ارشيف من : 2005-2008

نحن والمكان

نحن والمكان

على الرغم من الصعوبات الكبيرة والمشقّات والأهوال التي كانت تعترضهم، كان أجدادنا العرب والمسلمون يتنقلون في بلاد الله الواسعة ساعين نحو طموحاتهم العلمية وأهدافهم التجارية ومقاصدهم السياسية.‏

لقد تمكنوا من تطويع المكان، بل وقهره، غير هيّابين من الطرقات وقطّاعها والجبال ووعورة مسالكها ولصوصها، وبذلك تعمقت تجاربهم في الحياة واغتنت آثارهم، فجابوا البلاد وخبروا معالمها وخرائطها، فاكتسبوا معارف ولغات شتى، وصنّفوا وألّفوا الكتب وقادوا القوافل إلى الأصقاع البعيدة, ومخروا عباب البحر بأحلامهم الكبيرة.‏

يحدثنا التاريخ عن شاعر من أعمال حمص اسمه أسامة بن المنقذ كان يحمل مكتبته معه في أسفاره، وحدث أن غرقت السفينة في أحد أسفاره فغرقت الكتب في البحر.‏

لقد شكلت الأسفار محطات أساسية في تكوين شخصية الرحّالة السائرين إلى حيث تسير بهم مقاديرهم ومصائرهم, وإن تتبع آثار حياة الترحّل في نتاج عدد من كبار الكتّاب العرب يدلّنا على أطوار تشكلهم المعرفي.‏

هكذا نرى ابن خلدون الآتي من الأندلس, يولد في تونس ويتنقل في البلاد طولاً وعرضاً، من الشام إلى تركيا إلى روسيا إلى بلاد فارس.. وكان عنوان الكتاب الذي اشتهر بمقدمته "المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر".‏

أما ابن بطوطة فوصل إلى الصين واتخذ من الترحل هواية ومتعة ومادة كتابة ما زالت حتى الآن قادرة على اجتذابنا. ويمكننا أكثر من ذلك الربط بين الهجرة المكانية والهجرة الروحية في حياة شخصيات صوفية كبيرة كابن عربي، بل ويمكننا قراءة ما يشبه حتمية الإلهام الروحاني القدسي في تنقل العارف الكبير حيدر الآملي من مازندران إلى أصفهان إلى مكة التي شرّفها الله.‏

إذا كان المتقدمون من أجدادنا العرب والمسلمين تمتعوا بحرية الحركة في المكان فما بالنا نحن ـ وعلى الرغم من الثورة الهائلة في عالم المواصلات ـ قابعين في المكان لا نبرحه كما الأشجار، بل كما الصخور والأحجار؟‏

حسن نعيم‏

الانتقاد/ نقطة حبر ـ الانتقاد1155 ـ 31 آذار/مارس 2006‏

2006-10-30