ارشيف من : 2005-2008

لغة اللغات

لغة اللغات

ما أصفاها سماء بلادي بلا عربدة الطائرات الصهيونية في أطباقها ...‏

ما أروع نسمة هواء تهب في سكون وهدوء, لتعابث وجوه أطفال القرى المحاذية لشريط النار الذي يفصلنا عن فلسطين, وما أروعه أذان الفجر وهو يتسلل إلى فراش عجوز جنوبي فيوقظه للصلاة، ويحمله على أجنحة التسبيح إلى المسجد القريب..‏

ما أصدقه توكله على الله ذلك الفلاح الذي يتوجه إلى حقله كل صباح.‏

ما أشجعه, وأنقاه, وأطهره ذلك المقاوم المرابط على ثغور مزارع شبعا وتلال كفر شوبا...‏

هكذا كتبنا ذات يوم, وهكذا يكتب التلاميذ على مقاعد الدراسة مواضيعهم الإنشائية, متدربين على تقنيات التعبير. يبحثون عن الكلمات الوعرة في المعاجم والقواميس السميكة. يرصفون الكلمات. يوزعونها. يرشّون تلك المثقولة بحمولتها البلاغية على الجمل الإنشائية. يهندس الطلاّب المدرسيون نصوصهم. يقرّبون المقاطع من بعضها. يباعدون بينها. يلعبون بالكلام. إنها لعبة ثقافية جميلة...‏

بعضهم امتلك من الجرأة ومن الإيمان بما يكتب ما يكفي لأن يرسل إلى الصحيفة كي تنشرها في بريد القرّاء. ومن هؤلاء من حالفه الحظ فنجح في لعبة الكتابة, وتمرّس في فنونها فصار مع الأيام كاتباً يكتب في الصحافة وتنشر له المقالات, وبعضهم من صار شاعراً يلقي قصائده في الأمسيات الشعرية, وبعضهم من صار أديباً كصاحب رواية "درب الجنوب"، لكنه ظل مغموراً كمن لم يغادر مقاعد الدراسة، ليس لنقص في تقنياته الكتابية, وإنما لأنه انتشى ذات يوم بلغة المقاومة التي هي لغة اللغات.‏

حسن نعيم‏

الانتقاد/ نقطة حبر ـ العدد 1151 ـ 03/03/2006‏

2006-10-30