ارشيف من : 2005-2008

حاضر حول "ايران في زمن التحولات"/المستشار ميرزائي: الثورة أسست لتحول حقيقي في مواجهة الاستعمار

حاضر حول "ايران في زمن التحولات"/المستشار ميرزائي: الثورة أسست لتحول حقيقي في مواجهة الاستعمار

أقامت المستشارية الثقافية للجمهورية الاسلامية في لبنان، ولمناسبة الذكرى السابعة والعشرين لقيام الجمهورية الاسلامية في ايران ندوة اعلامية بعنوان: "ايران في زمن التحولات"، في مقر نقابة الصحافة، بحضور كمال فضل الله ممثلاً نقيب المحررين ملحم كرم، وحشد من الاعلاميين والمثقفين، استُهلت الندوة بالنشيدين الوطنيين اللبناني والإيراني، ثم كلمة لممثل نقيب الصحافة مستشار النقابة فؤاد الحركة، أشاد فيها بمواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية المؤيدة لحركات التحرر في العالم، والجهود التي تبذلها من أجل السلام والاستقرار في العالم والمنطقة التي ننتمي اليها.‏

مداخلة ميرزائي‏

ثم كانت كلمة للمستشار الثقافي الايراني الشيخ نجف علي ميرزائي، توجه فيها بداية، بالتعازي للأمة الاسلامية بحلول ذكرى عاشوراء، التي هي مناسبة انسانية قبل أن تكون مناسبة مذهبية.‏

كما وجّه التعازي كذلك الى الشعب اللبناني بحلول الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري "الذي كان بحق عنواناً أساسياً لمرحلة تاريخية غاية في الحساسية في لبنان، وقد تكون أحرج المراحل، حيث كان يقود مشاريع الدولة ومشاريع المجتمع المدني، وله حق كبير جداً في أن ينعم البلد بالأمن لأنه كان يحتضن أيضاً مشاريع المقاومة ومشاريع الحرية في لبنان". ثم تحدث عن "ايران في زمن التحولات"، فلفت الى أن انتصار الثورة الاسلامية في ايران، لا يمكن أن يفهم بعيداً عن السياق التاريخي للحركات الدينية السياسية في الغرب، وهذا سيكون منبعاً لسوء الفهم للثورة الاسلامية في ايران، وقال: ان هذه الثورة التي قادها الامام الخميني وأسس لها، لم تكن ثورة ايديولوجية ودينية، بالمعنى المألوف والتقليدي في الغرب، فالثورة الاسلامية لم تأت لتفتح حرباً على العلمانية أو على عدم الالتزام بالطقوس الدينية، ولم تدع الى الحرب على الكفار لأنهم غير مؤمنين بالله، وإنما كانت بكل المقاييس تحولاً اجتماعياً، وجاءت لتؤسس لنهضة اجتماعية تصحيحية على مستوى قضايا الإنسان، لافتاً الى أن هذه الثورة أسست لمصطلحات جديدة، ومنهج جديد للحركة الاجتماعية وللحركة الفكرية والدينية، وأدخلت في التحولات الاجتماعية مصطلحي "الاستضعاف والاستكبار"، المصطلحين اللذين لا يبدو أن الزخم الديني التقليدي فيهما أساساً، لأن المشكلة التي طرحها الإمام الخميني، في التحولات الاجتماعية في إيران، لم تكن مشكلة تقليدية، فقد تطرقت الى قضايا تحررية انسانية في فلسطين وأفريقيا وأميركا الجنوبية ولبنان وقضايا أخرى كثيرة، كان خطاب الامام الخميني (قده) خطاباً أساسه همّ الإنسان وحريته الحقيقية في العيش الكريم والحياة الطيبة، ومنطقه كان منطقاً عقلانياً، فهو دعا الى تحوّل اجتماعي، بعيد عن المقولة الدينية الإيديولوجية التقليدية، لقد كانت قراءته الدينية وفهمه الاجتماعي للإسلام يستوعب كل هذه الأبعاد ويتسع لها، ولذلك فإن الإمام الخميني دعا الى رفض الاستبداد والاستكبار و"الطاغوت"، ودعا الى العزّة الإنسانية في كل مكان، وإلى الحرية وضرورة أن يكون القرار السياسي والقرار الاجتماعي هو قراراً تصنعه الشعوب في كل بلد، ولا يُفرض عليها من الخارج".‏

وقال: نحن بحاجة الى إعادة قراءة هذه الثورة التي تمثل منطلقاً لمساحة كبيرة جداً من التحركات الاجتماعية والسياسية على صعيد المنطقة والعالم الاسلامي والعربي، فيما يتعلق بعلاقة الديني بالسياسي والاجتماعي، وهذا يجب أن يصحح في تفسير هذه الثورة، كي لا تُصنف الى جانب الحركات الدينية، التي حاولت تاريخياً أن تحكم وتقوم بالمشروع السياسي في البلاد، ولكن دون الانفتاح على إنسانية القضايا الاجتماعية.‏

وإذ أكد على دور الدين في رفض الاستبداد، لفت الى وجود توجهات دينية لا تضع في أولوياتها التحول الاجتماعي الانساني، بمقدار ما تولي الأهمية للتحولات الطقوسية الدينية وتتبنى خطابات التكفير، مشيراً في هذا الإطار الى ابتعاد الثورة الاسلامية في ايران، عن الخطاب الإيديولوجي التقليدي، فالمرأة في هذه التجربة كانت في طليعة الحركة السياسية والثقافية، وهي تشكل عنصراً أساسياً فيها، لافتاً الى وجود اختلافات جوهرية في فهم هذا التحول الاجتماعي.‏

وقال ميرزائي: الإمام الخميني لم يأت ليفتح النار على العلمانية والثورة لم تأت لمقارعة العلمانية، إنما جاءت لإنقاذ الشعب الإيراني من مخالب الاستبداد في الداخل والاستكبار والاستعمار من الخارج، حيث كانت إيران والمنطقة محتلة من قبل الاميركيين في القرار السياسي وفي القرار العسكري والاجتماعي، وكان هذا الاحتلال الأجنبي في ظاهره يبدو كدعم لها!، ثم تحولت ايران فيما بعد وقبيل الثورة، الى أكبر جزيرة استقرار (كما قال أحد قادة الإدارة الاميركية آنذاك) تهدد العرب والمسلمين في المنطقة. فالإمام لم يأت بخطاب فقهائي تقليدي ليفتح الأبواب التقليدية للفقه والشريعة، وإنما كان يدعو الى المطالب الاجتماعية والعدل، وتحسين الوضع الإنساني في المجتمع وتصحيح الأداء الإداري والسياسي، وضرورة أن ينعم البلد باستقرار سياسي حقيقي، مؤكداً على دور الدين في الاستفادة الحقيقية من طاقات الإنسان في التغيير، يجوز القول إن الثورة الاسلامية انطلقت ليس دفاعاً عن الله، وانما جاءت لخدمة الإنسان تلبية لدعوة الله في تحريره.‏

الهجمة الاميركية‏

ورأى أن الهجمة الاميركية الشرسة التي نشهدها اليوم على التجربة السياسية الايرانية تعود الى ان هذه التجربة تعيق المشروع الاميركي في تحقيق الاستراتيجيات الكبرى في المنطقة وكذلك في العالم، و"اللا" التي تصدر في ايران، هي مدعومة بدولة، وسياسة، ونظام، ودستور، هم يريدون اعاقة التطور الذي حصل مؤخراً في ايران، مؤكداً أن الايرانيين هم اليوم حجر عثرة امام أمركة المنطقة وأمركة القرار السياسي، وأمركة الثقافة والعقل الاسلامي والعربي، وان الجمهورية الإسلامية من خلال مقاومتها الدستورية والإنسانية المنفتحة البعيدة عن التزمت الفكري، استطاعت ان توقظ العقل الانساني المعاصر، وتدعو بشجاعة الى ضرورة التحرر من الاستعمار الخارجي والاستبداد الداخلي.‏

أضاف: هم خائفون من أن تتحول إيران الى قطب اقتصادي وإقليمي كبير يلعب دوراً حاسماً في إبطال كل مشاريع الاميركيين في المنطقة والعالم، وأن تصل ايران الى مستوى اجتماعي واقتصادي وتكنولوجي ينافس الوجود الاميركي بحيث لا يكون هو القدرة الوحيدة في العالم، لتفعل ما تشاء، لافتاً الى أن إيران وصلت في المجال الصناعي والتكنولوجي الى مراحل متقدمة، وبعد أشهر قليلة سيتم الإعلان عن اختراعات وإبداعات كبيرة على صعيد "الخلايا" الأساسية، مشيراً الى أهمية الطاقة النووية التي وضعت إيران في مصاف الدول العشر الأولى، ذات التقنية النووية.‏

الطاقة النووية‏

وقال: مهما جرى على صعيد المشروع الايراني النووي، فإن الطاقة النووية، أصبحت وطنية وموجودة، وإذا ما ضرب أي مشروع لا يعني ذلك أنه انتهى، بل إن العلماء ـ الشباب الإيراني ـ هم الأساس في هذا المشروع، وهم قد اكتسبوا كل ما تحتاجه ايران في المجال النووي والغرب يتعب نفسه فقط، واصفاً الحديث عن مشروع السلاح النووي بالكذبة، لإعاقة ذلك التطور الاستثنائي في الطاقة النووية، ومن ثم منع التقدم الشامل. وقال في معرض رده على أسئلة الحضور "إن البلد الذي يمتلك تقنية عالية سيكون له وجود، ويتمكن من مواجهة الهجمات التي تشن عليه، مؤكداً أن الجمهورية الاسلامية الايرانية في وضعها الراهن، قوة اقليمية كبيرة، ولكن ذلك لا يعني أن الايرانيين يخططون لمشروع اقليمي، فالرهان هو على الداخل الايراني، ولكن اذا ما تعرضت ايران لتهديد فإن الجمهورية الاسلامية تملك رؤية وأنصاراً وامتدادات، ستكون جميعها ضمن حلف مواجهة هذا الاستعمار". وقال: "اذا نجح المشروع الايراني في الداخل، فسيصبح خندقاً وحصناً مقاوماً في وجه الهجمة ضد المنطقة، ما يعني فشل المشروع الاميركي في المنطقة".‏

وحول مسألة تخصيب اليورانيوم السلمي، رأى ان أهم وسيلة لإيصال المعلومة حول هذا الأمر هي بالانفتاح الإيجابي الكامل على وكالة الطاقة الذرية، وقد تمكن المجتمع الدولي خلال عامين من الحصول على المعلومات حول أبحاث تخصيب اليورانيوم، من خلال وجود عشرات فرق التفتيش، مؤكداً أنه ليس لدى ايران ما تخفيه، كما انها لا تقبل أن تصادر استقلالية القرار السياسي فيها، ولا يمكن ان تفتح البلد أمام الآخرين دون وجود ضمانات قانونية. فهم وعدوا بأن تفتح إيران أمامهم مجالات، ثم يقومون بتعهداتهم، ولكنهم لم يلتزموا بأي من تعهداتهم، في وقت التزمت هي بكل تعهداتها لهم، لكن الخطاب ما زال يتصاعد. ونفى اتهام كوندوليزا رايس لسوريا وايران بوقوفهما خلف التظاهرات، التي تقام ضد الاساءة لرسول الله (ص)، لافتاً الى أن ايران تأخرت عن غيرها، في الخروج الى الشارع، احتجاجاً على هذه الرسوم، في وقت كانت التظاهرات تعمّ البلدان الاوروبية والعربية، بالمحتجين على هذه الرسوم.‏

الانتقاد/ ندوة ـ العدد 1149 ـ 17 شباط/ فبراير 2006‏

2006-10-30