ارشيف من : 2005-2008

بذرة الإبداع

بذرة الإبداع

يحتاج المبدع إلى فسحة من الحرية، فلا يمكننا أن نتلو على رأسه آلاف الوصايا ومن ثم نقول له: أعطنا إبداعاً.. لأن عقليته أصبحت معتادة على الاستجابة للأوامر والتوجيهات التي تدلّه على الطرقات التي سيسلكها, ولن يكون بإمكانه بأي حال أن يبدع طرقات جديدة لم تطأها أقدام أسلافه, فلا إبداع مع التقليد والاتّباع.‏

كان هيرقليطس يقول: لا يمكنك أن تخطو في النهر نفسه مرتين، النهر يتحرك بسرعة، لا يبقى على حاله، إنه يتغير باستمرار، وهكذا هي الحياة، وهكذا هو النص الذي يتطلع إلى الإبداع, فالتجربة الإبداعية هي في حراك دائم من المجهول إلى المعلوم، ومن المعلوم إلى المجهول، في دينامية دائمة الحركة لا تقف عند حدود.‏

يخطئ البعض عندما يتصور أن العقل الجماعي التوافقي الذي يضع الأهداف والضوابط والحدود المسبقة يمكن أن يخلق إبداعاً حقيقياً، فعندما نتحدث عن الإبداع فإننا إزاء عملية غير نهائية وغير مكتملة.. وهنا تكمن رمزيتها وشغفها وجمالها.‏

النص الإبداعي يحتاج أولاً وآخراً إلى شجاعة فائقة وروح مغامرة ومخالفة للسائد، وإذا لم تتوافر هذه الروح في الفنان فإنه سيكون مؤلفاً تقنياً، وشتان ما بين التأليف والإبداع.‏

الإبداع الحقيقي ينبع من مناطق بعيدة الأغوار في النفس البشرية، إنه يشبه صحوة القلب عند العارف الذي يشكّل أعلى درجات الإبداع من خلال عينه المختلفة عن عيون البشر العاديين في النظر إلى هذا العالم الذي نعيش فيه.. ثمة حالة تشبه يقظة القلب في أعمال بيكاسو ومايكل أنجلو وفان غوغ وموزارت وبيتهوفن.‏

تنطوي العملية الإبداعية على شيء من الاستبصار الذاتي وليس الموضوعي، وهي في مكوّناتها وعناصرها الداخلية فعل سير نحو المجهول واللايقين، تماماً كما هي حياة الإنسان في هذه الحياة، فلو زوّد الإنسان منذ ولادته بخارطة تدله إلى معالم طريقه وتحدد له كل اتجاهاته، لكانت حياته بلا طموح وبلا معنى، ولأمست أيامه رتيبة ومملة وكئيبة.‏

حسن نعيم‏

الانتقاد/نقطة حبر ـ العدد 1153 ـ 17 آذار/مارس 2006‏

2006-10-30