ارشيف من : 2005-2008
مدرسة كربلاء وأهداف الحركة الحسينية
مما لا شك فيه ان ثورة ونهضة الإمام الحسين عليه السلام تحمل العديد من الأبعاد والأسباب والأهداف والقيم والأمور التي تستوقف الباحث والمحقق وتدعوه للتأمل في مجملها.
واذا كانت هذه الثورة المباركة في الظاهر والشكل الخارجي نوعاً من المقابلة والبراز حيث الحضور العسكري لجبهة في مقابل أخرى، فإن الأبعاد الأساسية والحقيقية لها تبقى هي الأهم، وتبقى الأهداف التي عملت من أجل تحقيقها هي الأساس الذي يختزن معالم الرسالة الاسلامية.
ولتوضيح الأمر يمكن العودة الى أحد أقوال الإمام الحسين عليه السلام حيث وضح فيه كما في العديد من الأحاديث الأخرى المعالم الأساسية للنهضة الحسينية، يفهم من مجملها أن النهضة كانت لأسباب وأهداف خاصة كلها يرتبط بواقع الدعوة الاسلامية وإكمال المسيرة التي بدأت منذ نزول الوحي على الرسول (ص).
واذا كان لكل معصوم وسائله وطريقته في تبليغ رسالة السماء وايصالها الى افراد المجتمع المسلم، فإن كل واحد منهم لا بل كل وسيلة اعتمدوها كانت بمقام الحلقة الضرورية واللازمة للمرحلة ولإكمال المراحل الأخرى، ولهذا لا يمكن للباحث أن يتوقف عند تأييد أو معارضة أسلوب معصوم معين لمجرد أن كانت المعطيات الظاهرة في تلك الحقبة أوضح وأجلى منها في الحقبات الأخرى، اذ ان لكل مرحلة أسلوبها والكيفية الخاصة في التعامل مع الرسالة الالهية بحيث أن مجموع حركة المعصومين يشكل حلقات متصلة تنفصل بزوالها الأهداف الأساسية للرسالة.
وهنا أعود للامام ابي عبد الله (ع) موضحاً أهم الأهداف التي وجدت ثورته المباركة لأجلها، وهي من دون شك من الأهداف التي كان يصبو اليها الائمة أجمعون في اختلاف المراحل التي مروا بها، يقول الإمام عليه السلام: "اللهم انك تعلم انه لم يكن ما كان منا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فضول الحطام ولكن لنرى المعالم من دينك ونظهر الاصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك، فإنكم ان لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم وعملوا على اطفاء نور نبيكم".
يستوقفنا في هذا الحديث الشريف مجموعة من العناوين التي تشكل أساس الأهداف التي كانت لأجلها نهضة الإمام عليه السلام:
1 ـ توضيح معالم الدين
ان الوقوف على هذا الهدف الأساس يعود بنا الى أصل وجود الدعوة الاسلامية وحركة المعصومين عليهم السلام، فكانت مسألة تلقي الوحي ونقلها وتوضيحها والدفاع عنها من أهم الأمور التي جهدوا على ايجادها، لا بل وتحملوا الكثير من العناء في سبيل ايصال الدعوة الى الناس وتفهيمهم اياها. والأكثر من هذا انه لا يمكن تصور رسول او معصوم لا يقترن وجوده بتوضيح ونشر معالم الدين.
لقد كانت عبارة الإمام عليه السلام هي الأساس في الأعمال والاهداف التي يسعى من اجلها تأكيداً للدور المناط والمكلف به من قبل الله تعالى، هذا أولاً وثانياً باعتبار ما آلت اليه الظروف المحيطة بالمجتمع الاسلامي في تلك الحقبة الزمنية الخاصة، فمتى ينهض الشخص من أجل توضيح معالم الدين؟
طبعاً ينهض عندما يتعرض الدين ومفاهيمه وتعاليمه لما من شأنه ان يغيبه ويزيله ويبعده من أرض الواقع التي كانت يجب أن يكون فيها.
ان العودة الى كلام الإمام الحسين(ع) كما الائمة الآخرين من قبله تؤكد لنا الأسلوب والطريقة التي كانوا يتبعونها في سبيل نشر تعاليم الدين وتوضيحه، حيث كانت تارة بالدليل وتارة بالمثال والتوضيح وتحليل المعطيات التي تقرب الانسان لأن يدرك حقيقة هذه التعاليم ويقف على مكنونات وجودها واسرار الالتزام بها.
2 ـ الاصلاح في البلاد
استكمالاً للتوجه الأول لا بد من ايجاد عملية اصلاح على مستوى الأمة وايجاد عملية تغيير كي تصل معالم الدين الى المكان الذي يجب أن تكون فيه.
والاصلاح من العبارات الحساسة التي شاع استعمالها وتجييرها في مفاهيم ومواضع متعددة كان يؤدي عدم اعطائها الفهم الصحيح الى الاستعانة بها في مواقع لا يمكن ان نطلق عليها اصلاحاً بقدر ما هي عملية تخريب وتهديم.
لعل الشائع في العديد من ساحات العمل الثقافي والفكري ان الاصلاح هو ذاك العمل الذي يقصد به تغيير الواقع بإزالته وايجاد شيء آخر مغاير تماماً لما هو موجود بناءً على توجه ورغبة وفهم وأهداف الأشخاص الذين قاموا بالعملية الاصلاحية هذه. وبالتالي المقصود منه نسخ الأصل وإزالته.
ولكن ماذا أراد الإمام الحسين عليه السلام من الاصلاح، وما هو المفهوم والمعنى الذي سعى لايجاده؟ هل اراد الإمام ان يقول بأن كل ما هو موجود هو أمر مرفوض يجب القضاء عليه، وبالتالي الاتيان بدين وشريعة ودستور جديد ليحل مكان ما هو موجود.
صحيح ان الفساد شاع في البلاد الاسلامية وعلى مستويات متعددة سواء الفكرية أو الاجتماعية أو ما شابه ذلك.. ولكن الإمام حدد بدقة ما اراد، فكان قوله الشريف: "اني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (ص) اريد ان آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن ابي طالب عليه السلام".
حدد الإمام عليه السلام أحد أهم الأسباب التي دفعته للقيام والثورة بأنه أراد الاصلاح، ولكن الاصلاح في مفهوم الإمام عبارة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأهم من ذلك كله هو العمل بسيرة رسول الله (ص) وأمير المؤمنين عليه السلام. وهذا يعني ان الاصلاح ليس ازالة واتيان بشيء جديد، انما الاصلاح هو بالعودة الى الجذور والأصول. ولذلك كان احياء سنة رسول الله وتوضيح معالمها الحقيقية، وتبين مكوناتها هو الضامن الأساس للاصلاح الذي أراده الإمام عليه السلام.
3 ـ الأمان للمظلوم
لقد حدد الإمام الهدف الثالث لحركته وهو أن يحصل المظلومون على الأمان والاستقرار، والأمان من المكتسبات الطبيعية للانسان باعتبار الوجود الحقيقي له في المجتمع. وقد ساهمت الأوضاع الحاكمة في تلك الفترة بأن يفقد الفرد الكثير من حقوقه، ابتداءً من حق الحياة والعمل والحق بالعدالة والمساواة بين أفراد المجتمع وعدم تقديم آخرين لنسب أو سلطة أو مال أو ما شابه ذلك. والمظلوم لفقدانه العديد من الأمور هذه كان محلاً لتعرض حكام الجور والأنظمة والقوانين التي لم تراعِ في الأصل وجوده. لقد أراد الإمام عليه السلام ان يغير هذا الواقع ويستبدل النظام السائد بالنظام الالهي الذي يعين لكل فرد في المجتمع المسؤوليات والواجبات، ويؤسس لحياتهم نظاماً يؤدي في النهاية الى الكمال والسعادة.
4 ـ العمل بالفرائض والسنن
مما لا شك فيه أنه اذا لم يكن بالإمكان توضيح الدين وتغيير الواقع الموجود وتكريس الرسالة الالهية الحقة أو ايجاد الأمن والاستقرار في المجتمع فإن الفرد لن يتمكن على الاطلاق من العمل بالفرائض أو الالتزام بالأحكام والسنن الالهية، حيث ان العمل بمضمون الشريعة، بالاضافة الى حاجته الى المعرفة، فإنه يحتاج الى باقي الظروف التي تساعد العبد في خلوص عبادته والاتيان بها على الوجه الصحيح.
لقد حدد الإمام في مقدمة كلامه الأطر والضوابط التي تحكم حركته، اذ لم تكن من أجل زعامة أو رئاسة ولا حباً بالدنيا ومحتوياتها، بل كانت تحكي هذه الضوابط عن قيم وتعاليم أعلى من الشخص بذاته ومن المجتمع باعتبار افراده، حيث الدين الالهي والغاية التي يجب ان يصل اليها الفرد والمجتمع كلاهما.
لقد كانت ثورة الإمام الحسين عليه السلام فريدة بنوعها وظروفها وبالأهداف التي وجدت لأجلها، حيث تخطت هذه الثورة المباركة الاعتبارات والحدود لتكون مدرسة بحد ذاتها قدمت نهجاً وتعاليم لا بد منها في الوصول الى النجاة والخلاص الى سبيل السعادة.
علي الحاج حسن
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1147 ـ 3 شباط/فبراير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018