثّق علاقته بالكتاب، ومن هنا لا بد من إغناء مكتبة الطفل بهذا النوع من الكتب الغنيّة بالإبداع الفني كي تجعله يرتبط بكتب الدراسة فيما بعد.
وللاستفادة من الأفكار العالمية والقصص الشعبية العالمية يرى الكثير من الكتاب فائدة بترجمتها من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، والبعض منهم يذهب إلى حد التغيير في بعض الأحداث ليجعلها تتناسب مع أطفال اليوم ومستواهم الفكري، وهذا ما فعله الدكتور "عبد الوهاب المسيري"، وهو كاتب مصري له كتابات فلسفية، لكنه أيضاً أعد كتابات للأطفال لقصص كانت معروفة، لكنه أحدث فيها بعض التغييرات.
إن هذا النوع من الكتب يقدّم المتعة للطفل ويشدّه إلى عالم القراءة، فيوثّق علاقته بالكتاب.. ويبقى على الأهل والمشرف التربوي لهذا الطفل اختيار الكتاب الذي يتلاءم معه، لا سيما أن هذه القراءة تلعب دوراً كبيراً في صياغة شخصية الطفل وتساعده في تبني القيم والمفاهيم والوجدان، كما أنها تساعده في تنمية لغته وإغناء قاموسه وتطوير ذكائه، فيكون لهذا الاختيار أهمية كبرى يجب أن لا نغفل عنها.
ماجدة ريا
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1150 ـ 24 شباط/فبراير2006