ارشيف من : 2005-2008
الكتاب هموم وإبداعات
أول ما يخطر في بال المهتم بأمور الكتاب وأحوال الباحثين، عندما يخطره الذهن، لماذا وكيف يكتبون وما هي أهدافهم؟ وأين هم من أحداث العالم وحياة الناس؟
ما الذي عليهم القيام به ـ كتاباً ناجحين ـ يكتبون بحق ويشهدون بصدق، معلمين الصدق ومجتنبين الخيانة والكذب.
والحق أن يقال: مهما صنع الكاتب الناجح لنفسه كياناً فهو ليس بعيداً عن معترك الحياة، وهو مع الناس في العيش والتطلعات والمبادئ.
لذا فهو يكتب عنهم ولهم ويستقي حروف كتاباته الأولى عندما يقترب منهم فيعيش همومهم ويتحسس مشاعرهم وآلامهم وآمالهم.
أما نهاية قصة الكاتب فليست هنا، إنه كذلك يقوم بدوره من الخدمة والعطاء، وعطاؤه هنا من نوع آخر.
فالكتابة عالم كبير مختلف الجوانب متعدد الجهات باختلاف حياة الناس وتعدد مشاكلها، فتواضع الكاتب وحبه كمن يحمل المعول مساعداً الفلاح في استصلاح الأرض وزراعتها، وصدقه وإنسانيته العالية كساعي خير يصلح بين الناس، مع كل زعيم أو مسؤول تصدى لقيادة المجتمع، ووعيه يتجلى كخبير في أوضاع الدولة السياسية والاقتصادية مترقباً لتوجهات الدول وأهدافها ومشاركاً في صناعة سياسة قوية للبلاد، مقدماً ما بحوزته من نصائح وطرق لتطوير حياة الناس وإنقاذهم من مشاكلهم المعيشية والاقتصادية، نعم وأكثر من ذلك هو يساهم في صناعة الرأي العام لبلاده، ويشارك في صياغة الأهداف العليا لوطنه وجعلها حية تسري في قلوب الشعوب، وأعظم ما يكون من أهدافه المساهمة في ترشيد وتقوية معرفة الناس لمبادئها ومعتقداتها..
وشجاعة الكاتب هنا أيضاً كمن امتشق السلاح إلى جانب الجندي والمقاوم في قلب المعركة مواجهاً الخائنين كما المعتدين على السواء، وباعثاً العزم في نفوس المتخاذلين باذلاً مهجته من الدم والروح..
هو مع الفقير يحتسب الصبر طريقاً قصيراً إلى أن يثور على ناهبي الثروات وآكلي حقوق الشعوب، أو يطلع الفجر مع مصلح تقوم الأرض بعدله مشرقة..
فعلى الكاتب أن يكون مثل هؤلاء، فهم اختصروا الكتابة إلى أبعد الحدود فاكتفوا بالعمل وظهرت منهم الثمار: عاملين سائرين بصمت..
أما هو ـ الكاتب ـ فشأنه كل الأعمال والمهام، أن يجمع بين الكل وأن يعمل مع الجميع وأن يعيش معهم في الأعمال والمبادئ، إنه يرسم ويخطط لأفضل انسجام بين أطراف المجتمع وأفراد الناس، إنه ينظر إلى وحدة الأمة وتوحد الناس.
فهو يجمع بين الناس ويسهم في بناء مسار الأمة ووضع بنيانها، لأنه يوصل شرايين الحياة بين جميع أطرافها، ويضع مصابيح مضيئة على مفارق طرقاتها لتصبح لوحة متلألئة وخريطة تضج بالوئام والألفة.
وفي المقابل يساهم في تشييد جدار عال بين شعبه ومجتمعه وبين الدخلاء وأصحاب الغايات والمكر، ولديه مهارة في التمييز بين الدعوتين ولا يكون مع التي على ضلال.
إنه صوت الشعب وأذن الحق ولسان القيادة وعقله محيط بما يجول في خاطر هؤلاء، أما عيناه فواحدة ترقب مسيرة الناس وأخرى تستكشف مخططات الآخرين، أما شأنه الآخر البحث عن الضائعين الضالين لينقذهم من أودية وسراديب الظلام مضيئاً شمعة لهم في ليلهم الدامس قائلاً: عودوا إلى الأمن والسلام عودوا إلى أوطانكم الحقيقية، فأنتم بلا وطن ولا أمن،إنه حريص على أرواح الناس بقدر ما هو قاس وثابت أمام أصاحب الفتنة والمتمردين على النور ومنكري أبسط واضحات العقل والوجدان.
ونعود إلى حياة الكاتب، فهو يأخذ من العامل والمزارع الطيبة، ومن المجاهد البأس وروح الصدق والتضحية، ومن القائد والمسؤول روح المسؤولية والتطلع إلى المستقبل، ومن المعتقد وضوح الحقيقة والمبدأ والهدف…
أنت كاتب ناجح يعني أنك مع هؤلاء جميعاً كما هم مع قيامهم وحركاتهم، وكل من هؤلاء واحد، والكاتب المبدع كلهم جميعاً.
كل عرف طريقه وسلك سبيله، أما الكاتب فطريقه مليئة بالعقبات والأشواك في الوقت التي هي واضحة جلية، طريق الكاتب الواعي غير آمنة وملأى بالعقبات إلا عندما يخط أول حرف وكلمة، وعنده كل كلمة طريق وكل سطر مسير ونهج.
هدفه أن يحيي الناس فيبعث الأمل والروح في المجتمعات.
انه معهم جميعاً الأولون والآخرون، يعيش في حاضر التاريخ كما في ماضيه، وكذا في مستقبله مستكشفاً ناصحاً مرشداً… لأنه عين لا تنام وقلمه لا ينضب.
عندما يعيش معهم يصير مهم في الشكوى والفرح، إلا أنه يمتاز عنهم بتأثره السريع واتصاله المباشر بما حوله، فيسيل قلمه كما تسيل دموعه، وتنساب كلماته كما تنساب عواطف قلبه.
مضطراً في الحرب ومختاراً فيها الثبات ان واجهت طريقه،
أول من يشعل النار هو، وآخر من يبقى، بل لا يخرج منها حتى الانتصار.. وفي السلم هو سيد الحوار، ويترك رماد قلمه يغطي الجمار، إنه مظهر المجتمع بكل تفاصيله،إنه عالم في قلب عالم.
إنه تجلّ للجميع في قلب عاشقٍ مهموم يريد السعادة للجميع.
علي ظاهر
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1168 ـ 30 حزيران/يونيو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018