ارشيف من : 2005-2008

خشبة "القائم" وشاشة العرض تجمع بين تاريخين وانتصارين:"لن تمحو ذكرنا" مسرحية أكدت ان المقاومة قبس من كربلاء

خشبة "القائم" وشاشة العرض تجمع بين تاريخين وانتصارين:"لن تمحو ذكرنا" مسرحية أكدت ان المقاومة قبس من كربلاء

"لن تمحو ذكرنا"، تلك النبوءة الخالدة، تجسدت على مسرح "القائم" بالصورة والصوت في عمل مسرحي جمع بين الشاشة والخشبة، والسيف والبندقية.‏

عشرون يوماً من النص الى المؤثرات والديكور والملابس، حوّلت العبرة الى دمعة، وقطرة الدم الى انتصار، ولم تُسدل الستارة إلا بعد أربعين دقيقة على مقاومة كل ما عندها من كربلاء، من رايات وبيارق، قبضات، ومواقف ودماء.‏

يبدأ العرض بعبارتين، لحدثين إثنين لا يلتقيان، الأول وقع عام 61 للهجرة النبوية الشريفة، والثاني عام 1982، ولا يكاد الإمام الحجة (ع) يختتم المصرع الحسيني بالدعاء، حتى قفز التاريخ الى يومنا هذا كاشفاً عن معسكرين وجيشين، و"حسين" واحد، وقافلة من الشهداء يُجيبون الناصر، ويلبون النداء.‏

كأن قافلة الحسين(ع) خرجت إلى المسرح، وحبيب بن مظاهر ترجل عن جواده وتسلم الراية، والحر الرياحي دخل إلى الشاشة التي تتوسط الخشبة، وخرج من طرفها يعلن التوبة بين يدي الإمام(ع)، وعندما تحتدم المعركة يدوي الصوت في توزيع لا يقل احترافاً عن سيناريو كتبه مشهداً مشهداً المخرج ناصر بحمد "الصامت" كما قدمه المشرف على العمل محمد كوثراني في حفل الافتتاح الذي جرى برعاية رئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين في كلمة أضافت على نص الشيخ حسن بحمد وقائع بين التاريخين لا يدركهما إلا الراسخون في الشهادة، واعتبر سماحته "ان المزج بين كربلاء والمقاومة هو محاولة موفقة"، خصوصاً "عندما ندخل الى كربلاء من أبواب الأدب والفن". وبعد مقاربة بين كربلاء والمقاومة، قال "ليس بإمكان أي تهويل ان يُسقط المقاومة وأهلها".‏

ولولا الدمج المشهدي الناجح بين حرب الحسين (ع) العادلة ضد دولة الظلم الأموي، وبين معركة المقاومة الاسلامية ضد الاحتلال الإسرائيلي للأرض اليوم، لأضاعت "وارث" سلسلتها، في سنتها الثانية التي تميزت عن البانوراما العاشورائية في السنة الماضية بدمج مجموعة من المؤثرات المشهدية والصوتية الى حركة الممثل على المسرح، كما هي حال العروض المسرحية.‏

لكن البلاغة، هنا، لم تأت من قافية القصيدة، إنما بفعل المونتاج، الذي تجاوز المشاهد المصورة، الى توليفة تكاد تكون نادرة في الأعمال المسرحية اللبنانية والعربية، سرعان ما اندمج فيها الممثلون في أدوار نصفها على شاشة العرض، والنصف الآخر منها أمام جمهور غفير بكى مرة على مقتل الإمام (ع)، وهتف في مرة ثانية عندما شاهد كيف تحولت حياة المحتلين "إلا برما" تحت ضربات سلاح المقاومة.‏

البلاغة أيضاً، في الصورة نفسها. فالمسرحية لم تقتطع من أرشيف "المنار" المشاهد الكربلائية، وإن اعادت عرض بعض وقائع عمليات المقاومة المصورة. فقد أدرك الجمهور أنه يشاهد للمرة الأولى عاشورائية شهر محرم في انتاج ايراني ضخم، عثر عليه في طهران، ليس بالصدفة طبعاً، الشيخ علي ضاهر مسؤول وحدة الأنشطة الاعلامية، إنما بفضل متابعته الدائمة لجديد الانتاجات التلفزيونية والسينمائية في ايران، ويرى "الشيخ علي" الذي اختار نبوءة السيدة زينب أمام الطاغية "يزيد" عنواناً للمسرحية، ان عاشوراء تحتاج الى اكثر من ذلك، ربما تحتاج إلى محترف فني كبير ومستمر يقدم كربلاء بروحها بأشكال فنية مختلفة، وقال ان التحضيرات أُنجزت في وقت قياسي، مشيراً إلى ان سلسلة "وارث" مستمرة، وسنحاول التجديد فيها وتطويرها الى الأفضل.‏

كل الذين حضروا العروض، شعروا أنهم يشاهدون حصرياً لقطات غير معروضة على الشاشة لرجال المقاومة الاسلامية، واهمية هذه المشاهد في ان المقاومة جاهزة على سلاحها، كما قال الأمين العام السيد حسن نصرالله، وان المستوطنات الاسرائيلية تحت أقدام المقاومين. وهذا ما اكدته تلك الصورة الناطقة.‏

يتفق فريق العمل ان المسرحية تريد أن تقول عبارة واحدة غير "لن تمحو ذكرنا"، وهي ان "المقاومة قبس من كربلاء"، بحسب تعبير المخرج ناصر بحمد، واستطاع الجهاز الاداري والفني بما يملك من وقت وامكانيات تجسيد هذه العلاقة التي تربط بخيط الزمن الرفيع بين تاريخين على خشبة المسرح التي تتوسطه شاشة عرض استحوذت على أكثر من نصف العمل، ولعبت المخرجة سارة قصير دور المخرج المساعد في ادارة الممثلين، وهي ادارة صعبة دون شك، بسبب قدسية الأدوار والمواقف، وضيق المساحة والإضاءة غير الكاملة.‏

"لن تمحو ذكرنا" هي أكثر من محاولة. انها مقاربة مشهدية لسلسلة من الخطب والمحاضرات والمداخلات والكتابات، طولها ربع قرن من عمر الاحتلال الإسرائيلي للأرض.‏

هنا على مسرح مسجد القائم في محلة الصفير في بيروت يمكن العبور الى كربلاء والعودة منها بقبس.‏

قاسم متيرك‏

الانتقاد/ قراءة ـ العدد 1152 ـ 10 آذار/ مارس 2006‏

2006-10-30