ارشيف من : 2005-2008
عيد النوروز في ايران عادات ورسوم تجمع التاريخ بالحاضر والهوية القومية بالدينية
طهران ـ أميمة محسن عليق
"يا مقلب القلوب والأبصار
يا مدبر الليل والنهار
يا محول الحول والاحوال
حول حالنا الى أحسن حال"
دعاء يرفع الإيرانيون ـ بكافة دياناتهم (المسلمون، المسيحيون، اليهود والزرادشتيون) ـ به أيديهم وهم مجتمعون حول سفرة "الهفت سين" التي لم تتغير منذ الاف السنين (منذ عهد الساسانيين قبل 3000 سنة) مع اختلافها بين مدينة وأخرى وقومية واخرى. وقد سميت هذه السفرة بهذا الاسم أي "السبع سينات" لأنه يجب أن يوضع عليها سبعة أشياء تبدأ بالحرف سين فيضع الايرانيون:
سيب (التفاح) وترمز الى العطاء والولادة الجديدة.
سماق (السماق) ويرمز الى الطهارة
سركة (الخل) ويرمز ايضا الى الطهارة.
سير (الثوم) ويرمز الى القوة.
سمنو (الدبس) ويرمز إلى القدرة على النمو عند النباتات.
سبزة (اعشاب خضراء تزرع قبل أسبوعين من نهاية السنة) وترمز الى البركة والنعمة والخصب، كما يدل على اللون الديني للايرانيين
سنجد (نوع من البلح الصحراوي) ويرمز إلى العطاء والولادة والبركة.
ولا تخلو السفرة من القرآن الكريم الذي هو الكتاب الالهي والمرآة والشموع المضاءة والبيض الملون والسمك الاحمر. ويعتقد الايرانيون ان وجود السمك الاحمر على السفرة يدل على البركة التي ستحل على البيت في السنة الجديدة، والمال (العملة المعدنية) الذي يؤدي الى الرزق الوفير، والرمان الذي يدل على البركة والكثرة، والمكسرات على أنواعها التي ترمز ايضا الى الكثرة والبركة والعطاء، الحلويات التي تصنع في المنزل والتي تدل على البركة والخير الموجود في البيت، بالإضافة إلى البخور الذي تنبعث رائحته في الانحاء.
وللنوروز قصة ترتبط بتلك العجوز التي كانت تنتظر السيد نوروز فتنظف البيت وترتبه وتبقى طيلة النهار تحاول ان يكون بيتها بأبهى حلله حين يصل، ولكنها لشدة تعبها تغفو وحين تستيقظ يكون قد مر النوروز على بيتها تاركا في حديقتها فصل الربيع بكل جماله ولكنها تعيش حسرة عدم رؤيته لتمر سنة كاملة، ويتكرر الأمر ....
والعيد عند الايرانيين - وبعض الشعوب والبلدان الاخرى كتركيا وافغانستان واذربيجان وقازاغستان وطاجيكستان - لا يبدأ في اليوم الاخير من السنة الذي يصادف في أول يوم من فصل الربيع، بل تنطلق المراسم قبل أسبوعين من شهر "اسفند" الشهر الأخير من السنة الشمسية حيث تتغير الاحوال فتبدأ مراسم "خانه تكاني" (تعزيل البيت) اي تنظيف السجاد والبرادي والحيطان وتغيير أماكن الوسائل المنزلية ورمي الاشياء القديمة، التي يتم حرقها في ليلة الأربعاء الأخيرة من السنة، والتي يطلق عليها (الأربعاء السوري) حيث اعتاد الايرانيون منذ أكثر من ثلاثة الاف سنة على القفز فيه فوق النار حيث يوقدون فيه النار ويبدأون بالقفز وهم يعتقدون أنهم يجب أن يكونوا خارج المنزل في هذه الليلة كي يتخلصوا من أحزان السنة التي مضت.
أما في لحظة تحويل العام (أي الدقائق الأولى للعام الجديد) فتجتمع العائلة بأكملها حول سفرة "الهفت سين" طبعا وهم يرتدون الملابس الجديدة لكي يبدأوا السنة بالدعاء والتقرب الى الله وهذا ما يفتخر به الايرانيون ان يكون الدعاء أول ما يقومون به على رأس السنة، ولذلك يتوجه الآلاف من الإيرانيين إلى المقامات المباركة كحرم الامام الرضا (ع) في مشهد وحرم المعصومة في قم أو إلى حرم أولاد الأئمة التي لا تخلو مدينة او قرية ايرانية منها. وبعد تبادل التهاني تبدأ مراسم تبادل الزيارات حيث تتوجه العائلات الى بيوت كبارها ثم بقية العائلة والاصدقاء حيث يحصل الاطفال على العيدية من مال، والكبار على الهدايا المتنوعة، وهذا رسم حافظ عليه الايرانيون منذ القدم.
ولكي تكتمل صورة النوروز ـ اي اليوم الجديد ـ لا ننسى يوم الـ13 من الشهر الاول من السنة، وكما ان العدد 7 في سفرة الهفت سين يدل على السعد والقوة والبركه فالعدد 13 يجلب النحس والحظ السيئ، لذلك يحاول الايرانيون الهروب في هذا اليوم من منازلهم الى الطبيعة كي لا يدخل النحس الى سنتهم الجديدة، وهذا اليوم المعروف باسم "سيزده بدر" اي "الـ13 خارج الباب" وهو يوم الطبيعة ايضاً حيث تكتظ الحدائق العامة والحقول بالناس بطريقة يصعب وصفها حاملين طعامهم ووسائلهم التي تكفي طوال النهار، كما يحملون الأعشاب والأسماك التي كانت على سفرة الهفت سين لكي يرموها آخر النهار في الماء وهم يرددون: ليأخذ الماء البلاء والمصائب والنحس مع هذا النهار.
والنوروز كعيد ومراسم، كان مورد احترام وتأييد بشكل عام، من علماء الدين الذين شجعوا على أجواء المحبة والدعاء وصلة الرحم فيه وأيدوا ذلك ببعض الأحاديث عن المعصومين، كما أن لسماحة القائد الخامنئي كتاب يعرض خلاله نظرته لعيد النوروز وأساسه الشرعي ومعانيه الإنسانية والحضارية والوطنية.
وينتظر الناس هنا خطاب القائد السنوي الذي يبث تلفزيونياً عند تحويل العام والدقائق الاولى ليطل مهنئاً وشارحاً معاني العيد وأحداث السنة الماضية والتحديات المستقبلية وليطلق تسمية للعام الجديد كما جرت العادة.
فبعد سنة الامام الخميني "قده" وسنة العزة الحسينية والسنة العلوية وسنة المحاسبة (محاسبة الشعب للمسؤولين) وسنة التضامن الوطني والمشاركة الشعبية أطلق سماحته على هذه السنة (اي 1385 هجري شمسي) اسم سنة الرسول الاعظم بما ستحمله من برامج وأنشطة على مستوى الدولة والمؤسسات الثقافية والإعلامية والشعبية تركز على التوحد حول محور الرسول الخاتم والجامع لرسالات جميع الأنبياء، مؤكداً رمزية ودلالات تقارن النوروز مع ذكرى أربعين الإمام الحسين، ومن تفاؤل للناس بهذه التسمية طالبين من الله, ببركة وشفاعة رسوله، المساعدة في قضاياهم الاساسية، وخاصة فيما يتعلق بالملفات الساخنة التي تعنيهم مباشرة والتي ألقت بظلالها على حياتهم العام الماضي كالضغوط والتهديدات حول القدرة النووية السلمية أو القضايا التي تهم كل العالم الاسلامي كفلسطين والعراق، وبالطبع طلب السلام والخير لهم ولأولادهم.
الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1155 ـ 31 آذار/مارس 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018