ارشيف من : 2005-2008

"درة الصدف" في قاعة الجنان":تداعيات الواقعة العاشورائية بين الحضور والغياب

"درة الصدف" في قاعة الجنان":تداعيات الواقعة العاشورائية بين الحضور والغياب

التوظيف المسرحي، في القضايا الاسلامية، لا يزال ضعيفاً وخجولاً في ذات الوقت، هذا الفن الذي يرتدي أهمية كبرى في إيصال ما نود ايصاله من قضايا وأفكار، نطمح من خلالها لإحداث تغيير في نفس وعقل ومفاهيم الجماهير الشعبية وقطاعاتها التي هي هدف التغيير في سبيل خلق وعي أفضل لواقع المجتمع وقضاياه، والمسرحة أو الإبداع المسرحي شيء غير النص، إنه النتاج المركب من النص والتمثيل والإخراج وهندسة المناظر، والأزياء والموسيقى والتشكيل، وهو بالاضافة إلى ذلك مضمون الفرجة التي يعهد فيها إلى مجموعة من الممثلين، لتقمص أشخاص، تتجه أحداث ووقائع حياتهم نحو مصائر تختلف طبيعتها، حسبما يريده النص والإخراج، بما يتناسب مع منطق كل مرحلة تاريخية تتراوح بين المأساة والملهاة: حيث يتحول الفضاء المسرحي في مجموعه إلى ديكور يتحرك فيه الممثلون في فضاء معرفي يؤدى فيه الهدف المطلوب، ويصبح فيه الفاعل ـ الملقي المؤلف والمخرج والممثل والمصمم.‏

قلنا ان التوظيف المسرحي في القضايا الاسلامية، لا يزال ضعيفاً وخجولاً لأنه لا يزال يعتمد في اطلالته على بعض المبادرات الفردية أو الهيئات الاجتماعية التي تملك امكانيات مادية، تؤهلها لصناعة مسرح فاعل ومنتج يعطي مردوداً قادراً على الاعتماد عليه في تغطية مصارفاته وفي تأثيره الشعبي والجماهيري، من هذه الهيئات التي تبذل جهداً، معتمدة على مبادراتها الذاتية وجهودها، الهيئات النسائية في حزب الله وفرقة الولاء الفنية اللتان لهما جهود مشكورة في هذا المجال، والتي تضعنا اليوم أمام مبادرة جديدة من مبادراتها في ذكرى أربعين الامام الحسين عليه السلام.‏

هذه المبادرة هي مسرحية بعنوان "درة الصدف" من تأليف الأخت نسرين ادريس، وإخراج الأخت هدايا سنان، وتمثيل فرقة الولاء الفنية ـ تحت إشراف الهيئات النسائية الاسلامية لحزب الله ـ بيروت.‏

هذه المسرحية يتناول نصها قصة واقعية من صميم التراث الاسلامي هي قصة ثورة ـ درة الصدف ـ ابنة الصحابي الجليل عبد الله الأنصاري صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وولديه الامامين المعظمين الشهيدين الامام الحسن والإمام الحسين بطل كربلاء عليهم السلام.‏

والمسرحية تتألف من فصلين:‏

الأول يضم أربعة مشاهد والثاني يضم مشهداً واحداً.‏

المشهد الأول من الفصل الأول يتحدث عن الاستعداد لزواج درة الصدف بطلة المسرحية من خطيبها أسامة الذي هو أحد قادة جيش يزيد في حلب، محاولاً التودد لدرة الصدف بإظهار ولائه ومحبته لأهل البيت، تعود أم درة ودرة الصدف وصديقتها نايلة من دمشق حاملين جهاز العروس، ولكنهم يتأففون مما رأوه وشاهدوه في دمشق في ظل حكم يزيد الطاغية، تودع نائلة صديقتها درة الصدف مازحة، حب خطيبك أسامة أنساك عشقك للقتال والسيف، فترد درة الصدف هذا ما يخيفني أشعر بالارتباك.‏

فترد نائلة مازحة من قال لك ان الزواج ليس قتالاً ومبارزة، تحدث درة نفسها فرحة: أمطري أيتها السماء على قلبي ياسميناً، شكراً لك يا رب، ثم تعود لتخاطب سيفها قائلة: وأنت يا رفيق عمري ورفيق دربي.. ما كنت أظن أن أعيش إلى يوم أضعك في صندوق.. ما كنت أظنك ترتاح في عمرك سأنتظر بفارغ الصبر أن ألد طفلاً لأنتشلك من رقادك.. أتمنى أن أرزق بصبي اسميه "علي".‏

مولاي يا أمير المؤمنين… السلام عليك وعلى أبنائك.‏

يدخل أبو درة يحيي الجميع ويسأل كيف حال أهل الشام؟‏

تجيب درة! صم.. بكم.. عمي ومن فتح عينيه ورأى حال الاسلام واستنكر، ضرب يزيد عنقه.‏

تجري اشاعة بإمساك بأحد أتباع علي (ع) "رافع" ثم تتوارد المعلومات عن حصار الإمام الحسين في كربلاء واستشهاده مع أصحابه، وسبي آل بيت النبوة وسوقهم إلى الشام بإمرة ابن سعد والشمر لعنة الله عليهما. في المشهد الثاني يشتد غضب درة الصدف ويحصل جدال عنيف بينها وبين نائلة قائلة: لو أننا رفعنا سيوفنا مع الحسين في كربلاء لما حصل ما حصل، تستل وردة الصدف سيفها قائلة: لا.. يزيد ليس خليفة المسلمين، تخرج درة محرضة النساء على القتال وفي نفس الوقت تصطدم بموقف اسامة الذي يصرخ في وجهها لقد استدعاني الوالي بسببك عدة مرات الويل لك.‏

تستدعي درة النساء محرضة على القتال قائلة أتعلمن أن الحرب التي ظن يزيد أنه ربحها كانت قتل الامام الحسين مع أهل بيته وأصحابه، ونساؤه الآن سبايا في قافلة الأسر يسوقهن شمر بن ذي الجوشن عليه اللعنة. ثم تكمل نائلة قائلة: أتبقون مخدرات وبنات فاطمة حواسر... وتعود درة الصدف لتكمل إننا عزمنا على دفن رأس الحسين وأهل بيته وأصحابه هنا، وتحرير نساء آل بيت النبوة من أسر جيش الشمر.‏

ويعود الجدل صاخباً بين أسامة ودرة الصدف، تطالبه بالانتفاض على الظلم لإحياء دين الله، وتعلن أنها لن تحني يديها ولحية الحسين مخضبة بالدماء، وتقول له بتحدّ: كل منا اختار طريقاً معاكساً للآخر، فاختر عروساً لك غيري.‏

ثم تقول له: عدني أنك اذا رأيت السيف يحصد رأسي ألا تمنعه. أما في المشهد الرابع وقد اقترب وصول ركب السبايا يدخل رجل ملثم بيت أبي درة يلقي سلامه ويكشف عن وجهه، انه أبو الأسود الدؤلي صاحب امير المؤمنين، يتأهل به أبو درة وهو يقول ما أطيب ريحك العلوية يا صاحب علي:‏

فتجيب درة: هي فرصتنا يا أبا الأسود لقد أعدوا العدة للانقضاض على ركب السبايا والرؤوس، لكن أبا درة يقول للغدر دائماً مكانه: فيبادر أبو الأسود قائلاً ومتسائلاً: أسامة؟!! الحذر واجب، لكن بالرغم من انزعاج درة الصدف، يبقى الشك في نفس أبي الأسود آخذاً مكانه، يحاول أبو الأسود تنفيذ الخطة المرسومة وتساعده درة الصدف في دعوة النساء الى الالتحاق بأتباع أبي الأسود خلال ذلك، يأتي أسامة ويسأل عنها فتجيبه أم درة لقد ذهبت لرؤية النساء، وقد حاولت منعها من ذلك، وتفشي أم درة سر شكوك أبي الأسود بأسامة، فينتهرها أبو درة قائلاً ويلك يا امرأة..‏

يذهب اسامة الى قبيلة بني حمير مفتشاً عن درة الصدف، في هذا الوقت يدور حوار بين الشمر وخولي الاصبحي، عن وضع الرؤوس والسبايا والجائزة التي سيقبضانها من يزيد، وما يلبثان ان يسمعا قلقلة سيوف تطوق المكان، وصوتاً يقول نحن لا نريد قتالاً، نريد السبايا والرؤوس فقط.. ويرتفع صوت أبي الأسود: ارموا سيوفكم وارحلوا.. أنا صاحب علي: ويرتفع صوت درة خذيهما يا نائلة حتى يقيدا مع جنودهما، في نفس الوقت يرتفع صوت أبو الأسود ونائلة: سامحنا يا مولاي فوالله لا نعرف بأمر كربلاء الا عند ورودكم، السلام عليك يا سيدنا ومولانا يا أبا عبد الله.‏

تصاب نائلة بضربة سيف من الخلف فتصرخ درة ما الذي أصابك يا نائلة.. فيصرخ الشمر لن تموتي الا بسيفي.. يا خولي أقتل أبا الأسود.. فيجيب أبو الأسود نحن لسنا حمقى يا شمر، ولكننا لا نغدر.. هذا هو دين علي.‏

وتصرخ درة الصدف بعد أن عرفته، أأنت يا أسامة!!! أأنت الرجل الذي وشى بأتباع علي!! لماذا!؟ لماذا!؟! ان كنت من مبغضي علي وأولاده وأتباعه، لماذا اخترتني أنا لتتزوجها؟!!‏

ويجيبها ذلك الخائن كنت أصاهر رأس الأفعى.‏

انها الخيانة دائماً، الخيانة التي تقضي وتقوض كل صرح، تهدم كل بناء، تغتال الحق وأصحابه، لتتقاضى ثمناً بخساً من سلطان جائر، أو من زعيم مجرم، انها الخيانة التي لا تقيم وزناً لدين أو كرامة أو شرف أو ضمير، هذه هي مسرحية درة الصدف التي ستعرض في قاعة الجنان لمناسبة أربعين الامام الحسين (ع) وأربعين شهداء الطف الذين أبوا الذل والانقياد ليزيد الطاغية ولخلافته التي حاولت تدمير الاسلام وصروحه ومفاهيمه وقيمه الخالدة، والتي ثار أبو الشهداء وأتباعه عليها، وهم يرددون‏

ان كان دين محمد لم يستقم‏

الا بقتلي يا سيوف خذيني‏

محمد علي المسمار‏

مسرحية :"درة الصدف" من تأليف نسرين إدريس وإخراج: هدايا سنان‏

الانتقاد/ قراءة ـ العدد 1154 ـ 24 آذار/مارس 2006‏

2006-10-30