ارشيف من : 2005-2008
مهرجان الفجر السينمائي في طهران:تظاهرة فنية عالمية ولمسات إنسانية نادرة
أميمة عليق ـ طهران
لم يعد مهرجان الفجر السينمائي الذي انطلق بعد انتصار الثورة الاسلامية بثلاث سنوات، اي في عام 1981 والذي أنهى أعمال دورته الرابعة والعشرين في طهران في الذكرى السنوية للانتصار، تظاهرة للاطلاع على آخر اعمال السينما وأخبارها والتأريخ للسنة السينمائية الايرانية، بل تحول الى مهرجان وطني ليجتمع فيه الاختصاصيون والناقدون والمهتمون لتقويم صناعة السينما وتطورها.
واذا ما اطلعنا على هدف المهرجان الذي كان "تقديم واختيار الأفلام الجيدة وتقويم وتشجيع الفنانين لأجل تطور الفن وصناعة السينما الإيرانية"، نجد أن المستوى الذي وصل اليه المهرجان، إن من خلال مستوى الأفلام المشاركة والتي تتراوح بين الجيد والجيد جدا، وعدد الدول المشاركة الذي تخطى الـ45 دولة (فرنسا ـ ايطاليا ـ بريطانيا ـ اسبانيا ـ اميركا ـ الصين ـ فنلندا ـ الشيشان ـ اليابان ـ كندا ـ السويد ـ المانيا ـ هولندا ـ النمسا ـ بلجيكا ـ رومانيا ـ كوريا الجنوبية ـ ايرلندا ـ استراليا ـ ارمينيا ـ سويسرا ...وغيرها) نجد انه قد تخطى الحدود الايرانية ليصبح عالميا بكل معنى الكلمة، وليصبح ذا رسالة انسانية.
ويعتبر المهرجان ظاهرة سينمائية انسانية تواجه الافلام الغربية وهوليود، التي تروج للافلام المثيرة والعنيفة بشكل عام، حيث كانت فئة الافلام المعنوية هذه السنة من الاجمل والارقى والاكثر جاذبية بين الفئات كافة التي ضمت افلاما تعالج الآمال والمخاوف الانسانية والمستقبل والقضايا المعنوية الملتزمة، وقد قسمت الافلام بالاضافة الى الافلام المعنوية الى اربع فئات: مسابقة الافلام الآسيوية، حيث برز ابداع آسيا الشرقية في الافلام الآتية من اليابان والصين وكوريا والفيليبين، مسابقة الافلام العالمية التي ضمت بعض الافلام الرائعة حول القضية الشيشانية والبوسنية، فئة الافلام الوثائقية والتي ضمت عشرات الافلام من اميركا اللاتينية، حيث تعرف الجمهور الايراني الى شخصيات وثورات تلك البلاد من خلال افلام (كاسترو ـ سفر الى تشي غيفارا ـ غابرييل غارسيا ماركيز ـ المعركة التشيلية ـ فيكتور غارا ـ هوغو شافيز...)، ومسابقة الافلام الايرانية التي تخطت الـ40 فيلما تألق فيها فيلم ابراهيم حاتمي كيا: باسم الاب، الذي اعتبره البعض الفيلم الذي اكمل الثلاثية (لامواج الميتة، الوكالة الزجاجية وباسم الاب) التي تعالج القضايا التي تعني ايران والجيل الذي عاش وشارك في الحرب المفروضة، والجيل الشاب الذي ما زال يدفع ضريبة تلك الحرب. وقد نال هذا الفيلم اكبر عدد من الجوائز (افضل فيلم ـ افضل اخراج ـ افضل قصة ـ افضل ممثل أول ـ افضل ممثلة ثانوية ـ افضل ماكياج). وابراهيم حاتمي كيا من المخرجين الملتزمين الذين يعنيهم الوضع الايراني بكل تفاصيله، وخاصة الدفاع المقدس حيث قدم عدة روائع (من نهر الكرخة الى نهر الراين، وهو فيلم حول معاناة احد الجرحى الكيميائيين ـ رائحة قميص يوسف حول اب ما زال ينتظر ابنه برغم ابلاغه بشهادته ـ واما بالنسبة لـ"الثلاثية" (كما يحب ان يسميها البعض) فقد نستطيع القول إن الشخصية فيها واحدة وهي لقائد شارك في الحرب، وقد حاول حاتمي كيا ان يعالج مشاكله التي قد يعاني منها اي من رفاقه في هذه الايام بين اناس يحاولون نسيان تضحيات امثال هذا المجاهد. وفي "باسم الاب" يواجه المهندس ناصر اصابة ابنته الشابة في انفجار لغم اثناء البحث عن الآثار (طالبة جامعية تدرس الآثار) مؤكدا ان الحرب ما زالت مستمرة خاصة حين تظهر الطائرات الحربية الاميركية في المشهد الاخير من الفيلم وهي تخرق الاجواء الايرانية فوق رؤوس الخبراء الذين ما زالوا يزيلون الألغام المتبقية من الحرب المفروضة.
ومع الحضور الاجنبي الواسع نلحظ غياب السينما العربية الا من بعض الانتاجات المشتركة مع دول غربية: فيلم الطفل النائم (انتاج بلجيكي مغربي)، فيلم: دم أخي (انتاج اميركي، عراقي) وفيلم انتظار (انتاج فرنسي، فلسطيني) وفيلم كيلومتر صفر (انتاج فرنسي، عراقي)، وغياب ملحوظ للقضايا الاساسية كالقضية الفلسطينية الا من خلال فيلمين هما "غزة، أغنية فلسطين" من انتاج ياباني، وهو قصة امرأة فلسطينية ولدت وكبرت في مخيم غزة حيث التقاليد الفلسطينية لكنها تحاول أن تكسر هذه التقاليد لتبدأ حياة جديدة ... والفيلم الآخر هو"انتظار" من إنتاج فرنسي فلسطيني، وهو قصة احمد الذي قبل في امتحان التمثيل في المسرح الوطني الفلسطيني فيتوجه مع مراسلة صحفية الى المخيمات في فلسطين ولبنان وسوريا للبحث عن المواهب الشابة... والقضية العراقية من خلال فيلمين "دم أخي" الذي يتعرض لقصة عائلة عراقية فقدت ابنها، وكذلك الى عائلة اميركية في الوضعية نفسها.... اما فيلم" كيلومتر صفر" فيرجع بنا الى سنة 1988 حيث يجبر احد العراقيين على الذهاب إلى الحرب بينما هو يسعى للهرب من العراق، لكن زوجته ترفض ترك بلادها... ومع غياب لبنان الا ان الحرب اللبنانية كانت حاضرة من خلال فيلم "زوزو" من اخراج يوسف فارس وانتاج سويدي ـ دانماركي ـ انكليزي، والذي نال جائزة افضل سيناريو عن فئة الافلام المعنوية، ويدور حول طفل كان يعيش في بيروت بعيدا عن اجواء الحرب الى ذلك اليوم الذي تقع له فاجعة تفصله عن اهله...
وبينما أشار بعض النقاد الى ان هذه السنة سيطرت الارقام والاحصاءات (اكثر من 400 فيلم طويل وقصير ووثائقي) على النوعية والكيفية اصر البعض الاخر على النظر الى النصف المليء من الزجاجة ليقول إن هذا المهرجان لا يزال من أهم النشاطات الثقافية والفنية في ايران، وفي الشرق الاوسط، ان لم نقل في آسيا وفي العالم الثالث، خاصة اذا ما لاحظنا انتظار الناس لهذا الحدث وصالات السينما المليئة والصفوف المنتظرة في الخارج برغم الامطار والثلوج وصقيع طهران الذي صادف مع المهرجان.
وكما يحمل شهر "بهمن" ذكريات الثورة يحمل كل عام المهرجانات الثقافية التي تشغل الناس والمثقفين وطلاب الفنون، وخاصة في العاصمة طهران، فبالاضافة الى مهرجان الفجر السينمائي كان للمسرح رواده ومشاركوه من كل انحاء العالم، وذلك في المهرجان الذي استمر كما السينمائي لعشرة ايام، ومهرجان الموسيقى العالمي الذي كرم هذه السنة الملحن العالمي "مجيد انتظامي"، واستضاف الفرق الموسيقية والاركسترات العالمية.
وللسنة التاسعة وعلى هامش مهرجان الفجر السينمائي اقيم سوق الافلام الذي توافد عليه 225 وكيلا من 53 بلداً و85 موزعاً ومنتجاً عالمياً، كما وجد في هذا السوق 80 موفداً من المهرجانات العالمية (كان ـ فينيز ـ تورنتو ودمشق)، هذا بالاضافة الى 124 وكيلا من 35 شركة انتاج ايرانية حيث تم تبادل وبيع الافلام الهامة المنتجة في السنة الماضية.
سنة سينمائية طويت في ايران تاركة المكان لسنة جديدة ينتظرها بشوق الشعب الايراني الذي اقل ما نستطيع ان نصفه انه من اكثر شعوب المنطقة اهتماما وتشجيعا وامتلاكا للفنون المختلفة، وخاصة السينما التي ترقى سنة بعد اخرى الى المستوى العالمي حاملة معها جاذبية الشرق وأحلامه.
الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد1151 ـ 03/03/2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018