ارشيف من : 2005-2008

أبناء الرسول(ص) في مصر:آثار الماضي وامتدادات الحاضر

أبناء الرسول(ص) في مصر:آثار الماضي وامتدادات الحاضر

رفاعة الطهطاوي‏

ولد رفاعة الطهطاوي في عام 1801 بصعيد مصر من أسرة ينتهي نسبها إلى الامام الحسين (ع) من جهة الأب، أما من جهة الأم فينتهي نسبها إلى الانصار..‏

انتسب إلى الأزهر وأصبح من نوابغه بعد فترة وجيزة لم تزد على خمس سنين حيث أصبح من معلميه..‏

وكان رفاعة يمتاز بيقظة الذهن وسعة الاطلاع، وقد سعى جاهداً نحو اكتساب المعارف العصرية مثل الطب والفلك والجغرافيا..‏

وبعد سنوات انتقل إلى الجيش ليعمل واعظاً وإماماً، وحين قرر محمد علي ارسال البعثات إلى اوروبا لتلقي العلوم الحديثة كان رفاعة في مقدمة المرشحين ليكون واعظاً وإماماً لأفراد البعثة.‏

في باريس‏

ولم تكن من مهام رفاعة أن يدرس أو يتعلم، بل أن يؤدي دوره كإمام وواعظ لأفراد البعثة، إلا أنه تجاوز دوره ومهمته واتجه إلى تعلم اللغة الفرنسية حين وصل إلى باريس، وقام بتسجيل مشاهداته هناك التي جمعت فيما بعد في كتابه الشهير: "تخليص الابريز من تلخيص باريز"، وأبدى رفاعة دهشته من حالة التحضر والمدنية في فرنسا بداية من النظافة والنظام إلى العمارة والثقافة والملابس والمسارح والصناعات الحديثة مثل العربات التي ترش الشوارع بالماء وأدوات الطعام والعلاج، وتوقف الطهطاوي مشدوداً أمام الانتاج الفكري والثقافي فأخذ ينتقل بين المكتبات والمتاحف، وانجذب بشدة نحو الصحف التي رآها لا تفارق الناس في المقاهي والحدائق وسائر الأماكن فأدمن قراءتها ومطالعة ما فيها..‏

قول رفاعة عن هذه الصحف: ومن الأشياء التي يستفيد منها الإنسان كثيراً من الفوائد الشاردة التذاكر اليومية المسماة بالجرنالات، وهي ورقة تطبع كل يوم وتذكر كل ما وصل اليهم علمه من ذلك اليوم، وتنتشر في المدينة وتباع لسائر الناس مأذون فيها لسائر أهل فرنسا أن تقول ما يخطر لها وأن تستحسن وتستقبح ما تراه حسناً أو قبيحاً، وأن تقول رأيها في تدبير الدولة، فلها حرية تامة ما لم تضر بذلك، فإنه يحكم عليها وتطلب بين يدى القاضي..‏

وقد مكث رفاعة في باريس ست سنوات اكتسب فيها الكثير ببصيرته الواسعة وعقله المفتوح من سائر العلوم والفنون..‏

ورسخت في نفسه فكرة الاصلاح والرغبة في نقل الأفكار الحديثة التي تتعلق بالدستور والعلم والتشريعات…‏

وخلص رفاعة إلى أن ما تعلّمه من علوم من مصر لم تكن سوى علوم جوانية تركز على النفس والروح والأخلاق، أما ما تعلمه في فرنسا فهي علوم برّانية ـ حسب تعبيره ـ لا تعرفها مصر مثل علوم الهندسة والكيمياء والطب والصيدلة، وتأثر رفاعة بفلاسفة فرنسا آنذاك مثل فولتير وجان جاك روسو ومونشكيو، وهؤلاء الذين مهدوا بأفكارهم لقيام الثورة الفرنسية..‏

ولقد تشبع رفاعة بالعديد من المفاهيم العلمية والثقافية والأدبية والسياسية والاصلاحية التي شكلت العقل الأوروبي، وقرر ان ينقل هذه الثقافة إلى مصر، ويعد رفاعة هو أول من أبرز فكرة الجمهورية في الفكر الاسلامي والعربي، وصور الحكم الأخرى مثل الملكية المطلقة والملكية المقيدة..‏

يقول رفاعة: وشريعة الاسلام ـ التي عليها مدار الحكومة الاسلامية ـ مشوبة بالأنواع الثلاثة المذكورة لمن تأملها وعرف مصادرها ومواردها.. ورفاعة لم يعتبر فكرة الجمهورية بدعة من الاسلام، وهو يعيش في ظل الحكم العثماني الذي يقوم على أساس الملكية المطلقة المتلحفة بالدين.‏

دور رفاعة‏

قام رفاعة بدور بارز بالغ الأهمية في محيط مصر كان له أكبر الأثر في نهضتها وتقدمها وبروز الحركة السياسية والاصلاحية والثقافية التي امتدت آثارها إلى العالم العربي والاسلامي.‏

وأول انجازات رفاعة وأهمها في هذا المجال هو حركة الترجمة التي رعاها ودعمها من خلال مدرسة الألسن التي قام بتأسيسها في مصر..‏

وحركة الترجمة هي التي حققت التواصل بين العقل الحديث والعقل المصري الذي كان جامداً أو مطوقاً، وأسهمت في بعثة ونهضة وبروز جيل من المثقفين والمترجمين والاصلاحيين.‏

ومن إنجازاته الدعوة إلى الاهتمام بالتعليم، وتعليم المرأة، على وجه الخصوص، فهو أول من مهد الطريق أمام هذه الدعوة التي سادت مصر فيما بعد، وتم تطبيقها على ساحة الواقع.‏

وكان الطهطاوي هو أول من أشار إلى ضرورة القوانين الوضعية والاستفادة منها، ودعا إلى التوفيق بين الفكر الغربي السياسي والفكر الاسلامي، والمواءمة بين الوطنية والدين، أو الاخوة الوطنية والاخوة الدينية، واعتبر أن الدولة الاسلامية وطن للجميع مسلمين وغير مسلمين، وحمايتها واجبة على الجميع.‏

ودعوة الطهطاوي كانت تتركز حول تبني النهضة الحديثة مع التمسك بالذات الاسلامية، مؤكداً أن النهضة الأوروبية انما قامت على أساس علوم هي في الأصل اسلامية.‏

وحمل رفاعة راية الثورة على الاقطاع واستغلال جهود الفلاحين الذين لا يترك لهم الا الفتات.‏

وقد أوضح هذه القضية وغيرها في كتابة: "مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية" الذي ركّز فيه على فكرة الوطنية والقومية والسياسة والأدب والاقتصاد والدين وشتى القضايا الفكرية.‏

ويركز رفاعة على أن العمل هو القيمة الأساسية الرئيسية، وهذه الفكرة كانت تصطدم بنظام الإقطاع الذي كان سائداً في مصر، والذي كان يسرق جهود الفلاحين دون عمل.‏

يقول رفاعة: ثم أن المقتطف لثمار هذه التحسينات الزراعية والمجتني لفوائد هذه الاصلاحات الفلاحية الناتجة من الغالب عن العمل انما هو طائفة الملاك، حتى لا يكاد يكون لغيرهم شيء من محصولها له وقع، فلا يعطى للأهالي الا بقدر الخدمة والعمل على حسب ما تسمح به نفوسهم في مقابل المشقة.‏

وقد امتدت جهود رفاعة وآثارة الى دعم حركة النشر والصحافة وتوجيهها حيث أنشأ جريدة الوقائع المصرية وروضة المدارس.‏

وتخرج من مدرسة الطهطاوي العديد من الرموز التي أسهمت في نهضة مصر وتقدمها مثل: علي مبارك ومحمد عبده وطه حسين، هذا على المستوى الفكري والاصلاحي.‏

أما على المستوى الثوري فقد نهل من مدرسته الزعيم احمد عرابي وخطيب الوطنية عبد الله النديم وسعد زغلول، وهم من الأشراف أبناء الرسول (ص) الذين سوف نتحدث عنهم في الحلقات المقبلة.‏

الانتقاد/ تحقيقات خاصة ـ العدد 1168 ـ 30 حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-30