ارشيف من : 2005-2008

حازت جائزة اتحاد الكتاب اللبنانيين لعام 1988:"درب الجنوب" رواية عوض شعبان المنسية

حازت جائزة اتحاد الكتاب اللبنانيين لعام 1988:"درب الجنوب" رواية عوض شعبان المنسية

إذا كانت كل الدروب عندنا توصل إلى الطاحون، فهل كل الدروب تُفضي إلى الجنوب؟‏

والجنوب بهذا المعنى هل هو جهة أم فضاء ينطوي على كل الجهات؟‏

وهل بإمكان مكانٍ ما مهما اتسعت رقعته أن يختصر كل الأمكنة؟‏

لا تترك رواية "درب الجنوب" لعوض شعبان سيل الاسئلة ينحدر ويتكسر فوق صخر الأجوبة، في دوائر مغلقة تتناسل منها دوائر أكثر حلكة وإبهاماً، فعنده درب الجنوب كوني شاسع كدرب التبانة، شارع معلق في الفضاء يزدحم بالنجوم الفستقية، شذراتُ تبنه المتناثرة وراء عدائل الحصادين، تبرٌ أحالته الدماء الزكية مفتاحاً يدور في أقفال الدوائر مهما أوصدت وازداد إحكامها.‏

في روايته: "درب الجنوب" التي حازت جائزة اتحاد الكتّاب اللبنانيين عن الأدب المقاوم عام 1988 يعالج عوض شعبان معاناة المواطنين اللبنانيين منذ ما قبل الاحتلال الصهيوني لأرض الجنوب إلى زمن اندلاع المقاومة ضد هذا الاحتلال.‏

فقد كان الجنوبيون يرزحون تحت نير السلطة اللبنانية الداعمة لعسف الريجي التي تصادر محاصيل التبغ في أرض الجنوب بذريعة عدم حصول المزارعين على رخصٍ لزراعة التبغ.‏

فهذه الرخص لم تكن تمنح إلا لمحاسيب البكاوات والمتنفذين في السلطة، الذين كانوا يحصلون على رخصٍ زائدة تتسع عمّا تم تحديده لهم، الأمر الذي يضطرهم إلى مخالفة القانون الجائر، بزراعة أراضٍ أخرى، فتبعث السلطة برجالها من الدرك لمصادرة الغلال فلا يتورع هؤلاء عن نهب مواشي ودواجن المزارعين والاعتداء عليهم بالضرب والاهانة.‏

يرصد الكاتب بدايات نشوب ما عرف بالحرب الاهلية، وبدايات التدخل الاسرائيلي في منطقة الجنوب الذي انتهى إلى احتلال صريح عام 1979 وبقي جاثماً على المنطقة حتى تم طرده من قبل رجال المقاومة الاسلامية عام 2000 في مثل هذه الأيام التي نحتفل فيها ونقرأ رواية درب الجنوب في أفيائها.‏

لقد عالج الروائي عوض شعبان المرحلة التي سبقت انتصار المقاومة موظفاً تشعب فئات المقاومة في ذلك الزمن، ومن هذه الفئات المناضلون اليساريون، وإن كان معظم المقاتلين من طائفة معينة هي الطائفة الشيعية، كما لا يخفى على أحد.‏

وقد حملت ثنائية المسلم اليساري أو الشيعي الشيوعي اشكالية توقف عندها الكثير من نقاد وقرّاء أدب شعبان، إذ كيف ليساري ان يمتلئ بالإمام الحسين وبكربلاء كل هذا الامتلاء، لعل في تسمية بطل الرواية حسين علي حيدر ما يَجُبُّ السؤال، أو لعل الكاتب في هذا المنحى قد قرأ سيرة حياة زعيم الحزب الشيوعي السوداني محجوب الذي كان يؤم صلاة الجمعة بأعضاء الحزب في بلاده.‏

أو لعل الكاتب قرأ أعمال الايطالي "جوفاني غوارسكي" مؤلف سلسلة روايات "الدون كاميلو" حيث يكتشف القس كاميلو عدوه اللدود زعيم الحزب الشيوعي في المنطقة داخلاً الى الكنيسة مبكراً خفية عن أعين الآخرين، متضرعاً الى الله كي يساعده على النجاح في الانتخابات البلدية ـ التي يبدو أنها كانت حامية الوطيس كما انتخاباتنا ـ.‏

لقد وضعنا عوض شعبان في روايته المنسية "درب الجنوب" إزاء إرهاصات ولادة المقاومة الاسلامية، لقد كان قادراً على ايجاد عمارة روائية تستوعب تلك الارهاصات المنذرة بولادة عملاق كبير سيهزّ لبنان والمنطقة، ويدفع الكيان الاسرائيلي الى اعادة حساباته وأهدافه ومنطلقاته، والتعاطي مع البشر الذي يقطنون هذه البلاد على أنهم بشر لهم هوية وإرادة وعنفوان. لقد "تلمس شعبان الخيط الأول الذي حاكته المقاومة الاسلامية لجسد الجنوب، ولم يجد حتى الآن من يكمل الحياكة، ويزف مقاومتنا بما تستحق من عناية الأدب بها".‏

إننا اليوم بأمسّ الحاجة الى أكثر من رواية كي تستكمل تأريخ المقاومة أدبياً، وإضاءة ما خفي من أبعاد تلك الولادة وذلك الانتصار الذي يبدو أنه بقعة الضوء الوحيدة في تاريخنا المعاصر. طبعاً لا ننسى التجربة الفلسطينية وتضحياتها الجبّارة، لكن المقاومة الفلسطينية حظيت بكتابات أدبية رائعة ورائدة شعراً ونثراً، ويمكننا أن نذكر هنا أسماءً كبيرة من أمثال محمود درويش وغسان كنفاني ويحيى يخلف وسميح القاسم...‏

إنها وقفة استعادية لرواية منسية ولأديب منسي أيضاً هو الروائي والكاتب عوض شعبان الذي كانت له كتابات وقصص قصيرة ومساهمات هامة في صحيفة الانتقاد، انها وقفة استعادية للرواية وتحية لكاتبها.‏

حسن نعيم‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1151 ـ03/03/2006‏

2006-10-30