ارشيف من : 2005-2008

الثورة الحسينية.. ثمرة الدور الإلهي

الثورة الحسينية.. ثمرة الدور الإلهي

في ذكرى أربعين الإمام الحسين (ع) نستعيد ريحانة رسول الله (ص)، التي أعدها وأولاها العناية الكلية لتؤدي دورها الإصلاحي النهضوي في ساحة الإسلام الحنيف الذي عصفت بأرجائه الانحرافات. نستعيد دوره بعد استشهاد أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأخيه الحسن المجبتى عليهما السلام، واستيلاء البيت الأموي وطغمته الحاقدة بقيادة معاوية، التي استهدفت الدين الحنيف الذي بلغ العبث به أوجه في خلافة الطاغية الفاسق يزيد ومن أتى بعده، وما قاموا به من خروج على الدين الحنيف واستباحة لتعاليمه ومبادئه ومقدساته والتنكر لها ولأعلامها الميامين الذين ضحوا من أجل عزتها وانتصارها.‏

هذا الواقع المرير الذي وصل اليه الإسلام على يد فسقة الحزب الأموي وحلفائه، والذي أضحى يهدد وجوده في الصميم، استدعى نهوضاً سريعاً لتصحيح المسار والنهج اللذين آل اليهما الإسلام، فكانت ثورة الإمام الحسين عليه السلام ونهضته مع آله وأصحابه في وجه طغاة ذلك العصر وهو من هو في موقعه وفي دوره الذي أُعد له على يد جده خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى يد أمير المؤمنين وخاتم الوصيين من بعده عليهما سلام الله ورحمته وبركاته، وهما من هما في إيمانهما ووعيهما ودورهما التاريخي في رسالة السماء وعدالتها الإلهية التي تتجاوز الزمان والمكان!!..‏

والحسين وهو من هو في مكانته وإيمانه ووعيه وحكمته بما يملك من ثقافة الرؤية المثقلة بتجليات العقل النبوي والوحي الإلهي، تتفجر من بين جنباته ينابيع القرآن وتعاليمه، فهو تجسيده الواقعي وآياته الناطقة في كل ممارساته.. وكيف لا يكون ذلك وله في كل وقفة تأمل وعزة تزداد به علماً ورفعة وإيماناً وتقوى، وتنبت في تلافيف قلبه وروحه مدارك تتسع لمعارف الدنيا وما وراءها؟!‏

ذلك هو الحسين (ع) الذي تتجسد في شخصيته الفذة عناصر ومؤهلات القيادة الجامعة لتحرير الإسلام من طغمة الفساد والانحراف التي أحاطت به وعملت جاهدة لتقويض صروحه التي أعلى بناءها وصروحها الرسول والصحابة الكرام بتضحياتهم وجهودهم التي بذلوها.‏

ذلك هو الحسين عليه السلام، فكيف لا يثور لأجل مبادئ القرآن الكريم وتعاليمه لحمايته والدفاع عن التراث السماوي الذي هبط على جده محمد (ص)، والذي دافع عنه والده الإمام (ع) واستشهد من أجل انتصاره، ليبقى منارة هدى وفيض محبة ورحمة للعالمين.‏

ان المسؤولية تقع عليه بالدرجة الأولى وعلى أصحابه في الدفاع عن الإسلام وحركته التوحيدية وترسيخ قواعده ومفاهيمه.‏

وكما جعل والده أمير المؤمنين (ع) من حياته درعاً لوقاية وحماية الدين الجديد وصاحبه (ص) في مجالدته الشرك وعتاته حتى استقام عمود الدين وعلت صروحه، بقي هو يجالد الكفر وأهله مواصلاً الجهاد حتى استشهد وهو يصلي في محرابه بين يدي الله، إعلاءً لراية التوحيد التي تسلمها بعده الحسن المجتبى، لتبقى خفاقة في الأعالي ترفرف في الآفاق برغم أنف الطغاة والمجرمين، حتى مضى الى ربه شهيداً على طريق نصرة الحق وقيمه ومفاهيمه.. فتسلم الراية بعده الإمام الحسين في خضم متلاطم من الأحداث والتحولات التي استهدفت الإسلام قيماً ومضامين، والذي أراده الله سفينة نجاة لإنقاذ البشرية من تخبطها في الجهل والظلمات، وجعله شعارات فارغة يستغلها البيت الأقوى وأعوانه بقيادة معاوية وابنه يزيد الفاجر الفاسق لتنفيذ مآربهم ونفوذهم.. هذا البيت الذي لم تتوقف مؤامراته للقضاء على الدعوة الإسلامية وقادتها وأبطالها منذ بداية انطلاقتها وبزوغ فجرها.‏

كان الحزب الأقوى مع طغمة ولاته وزعمائه يختلقون الأحداث اختلاقاً ويلصقونها بآل بيت النبوة للقضاء عليهم وعلى أتباعهم البررة.‏

ويشتد الخطر، وتدلهم الأجواء، وتزداد المؤامرات على الإسلام، هذا معاوية يفرض ابنه يزيد خليفة له، يتوّجه ملكاً وحاكماً مطلقاً على المسلمين.. يزيد الفاسق يصبح ملكاً وحاكماً مطلقاً!! فيقضي معاوية بذلك على حكم الشورى في الإسلام.. وها هو أحد قادته المجرمين، حين نصب يزيد حاكماً يقول: "هذا أمير المؤمنين، فإن هلك فهذا، ومن أبى فهذا.."، وسل سيفه من غمده وشهره في رؤساء الوفود التي دُعيت الى الحضور لتبايع يزيد.‏

بارك معاوية ذلك الخطيب قائلاً: "أنت أخطب العرب".‏

مات معاوية وتسلم يزيد سدة الحكم، ولا همّ له منذ كان غلاماً إلا شرب الخمر والانغماس في الملذات والملاهي ومسامرة القرود، حتى سماه أهل الشام "يزيد القرود".‏

اذاً فكيف يمكن أن يكون ولاته ومساعدوه وقادة جيشه! ألم يكفِ الإسلام والمسلمين ما أصابهم على يد ابن هند وابن مرجانة وغيرهما من عتاة الكفر والإلحاد، حتى أتى يزيد القرود لإكمال صنائع جده وأبيه ومن حالفوهم من تقتيل وسلب ونهب وتمزيق للأمة وتفريغ لمضامين رسالتها التوحيدية الحضارية وقيمها الأخلاقية والدينية.‏

فالقهر والحرمان والضرائب المرهقة وظلم الناس ونهب بيت مال المسلمين واغتصاب الحقوق والزكاة، كل هذا سُخّر لملذات ومتع الطبقة الحاكمة من محاسيب وأنصار وأزلام، للإثراء على حساب بؤس العامة والفقراء ومناهضي السياسة الأموية.. هذه الطغمة التي صادرت كل شيء وجعلت من جبروتها المتجسد بيزيد القرود أداة لإطفاء نور الله وحياة عباده المؤمنين، وملاحقتهم في أصقاع الأرض وأخذهم بحد السيف وإباحة حرمهم، كما حدث لمدينة الرسول وللكعبة الشريفة.‏

وهكذا أصبحت الأمة والإسلام تهب ما شاءت أمية لحماية عروشها القائمة فوق بحور من دماء المظلومين والأبرياء.‏

لم يُبق فسّاق بني أمية وطلقاؤها من الإسلام ومبادئه وتعاليمه إلا شعارات جوفاء ينادون بها تضليلاً وتدجيلاً للحفاظ على مواقعهم وعروشهم الخاوية، يرفعونها ليضلوا بها الناس.‏

أحس الناس بخطورة ما يجري وما يحيق بالإسلام والمسلمين من خطر مدمر، وأدركوا بعد فوات الأوان فداحة ما أصاب الأمة من خراب ودمار، وأن الإسلام في خطر!! ومن له غير الحسين، رأس البيت النبوي وعميده؟ من له غير وريث النبوة والولاية وأصحابه الذين لم تلوثهم الجاهلية ولم تحرفهم الإغراءات التي بذلها بنو أمية، والتي عطلت أحكام القرآن وسنة نبي الهدى، واتخذت مال الله دولاً في ما بينها وعباد الله خولاً؟! وينتفض الحسين (ع)، ها هو يعلن ثورته على يزيد، يحدد أهدافها قائلاً لأصحابه:‏

"أما بعد، فإني أدعوكم الى إحياء معالم الحق وإماتة البدعة والباطل، فإن تجيبوا تهتدوا سبل الرشاد".‏

وفي خطبته في أصحابه، بوجود الحر الرياحي وجيشه أثناء مسيرته الى كربلاء يقول: "أيها الناس، إن رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا بقول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله.. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله"..‏

محمد علي المسمار‏

المراجع:‏

1 ـ مروج الذهب، المجلد الثالث، ص28.‏

2 ـ الحسين أبو الشهداء، ص144.‏

3 ـ أبناء الرسول في كربلاء، خالد محمد خالد.‏

4 ـ تاريخ الطبري، الجزء السابع، سنة 61 هجرية.‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1153 ـ 17 آذار/مارس 2006‏

2006-10-30