ارشيف من : 2005-2008

العلامة الطباطبائي والعقل

العلامة الطباطبائي والعقل

تمكنت شخصية العالم والمفسر والفيلسوف المعاصر الكبير السيد محمد حسين الطباطبائي أن تفرض نفسها كواحدة من أبرز الوجوه العلمية التي رفدت الفكر المعاصر بنتاجاتها القيّمة، فهو المفسر والفيلسوف المجدد الذي تعتبر مؤلفاته نقلة نوعية في مسار العلوم العقلية الاسلامية، سواء لجهة الفهم وإضفاء المنهجية الواقعية على المسائل المطروحة أو لجهة جامعيته ودقته وعمقه المشهود. وهو بلا شك العالم العارف بأمهات المسائل والقضايا الفكرية والاعتقادية الاسلامية، والشاهد على هذا أن العودة إلى آثاره وما تركه قلمه تدلل بوضوح على طبيعة هذه الشخصية وعمقها والمنهج المعرفي الذي تتمتع به.‏

في أجواء الذكرى السنوية لوفاة هذا العالم الجليل نتوقف عند بعض القضايا الفكرية والمسائل التي عالجها كمحاولة للتعرف الى بعض جوانب فكره ومسلكه العقلي في معالجة القضايا المطروحة.‏

1 - العلاقة بين الايمان والعقل‏

لعل مسألة العلاقة هذه من أكثر الموضوعات الجدلية التي أخذت حيزاً كبيراً من الأبحاث والدراسات وتعددت فيها الآراء والنظريات، وبالعودة إلى العلاقة فإنه يتوقف عندها وقفة تأمل وتدقيق، حيث يعتقد أن الفكر العقلي الاستدلالي هو من الأركان الأساسية للايمان. الايمان القائم في الأساس على الدليل هو ايمان صادر عن تصديق بضرورة وصدق المدعي، وبالتالي فإن الطريق الاستدلالي لن يهدينا إلى ايمان تقليدي فاقد للمعرفة الدقيقة بأساسيات المسائل التي نؤمن بها. ويؤكد العلامة ان القرآن الكريم يدعو الانسان إلى الايمان، ولكن الايمان القائم على الحجة والاستدلال لا على الايمان كيف ما كان أولاً ثم البحث عن الحجة والدليل. يقول العلامة:‏

"القرآن هو الوحيد من بين الكتب السماوية الذي يعرف للانسان العلم والمعرفة بطريقة استدلالية، ويعتبر ان الحجة العقلية والاستدلال والمنطق من الأمور المسلّمة، فهو لا يطالب أولاً بتقبل المعارف الاسلامية ثم الانتقال إلى الاحتجاج العقلي واستنتاج المعارف فيها، انطلاقاً من الاعتماد الكامل على واقعيته، بل يقول محصوراً في الاحتجاج الفعلي واستنبطوا منه صحة المعارف ثم يكون القبول والرضا… وبالتالي فإن التصديق والايمان يجب أن يحصل عليه الانسان بدليل أو حجة، لا أن يكون الايمان مسبقاً، ثم اقامة الأدلة وفقاً له..".‏

2 - العلاقة بين الفلسفة والدين‏

ان الحديث المتقدم يأخذنا إلى البحث عن جذور العلاقة بين الايمان والعقل، حيث العلاقة التي ظلت ملتبسة بين الفلسفة والدين، يرفض العلامة بعض الأفكار التي روج لها البعض بالأخص اولئك الذين اصروا على وجود نوع من التنافر بين الفلسفة والدين معتبرين ان مفاد ومضمون الدين هو شيء آخر غير ما تقدمه الفلسفة. وينفي العلامة عقيدة من يظن ان المسائل الفلسفية هي مجموعة من أقاويل وصلت عبر اليونانيين وغيرهم بما فيهم المؤمن والكافر والملحد والمتقي، ويعتبر أن هذه العقيدة باطلة. "فلو كانت الفلسفة كما يظنون لكان الأجدر بها ان لا تكون، ولكان الأحرى بكل من يحترم نفسه أن لا يتعرض لها، ولا يمارسها، وأن ينكرها الدين".‏

ولكن الفلسفة في واقعها هي البحث الاستدلالي عن الحقائق، والدين لا يدعو إلا الى الفلسفة الإلهية، وهي الحصول على المعارف الالهية عن حجة عقلية.‏

3 - التفكر والتعقل في الدين‏

بناءً على ما تقدم، هل هناك من علاقة خاصة بين التفكر والدين؟ يعتقد العلامة ان الحياة الانسانية هي حياة فكرية بمعنى أنها لا تتم الا بالادراك الذي نسميه فكراً. وأما السبب في قيام الحياة الانسانية على الفكر هو أن الفكر كلما كان أصحّ وأتم كانت الحياة أقوم. وعلى هذا الأساس لو عدنا الى القرآن الكريم لوجدنا العدد الكبير من الآيات الشريفة التي تحدثت عن أهمية العلم والمعرفة والعقل. يقول الله تعالى : "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" (الزمر/ 9)، ولعلنا لو راجعنا الكتاب العزيز لوجدنا ما يزيد على الثلاثمئة آية تتضمن دعوة الناس الى التفكر أو التذكر أو التعقل.‏

وبشكل عام لم يكن القرآن الكريم ليؤكد بهذا المقدار على هذه القضية لولا الأهمية الواقعية للفكر في عملية التدين، والتي تمر عبر المعرفة.‏

بالاضافة الى هذا يعتقد العلامة ان الله تعالى لم يأمر عباده ولا في آية واحدة أن يؤمنوا به أو بشيء مما هو من عنده أو يسلكوا سبيلاً على غير علم ومن دون شعور حتى أنه تعالى علل الشرائع والاحكام التي جعلها لهم... كقوله تعالى: "ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر".‏

ما قدمناه هو بعض العناوين التي عالجها العلامة الطباطبائي محاولاً في منهجه الفلسفي والعقلي الوقوف على الدور التكاملي بين الدين والعقل او لنقل بين العلوم النقلية الواصلة عن طريق الرسول والمعصومين وبين العلوم العقلية التي تتخذ من البديهيات العقلية الركيزة الاولى والاساسية لوجودها.‏

علي الحاج حسن‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1155 ـ 31 آذار/مارس 2006‏

2006-10-30