ارشيف من : 2005-2008
عبد الله بن جعفر:واسيت الحسين بولديّ
لما بلغت زينب صلوات الله عليها مبلغ النساء، ودخلت من دور الطفولة إلى دور الشباب، خطبها الأشراف من العرب ورؤساء القبائل، فكان أمير المؤمنين (ع) يردهم ولم يجب أحداً منهم في أمر زواجها.
وممن خطبها عليها السلام الأشعث بن قيس، وكان من ملوك كندة ـ على ما في الإصابة ـ فنهره أمير المؤمنين (ع)، وقال: يا بن الحائك أغرك فلان حين زوجك أخته؟ (والحائك هنا: المحتال أو الكذاب الذي يحوك الكذب على الله)
إن الذي كان يدور في خلد أمير المؤمنين (ع) هو أن يزوج بناته من أبناء أخوته، ليس إلا امتثالاً لقول النبي (ص) حين نظر إلى أولاد علي وجعفر وقال: بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا، ولذلك دعا بابن أخيه عبد الله بن جعفر، وشرّفه بتزويج تلك الحوراء الإنسية إياه على صداق أمها فاطمة عليها السلام أربعمئة وثمانين درهماً.
فمن هو عبدالله بن جعفر؟ ولماذا لم يلتحق بركب الحسين(ع) إلى كربلاء وينصره بنفسه أسوة بالآخرين من بني هاشم؟
هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (أبو جعفر) الهاشمي القرشي. ويلقب بالجواد.كفله النبي(ص) ونشأ في حجره. والده ذو الجناحيـن ابن عمّ رسول الله (ص) وأمه أسماء بنت عُمَيْس، وهو أخو محمد بن أبي بكر
ويحيى بن علي بن أبي طالب لأمّهما.
وكان أبوه جعفر بن أبي طالب من أحب الناس إلى رسول الله (ص). وقد أسلم في السنة التي بعث فيها النبي (ص). هاجر إلى الحبشة بأمر النبي (ص): فأسلم النجاشي ومن تبعه على يديه. وقدم المدينة منها (من الحبشة) عند فتح خيبر، فاستقبله النبي (ص)، وجعل يقبل بين عينيه ويقول: ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً: بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر؟
وكانت أمه أسماء من القانتات العابدات، روت الحديث عن النبي (ص) وعن علي والزهراء عليهما السلام، وروى عنها كثيرون، منهم: ابنها عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس رضي الله عنه.
وهو من أصحاب امير المؤمنين(ع) والحسنين (ع). وكان منقطعا إليهم، وقد أخذ عنهم العلم الكثير. وله في حروب أمير المؤمنين ذكر مشهور. وكان أحد أمراء الجيش في صفّين.
يروى عنه أنه قال:" عندما استشهد أبي جعفر، نعاه رسول الله (ص) إلى أمي (زوجته) وعيناه تذرفان بالدموع، ثم مسح على رأسي ورأس أخي وقال: اللهم إنّ جعفراً قد قدم إلى أحسن الثواب، فأخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك في ذريته.
وعنه أيضاً أن رسول الله(ص) مسح يوماً على رأسه ثلاثاً كلما مسح قال: "اللهم اخلِفْ جعفراً في ولده".. وقال له الرسول(ص): أشبهتَ خَلْقي وخُلُقي.
وقد مرّ رسول الله (ص)يوما بعبد الله بن جعفر وهو يبيع، بيع الغلمان والصبيان فقال : "اللهمّ بارك له في بيعه"... فكان بدعوة النبي (ص) هذه من أيسر بني هاشم وأغناهم. وله في المدينة وغيرها قرى وضياع ومتاجرة. وكان بيته محط آمال المحتاجين. وكان لا يرد سائلاً قصده، وكان يبدأ الفقير بالعطاء قبل أن يسأله، فسئل عن ذلك فقال: لا أحب أن يريق ماء وجهه بالسؤال، حتى قال فقراء المدينة بعد موته: ما كنا نعرف السؤال حتى مات عبد الله بن جعفر. وأخباره في الكرم كثيرة منها:
أنّ دهقاناً من أهل السواد كلّم ابن جعفر في أن يكلم الإمام علياً في حاجة، فكلمه فيها فقضاها، فبعث إليه الدهقان أربعين ألفاً، فقالوا: أرسل بها الدهقان، فردها وقال: إنا لا نبيع معروفاً.
وجاء أن رجلا من التجار جلب سكراً إلى المدينة، فكسد عليه، فبلغ عبد الله فأمر قهرمانه أن يشتريه ويهبه الناس.
توفي عبد الله بن جعفر ـ رضي الله عنه ـ في المدينة سنة ثمانين للهجرة، وكان عمره تسعين سنة ... أي أن عمره يوم عاشوراء كان سبعين سنه.إلاأنه لم يلتحق بوكب الحسين(ع) إلى كربلاء. وسبب ذتك أنه كان مكفوف البصر.لأكنه أمر إبنيه عونا ومحمدا بلزومه والمسير معه والجهاد دونه.
ولما نعي إليه الحسين (ع) وبلغه قتل ولديه عون ومحمد كان جالساً في بيته ودخل عليه الناس يعزونه، فقال غلامه أبو اللسلاس: هذا ما لقينا من الحسين ـ وكان الغلام قد ربى هذين الولدين ـ فحذفه عبد الله بنعله وقال له: يا بن اللََخْنَاء(إشارة إلى إستقباح كلامه وإستنكاره)، أللحسين تقول هذا؟ والله لو شهدته لما فارقته حتى أقتل معه. والله إنهما لما يسخّى نفسي عنهما ويهون علي المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه. ثم أنه أقبل على الجلساء فقال: إن لم أكن واسيت الحسين بيدي فقد واسيته بولدي.
اسماعيل زلغوط
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1151 ـ 03/03/2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018