ارشيف من : 2005-2008
جنون المونديال
جميل شغف الناس وجنونها بالمونديال, وأجمل ما فيه أنهم يتناسون به مشاكلهم ويحاربون بمبارياته رتابة أيامهم وهمومهم المعيشية, ويتلّهون قليلاً عن تصريحات سياسييهم التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
غير أن انقسامات الناس وانتماءاتهم المتعددة التي تمنح للعبة الشعبية حيويتها فإنها تنطوي على بعد آخر ينبغي التوقف عنده قليلاً لمناقشته بعيداً عن طريقة المع والضد. البعد الآخر الذي أشرت إليه هو مسألة التشجيع المبالغ فيه، والذي يصل في بعضه إلى نقاشات وسجالات عنيفة بين الأصدقاء وحتى الأخوة في البيت الواحد.
في مقاربتنا للموضوع يجدر الانتباه إلى أننا إزاء انتماء وجداني عميق، وليس وهمياً كما يتخيل البعض. إنه عند الكثيرين كالانتماء إلى الوطن، وربما أهم فهذا يقول لك أنا برازيلي, وذاك يقول أنا ألماني، ولا يتردد الآخر في سؤالك أنت شو؟
صيغة السؤال تناسب واقع الهوية وليس واقع التأييد، ذلك أن حدود علاقة المشجّع بالمشجّع تجاوزت الإطار التقليدي للتأييد والنصرة لتصل إلى التماهي والذوبان، فعبارة أنا برازيلي ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ تذهب إلى ما هو أبعد من الإعجاب بالكرة البرازيلية. إنها تعني الشغف والتماهي الذي يكسر الحدود بين الطرفين, ويلغي حتى الكلمات التي تفصل بين الأنا المشجِّعة ـ بكسر الجيم ـ والأنا المشجَّعة ـ بفتح الجيم ـ فلا يقول القائل مثلاً: أنا أشجع الفريق الفلاني بل يقول: أنا فلان. ثمة توحد واندماج فأنا فلان, وفلان أنا.
إنها حالة تشبه حالة وجد صوفية تنتفي فيها الحدود والفروق والمسافات.
لا بأس في أن تكون ما تريد فحرية الأفكار نعمة إلهية كما جاء في كلمة الإمام الخامنئي الأسبوع الفائت، ولكن لا يكونّن إلهك هواك ...
حسن نعيم
الانتقاد/ نقطة حبر ـ العدد 1168 ـ 30 حزيران/يونيو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018