ارشيف من : 2005-2008

حب الدنيا(*)

حب الدنيا(*)

لما كانت قلوبنا مختلطة بحب الدنيا وليس لها مقصد ولا مقصود غير تعميرها، فلا محالة أن هذا الحب مانع من فراغ القلب وحضوره في ذلك المحضر القدسي، وعلاج هذا المرض المهلك والفساد المبيد هو العلم والعمل النافعان.‏

أما العلم النافع لهذا المرض فهو التفكر في ثمراته ونتائجه، والمقايسة بينها وبين مضاره ومهالكه الحاصلة منه. وكاتب هذه الأوراق قد كتب في شرح الأربعين شرحاً في هذا الباب، وفسّر الموضوع فيه بالمقدار الميسور، وهنا في هذا المجال أيضاً نكتفي بشرح أحاديث أهل بيت العصمة.‏

في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "رأس كل خطيئة حب الدنيا". والروايات بهذا المضمون كثيرة مع اختلاف في التعبير، ويكفي للإنسان اليقظان هذا الحديث الشريف، ويكفي لهذه الخطيئة العظيمة المهلكة أنها منبع لجميع الخطايا وأساس جميع المفاسد، فبقليل من التأمل يعلم أن جميع المفاسد الخلقية والعملية على التقريب من ثمرات هذه الشجرة الخبيثة، فما أسّس في العالم دين كاذب، ولا مذهب باطل، وما اتفق في الدنيا فساد، الا بواسطة هذه الموبقة العظيمة. وإنّ القتل والنهب والظلم والتعدي هي نتائج هذه الخطيئة. وإن الفجور والفحشاء والسرقة وسائر الفجائع وليدة هذه الجرثومة للفساد، والإنسان الذي وقر فيه هذا الحب مجانب لجميع الفضائل المعنوية، وان الشجاعة والعفّة والسخاء والعدالة التي هي مبدأ جميع الفضائل النفسانية لا تجتمع مع حب الدنيا، وان المعارف الإلهية والتوحيد في الأسماء والصفات والأفعال والذات، وتطلب الحق ورؤية الحق متضادة مع حب الدنيا، وإن طمأنينة النفس وسكون الخاطر واستراحة القلب التي هي روح السعادة في الدنيا لا تجتمع مع حب الدنيا، وإن غنى القلب والكرامة وعزّة النفس والحرية كلها من لوازم عدم الاعتناء بالدنيا، كما أن الفقر والذلّة والطمع والحرص والرِّقيَّة والتملّق من لوازم حب الدنيا، وإن العطف والرحمة والمواصلة والمودة والمحبة متعارضة مع حب الدنيا، وإن البغض والحقد والجور وقطع الرحم والنفاق وسائر الأخلاق الفاسدة وليدة أم الأمراض هذه.‏

(*) من كتاب "الآداب المعنوية للصلاة" للإمام الخميني (قده)‏

الانتقاد/ نور الولاية ـ العدد 1168 ـ 30 حزيران/يونيو2006‏

2006-10-30